­

المنشور

كيف نحول الحوار الوطني‮ ‬إلى حقيقة فاعلة؟‮!‬

تعترض حوارنا الوطني‮ ‬قضايا مفصلية لتخطي‮ ‬إشكالية التناقضات القائمة في‮ ‬جسد المجتمع ونسيجه،‮ ‬سواء من حيث بعده التاريخي‮ ‬أو الآني‮ ‬أو المستقبلي،‮ ‬ولكي‮ ‬يصبح الحوار ناجزا ومؤثرا في‮ ‬عملية تماسك الوحدة الوطنية وتقطيع جذور وعوامل مكونات الطائفية ونزعتها ولو من منظورها القريب،‮ ‬ومن جهة أخرى الحفاظ على كل جوانب الحقوق المدنية والدينية لذلك النسيج،‮ ‬إذ لا‮ ‬يمنع تطور المجتمع تدريجيا في‮ ‬بنيته الطائفية والقبلية نحو الدولة الحديثة الدستورية،‮ ‬إلا بشروطها التخلي‮ ‬عن استخدام وتوظيف تلك النعرات من اجل ديمومتها لشعورها أن ذلك‮ حقق لها الهيمنة على السلطة دون الاعتماد على شرعية وحدة الشعب والدستور اللذان‮ ‬ينبغيان أن‮ ‬يكونا هما المرجعية الفعلية للجميع،‮ ‬ولن‮ ‬ينجز ذلك إلا بتنفيذ وتفعيل تلك المرتكزات الأساسية فيه،‮ ‬من حريات وحقوق وسلطات فاعلة وعادلة‮. ‬
لكي‮ ‬لا ندخل في‮ ‬دهاليز الصراع القبلي‮ ‬والطائفي‮ ‬ودولة مشوهة الكيان،‮ ‬حيث نراها مشدودة لذهنية الماضي،‮ ‬بينما تيار التغيير وقوة التفاعلات العالمية تقتضي‮ ‬الانخراط أكثر نحو دولة محددة الكيان والحداثة،‮ ‬مستكملة شروط وشكل تفاصيلها الدستورية،‮ ‬في‮ ‬وضع مؤقت مقبول ومستقبل ‬يسعى الجميع لاستكماله معا،‮ ‬إذ برهنت الحقبة السابقة ان ذلك النموذج الاستبدادي‮ ‬المتكئ على عنوان القوة والكبت ومراسيم التسلط،‮ ‬لم تقد وتدخل البحرين إلا نحو التوترات والتنمية البطيئة المتشحة بالفساد‮. ‬
ولكي‮ ‬يكون مشروع الإصلاح الذي‮ ‬جاء به عاهل البلاد فاعلا،‮ ‬عليه‮ ‬ممثلة بالدولة وعلينا ممثلة بالمجتمع المدني‮ ‬المساهمة في‮ ‬نسج توافق مشترك لنوعية ذلك المستقبل والدولة العصرية التي‮ ‬من ضروراتها الأساسية إعطاء كل النسيج حقوقه وإبعاد الطائفة والدين عن التعامل مع السياسة من منظورهما الضيق،‮ ‬الديني‮ ‬والطائفي،‮ ‬بحيث لا‮ ‬يمكن أن تستقيم دولة حديثة تدير المجتمع والدولة بذهنية طائفية وسلطة دينية،‮ ‬فذلك‮ ‬يدخل فكر الدولة ونهجها السياسي‮ ‬إلى تناقضات متضاربة،‮ ‬في‮ ‬كيفية وطبيعة سلطة الشعب ووحدته السياسية والاجتماعية والحقوقية‮. ‬
الإسلام حقيقة في‮ ‬أوال والطوائف حقيقة بحرينية كذلك،‮ ‬وهما حقيقتان تاريخيتان ترسخت جذورهما في‮ ‬تربة البحرين منذ نشوء الإسلام،‮ ‬ولكن الدولة العصرية والطبقات الاجتماعية والعلاقات الدولية وتعقيدات فكر الدولة والحقوق المدنية وبرامج التنمية المستدامة وغيرها من حراكية دائمة داخلية وخارجية هي‮ ‬جزء من معطيات الحياة الإنسانية وعناصرها الحضارية المتفاعلة،‮ ‬وهي‮ ‬ضرورة من ضرورة التغيير ولا‮ ‬يمكن إقحام التاريخي‮ ‬بالديني‮ ‬بالسياسي‮ ‬بصورة ميكانيكية،‮ ‬تدخلنا في‮ ‬الصدام الأهلي،‮ ‬ما لم نكن قد استوعبنا تلك الحقيقة،‮ ‬وبأن تجارب الدولة الدينية لا ‬يمكن أن تستمر في‮ ‬عصرنا،‮ ‬فهي‮ ‬في‮ ‬نهاية الطريق تدخل نفسها في‮ ‬تعرجات العصر،‮ ‬وترى نفسها مجبرة على التنازل‮ ‬يوما اثر‮ ‬يوم،‮ ‬حتى وان احتفظت بقيافتها ومظهرها الخارجي،‮ ‬وحاولت تفسير الأمور الدينية بمرونة،‮ ‬إذ هناك ثوابت دينية لا تقبل التغيير بينما الدولة وفكرها السياسي ‬ومجتمعها المدني‮ ‬مبنية على أساس مبدأ التحول المستمر وبأن قانون الصراع الاجتماعي‮ ‬احد محركاته الأساسية‮.‬
لن‮ ‬ينجح أي‮ ‬مشروع إصلاحي‮ ‬وطني‮ ‬لتذويب الحساسية التاريخية والاجتماعية بين السكان بطوائفهم وأعراقهم وثقافاتهم المتباينة،‮ ‬إلا بالتوافق على حل سؤال هام وهو ما هي‮ ‬ثقافتنا الوطنية المشتركة ؟ التي‮ ‬ينبغي‮ ‬زرعها في‮ ‬نفسية وذهنية أطفال الوطن؟ كيف نغربل برنامجنا الثقافي ‬الوطني‮ ‬القائم على المزيج والتنوع المشترك دون خوف من الشعور بطغيان الآخر،‮ ‬فالمهم هو المستقبل الذي‮ ‬يقدم نوعية جديدة من الثقافة المشتركة التي‮ ‬ستحدد ملامح الأجيال القادمة،‮ ‬والتي‮ ‬نراها مجسدة بلا وعي‮ ‬مفروض في‮ ‬تداخل فنوننا ومزاجنا في‮ ‬الملبس والطعام،‮ ‬وغيره من التنوعات التي‮ ‬بهذا القدر أو ذاك تفرض نفسها بصورة طبيعية،‮ ‬دون حاجة لممارسة الهيمنة الثقافية وتسلطها الفوقي،‮ ‬خشية من ذوبانها وضياعها في‮ ‬تيار‮ “‬تتوهم‮” ‬انه سيجرفها بقوته،‮ ‬متناسية أن المساواة وحدها تخلق روحا جديدة،‮ ‬والتمييز والتسلط‮ ‬يدخلنا في‮ ‬دائرة الانغلاق عن الآخر والخوف منه وكراهيته بصمت،‮ ‬لكونه‮ ‬يمارس التهميش والقسر الثقافي‮. ‬ولن تكون أفضل لثقافتنا الوطنية،‮ ‬من مناهج المرحلة المدرسية الأولى إلى أعلى درجة في‮ ‬الجامعة،‮ ‬كما إن التداخل السكاني‮ ‬لكل مشروع ووحدة سكانية‮ ‬يُؤسس على التداخل دون النظر بروح النسبة والحصص،‮ وإنما بأهمية توزيع عادل لحقوق المواطنة،‮ ‬فمن كان رقمه أقدم من حقه أن‮ ‬يحصل على حقه دون مماطلة،‮ ‬كما إن ممارسة مواصلة بناء المشاريع بروح فئوية وطائفية وقبلية،‮ ‬لا‮ ‬يجوز تكريسها وتعميقها بإرادة ووعي‮ ‬يسهم بسياسة التفتيت والتقسيم والتمايز،‮ ‬وبدلا من أن نطوق فكرة التطويف والنزعة القبلية،‮ ‬نسعى إلى دولة الطوائف اعتقادا منا على أنها طوقنا وحصننا المنيع،‮ ‬في‮ ‬مواجهة المشاكل الاجتماعية والسياسية الناجمة عن صراع أعمق في‮ ‬مظاهره البنيوية‮.‬
‮ ‬انتهى زمن المعجزات،‮ ‬وباتت القدرة الإنسانية والمعرفة قادرة على معالجة شتى أنواع الظواهر التي‮ ‬من المهم أن نضع لبنات وأسس صحيحة لحلها،‮ ‬ولن تكون البحرين بلدا أعمق واعقد في‮ ‬نسيجه الاجتماعي‮ ‬والديني‮ ‬عن بلد بحجم الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي،‮ ‬ومع ذلك تخطو كل ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يخلق شعورا بضياع الهوية الحقيقية للمواطن الأمريكي‮ ‬والهندي‮ ‬والأوروبي.
 
صحيفة الايام
13 مايو 2008