المنشور

خطوة الدب التالية‮!‬

في‮ ‬الادبيات السياسية عندما‮ ‬يتحدثون عن روسيا،‮ ‬يميلون الى استخدام تعبير‮ “‬الدب الروسي‮”،‮ ‬ليس فقط لأن روسيا موطن الدببة،‮ ‬وانما لأن فيها من صفات الدب الشيء الكثير‮: ‬الصبر الذي‮ ‬يجد احد تعبيراته في‮ ‬المقدرة على تحمل العيش في‮ ‬ظروف الصقيع القاسية،‮ ‬وايضا الغموض المحيط بالسلوك،‮ ‬لأنك لا تستطيع ان تتوقع ما الخطوة التالية التي‮ ‬سيتقدم عليها الدب‮.‬ روسيا الغامضة،‮ ‬المحيرة دفعت الى موقع الرئاسة فيها برجل ‬يحمل تسمية الدب،‮ ‬اذا ما عرفنا ان اشتقاق اسم عائلة الرئيس الجديد آت من مفردة الدب في‮ ‬اللغة الروسية‮.‬
قلنا ان روسيا دفعت بميدفيدف الى الرئاسة،‮ ‬لكن هل تراها كانت ستفعل ذلك من تلقاء نفسها،‮ ‬اي‮ ‬لو لم‮ ‬يوظف رجل الكريملين القوي‮ ‬فلاديمير بوتين كل رصيده الشعبي‮ ‬والسياسي‮ ‬لمصلحة الرجل الذي‮ ‬اصطفاه خليفة له،‮ ‬حين بات متعينا عليه ان‮ ‬يغادر الكرملين لأن الدستور لا‮ ‬يمنحه فرصة اضافية لترشيح نفسه،‮ ‬فدفع بميدفيدف الذي‮ ‬بالكاد تجاوز الاربعين من عمره‮.‬ لقد اختار الرئيس الذي‮ ‬انتهت ولايته واحدا من اخلص خلصائه،‮ ‬من موقع الاطمئنان الى ان خطاهما معا ستكون متناغمة في‮ ‬المستقبل،‮ ‬باعتبار ان الطموح السياسي‮ ‬لبوتين اكبر من ان‮ ‬ينتهي‮ ‬بنهاية ولايته الرئاسية التي‮ ‬دامت ‮٨ ‬سنوات،‮ ‬وهذا ما برز في‮ ‬ما كان معروفا سلفا‮: ‬غادر الكريملين كرئيس لروسيا،‮ ‬ليذهب الى البيت الروسي ‬الابيض ‬غير البعيد بصفته رئيسا للحكومة،‮ ‬تاركا الباب مفتوحا امام التأويلات المختلفة حول ما ستكون عليه طبيعة العلاقات بينه وبين ميدفيدف،‮ ‬خاصة وان بوتين لايزال في‮ ‬اوج قوته ونشاطه وحيويته،‮ ‬محمولا على امجاد نجاحاته البينة التي‮ ‬اعادت لروسيا الكثير من هيبتها التي ‬اهدرها‮ ‬يلتسين ومن قبله‮ ‬غورباتشيوف‮.‬
منذ ان اصبحت موسكو عاصمة بناء على اقتراح من مؤسس الدولة السوفييتية فلاديمير لينين،‮ ‬لم‮ ‬يحدث ان حكم الكرملين شخص من موسكو، ‬فكل الرؤساء السوفييت والروس اتو اليه من الأقاليم البعيدة‮.‬ الرئيس الذي‮ ‬انتهت ولايته والرئيس الجديد لم‮ ‬يشذا عن القاعدة،‮ ‬فهما ليسا من موسكو،‮ ‬ولكن مع ملاحظة انهما آتيان من المدينة الروسية الثانية،‮ ‬سانت بطرسبورغ،‮ ‬والتي‮ ‬قد تكون اجمل مدن روسيا على الاطلاق،‮ ‬بناها بطرس الاول محاكيا في‮ ‬تصميمها نموذج مدينة البندقية الايطالية لتكون عاصمة القياصرة‮.‬
نشأت العلاقة بين بوتين وميدفيدف في‮ ‬تلك المدنية التي‮ ‬ذاع صيتها في‮ ‬الحرب العالمية الثانية‮ ‬يوم كانت تحمل اسم لننغراد،‮ ‬حيث صمدت سنوات متتالية بوجه الحصار النازي‮.‬ كان بوتين عمدة سانت بطرسبورغ،‮ ‬فيما كان الرئيس الجديد محاميا استعان به‮ “‬العمدة‮” ‬في‮ ‬تقديم استشارات قانونية،‮ ‬قبل ان‮ ‬يتدرج معه في‮ ‬المناصب،‮ ‬حين اتى بوتين الى موسكو ضمن الحلقة المحيطة ببوريس‮ ‬يلتسين‮.‬ وستحتاج روسيا،‮ ‬ومعها العالم كله،‮ ‬الى بعض الوقت للتيقن ما اذا كان رئيسها الجديد سيظل ظلا للرجل الذي‮ ‬دفع به الى دائرة المجد،‮ ‬ام انه سيشب عن الطوق‮.‬
 
صحيفة الايام
13 مايو 2008