بخلاف قلق الصين من الانعكاسات السلبية لاحتجاجات سكان التبت على سمعتها واستعداداتها الجارية لاحتضان أولمبياد ,2008 فان بعض أوساط النخبة الصينية الحاكمة قلقة أيضا من حدوث تباطؤ اقتصادي في البلاد بعد انتهاء الدورة الأولمبية، على اعتبار أن الدورة الأولمبية التي ستستمر لحوالي شهر سوف ترفع من درجة حرارة ‘مراجل’ تحمية الاقتصاد الصيني، حتى إذا ما انتهت فإن وقود تسخين هذه ‘المراجل’ سوف ينخفض منسوب تدفقه.
إلا أن ‘لو زهينغ’ رئيس معهد الاقتصاديات الصناعية في أكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية له رأي آخر، إذ يقول بأن الخوف من حدوث تباطؤ اقتصادي في الصين بعد انتهاء الدورة ليس حتمياً، مستعيداً بهذا الشأن التجارب السابقة التي مرت بها البلدان المنظمة للأولمبياد. فقد أشار إلى أن اليابان استفادت وحققت مزايا من تنظيمها للاولمبياد صيف عام 1964 لاطلاق موجة نمو صعودية في اقتصادها الوطني لتصبح ثاني أكبر اقتصاد فـي العالم بعد ذلك. كما ان كوريا الجنوبية، التي كان ‘لو زهينغ’ يحاضر فيها، استطاعت الحصول على عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، أي الانضمام إلى نادي الدول المتقدمة، وذلك بعد تنظيمها لأولمبياد .1988
لقد أنفقت الصين منذ عام 2002 وحتى هذا العام 6,268 مليار يوان على إنشاء مرافق رياضية وطرق وأنفاق أرضية وعلى مشاريع معالجة التلوث. إلا أن هذا المبلغ لا يمثل شيئاً إزاء حجم ما استثمرته خلال نفس الفترة على المشاريع الرأسمالية والأصول الثابتة، حيث بلغ 5,42. تريليون يوان، ما يضع حجم الاستثمار على الألعاب الأولمبية في نطاق أقل من 1٪ من حجم الاستثمارات الصينية السنوية.
ولأن الصين ليست كاليابان في عام 1964 ولا كوريا الجنوبية عام ,1988 حيث إنها لم تستكمل عملية تصنيعها وتحديثها بعد، فانها لن تتحول بقدرة قادر بعد انتهاء الألعاب الأولمبية إلى دولة متقدمة، ما يعني أنها لن تتأثر اقتصادياً بانتهاء الدورة، وإن كان بعض التوقعات يذهب إلى إمكانية تأثر بعض المدن مثل العاصمة بكين بانتهاء الألعاب وعودة جموع الرياضيين والزوار من جميع أنحاء العالم إلى بلدانهم.
ذلك على الأقل ما يذهب اليه يعض الاقتصاديين (الأكاديميين) الصينيين. الا ان الواقع قد لا يتطابق مع مثل هذه التأويلات. فالألعاب الأولمبية سوف تسهم بقسطها في تأمين استدامة دورة نمو الاقتصاد الصيني وتنعش مبيعات الشركات الصينية. وإذا كان الاقتصاد الصيني يحتل اليوم المرتبة الرابعة من حيث الحجم بين أكبر الاقتصادات العالمية فانه في عام 2009 وما بعده سوف يحتل المرتبة الثانية.
ولكن هنالك دائماً شيء واحد ينقص الصين كي تصبح مثل اليابان وكوريا الجنوبية في تحولاتهما التنموية الباهرة. إنها الحرية والديمقراطية. والأخيرة هي التي أنقذت النموذج الكوري الجنوبي في آخر لحطة قبل أن تجتاحه الفوضى. فبعد أن نجحت كوريا في إنجاز التراكم الأولي لرأس المال بنموذج رأسمالية الدولة المركزية، ولكن التنموية، صار الانتقال إلى الديمقراطية التعددية أمراً حتمياً وممكنا.
وهنا تشبه الصين كوريا. فهذا المستوى من التراكم الرأسمالي والفائض الاقتصادي الذي أوصل حجم احتياطياتها النقدية إلى تريليون دولار، تستطيع الصين، مطمئنة إلى هذه ‘الوسادة الوثيرة’ والمريحة، أن تنتقل، على غرار النموذج الكوري الجنوبي والتايواني والهونج كونجي (وكلها بدأت بدكتاتوريات مطلقة تحولت أخيراً بفضل ‘هذه الوسادة الاقتصادية المريحة’ إلى التعددية الديمقراطية وذلك بالتدرج على غرار النماذج سالفة الذكر.
وإذا كان الحرص الصيني على استقطاب الفعاليات الرياضية والثقافية الجماهيرية العالمية، يشكل أحد خطوط تسويق فكرة انفتاح الصين بنموذجها الخاص المنفتح اقتصاديا والمنغلق سياسياً وثقافياً، وتوفير الدعم والإسناد اللوجستي للنمو المستدام للاقتصاد الصيني المتعملق، فانه بالتأكيد ليس الخيار الأمثل لإكساب النموذج التنموي الصيني، الخاص جدا، المشروعية الدولية، ولتحسين صورة الحمائية التجارية الصينية الممارَسة (بفتح الراء) على نطاق واسع حتى مع الشركاء التجاريين في منظومة البلدان النامية التي تصر الصين على نسبة نفسها اليها.
ولربما كان من المناسب هنا التذكير بما نشرته صحيفة ‘China Daily’ الحكومية الصينية في عددها الصادر يوم 2 يونيه 2007 حول مؤشر السلام (Global Peace Index) الذي وضعته ونشرته لأول مرة وحدة المعلومات في مجلة الايكونست البريطانية، والذي يضم 24 مؤشرا قياسيا تشمل الانفاق العسكري، عدد القتلى الذين يسقطون في نزاعات مدنية منظمة، عدد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي تستضيفها الدولة المعنية، علاقات هذه الدولة بجيرانها. وحيث تتميز الدولة التي تتمتع بالسلام بمستويات عالية من الديمقراطية والشفافية الحكومية، والتعليم المتطور، والرفاهية النسوية.
وبموجب هذا المؤشر فقد حلت الصين في المرتبة 60 من مجموع 121 دولة ومنظمة من مختلف قارات العالم.
صحيفة الوطن
11 مايو 2008