المنشور

درس من الفساد الإسرائيلي


سيتبارى المتبارون من‮ “‬عتاولة‮” ‬السياسيين والكتاب العرب في‮ ‬هجاء إسرائيل من بوابة القضية المرفوعة ضد رئيس الحكومة أولمرت لتورطه في‮ ‬قضية فساد تتصل بتمويل حملته الانتخابية من رجل أعمال من‮ ‬يهود أمريكا‮.‬ فحوى الحملة السياسية‮ – ‬الصحافية التي‮ ‬سيشنها هؤلاء ستتركز في‮ ‬القول التالي‮: ‬انظروا كيف أن الفساد‮ ‬ينخر في‮ ‬دولة العدو،‮ ‬وكيف أن كبار السياسيين فيها،‮ ‬بمن فيهم رئيس الحكومة شخصيا‮ ‬غارق في‮ ‬الفساد حتى أذنيه،‮ ‬أو في‮ ‬تعبير آخر حتى قمة رأسه‮.‬
وسياسيو إسرائيل وقادتها‮ ‬يستحقون أكثر من هذا القول؛ بسبب السياسة العدوانية التوسعية التي ‬يتبعونها منذ تأسيس هذه الدولة التي‮ ‬قامت على مصادرة حق الشعب العربي‮ ‬الفلسطيني‮ ‬في‮ ‬أرضه،‮ ‬وفي‮ ‬تقرير مصيره،‮ ‬والحيلولة دون قيام دولته الوطنية المستقلة،‮ ‬واحتلال الأراضي‮ ‬العربية الأخرى طوال أكثر من ستين عاما،‮ ‬جرت فيها مصادرة أراضٍ‮ ‬فلسطينية ومصرية وسورية ولبنانية وأردنية‮.‬
ويمكن لنا أن نتشفى في‮ ‬إسرائيل كلما وقعت في‮ ‬أزمة سياسية داخلية،‮ ‬كتلك التي‮ ‬هي‮ ‬فيها الآن،‮ ‬بسبب قضية الفساد التي‮ ‬قد تطيح بأولمرت،‮ ‬ولكن‮ ‬يظل السؤال‮: ‬وماذا بعد؟‮!‬ سواء أُطيح بأولمرت بالاستقالة أو الإقالة،‮ ‬فان دولة العدو هي‮ ‬نهاية المطاف دولة مؤسسات،‮ ‬قادرة على تدبر أمورها ولا تخشى أن تقع في‮ ‬كارثة سياسية‮.‬ فالائتلاف الحكومي‮ ‬الحالي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتدبر أمره باختيار رئيس جديد للوزراء من بين شخصياته إن أراد، ‬وإذا أخفق في‮ ‬ذلك،‮ ‬لهذا السبب أو ذاك،‮ ‬فان هناك آليات دستورية مرسومة وصارمة للدعوة لانتخابات مبكرة،‮ ‬قد تعيد بالائتلاف الحاكم إلى السلطة،‮ ‬وإذا لم تعد به،‮ ‬فان مجيء المعارضة إلى الحكم لن‮ ‬يقلب الأمور عاليها سافلها‮.
السياسات والرؤى الاستراتيجية في‮ ‬بلدٍ‮ ‬تحكمه آليات ديمقراطية لا تتغير لأن رئيس الوزراء تغير،‮ ‬أو أن حكومة ذهبت وأخرى جاءت‮.‬ ليس هذا هو الدرس الوحيد الذي‮ ‬يمكن تعلمه من دولة العدو‮.‬ هناك درس آخر أكثر أهمية‮ ‬يتصل بمسألة الموقف من الفساد‮. ‬فبوسعنا أن نتشفى من إسرائيل ما شاء لنا لأن رئيس وزرائها ملاحق بتهمة فساد،‮ ‬لكن‮ ‬يجب أن نمتلك الجرأة لنقول‮: ‬أعطونا اسم مسؤول عربي‮ ‬واحد‮ ‬يُساءل،‮ ‬لكي‮ ‬لا نقول ‬يلاحق قضائياً،‮ ‬وهو على رأس السلطة في‮ ‬قضية فساد‮.‬
لقد نفى أولمرت أن‮ ‬يكون قد أخطأ،‮ ‬وهو أمر‮ ‬يمكن أن‮ ‬يفعله أي‮ ‬متهم في‮ ‬الدنيا،‮ ‬لكنه قال انه سيستقيل عندما‮ ‬يقرر المدعي‮ ‬العام مقاضاته،‮ ‬لأنه لا‮ ‬يريد أن‮ ‬يثقل المنصب الذي‮ ‬هو فيه،‮ ‬بصفته رأس الحكومة ولا‮ ‬يحرج أعضاء فريقه الحكومي‮ ‬في‮ ‬قضيةٍ‮ ‬تعنيه هو شخصياً‮.‬ عندما نبلغ‮ ‬هذا المبلغ‮ ‬الذي‮ ‬بلغته دولة العدو‮ ‬يحق لنا ساعتها أن نهجوها ما شئنا ونتشفى فيها ما طاب لنا،‮ ‬لأن لدينا ما نتباهى به أمامها وهو حكم القانون والمؤسسات‮.‬ وبيننا وبين ذلك برازخ طويلة لأننا حتى اللحظة أعجز من أن نسمي‮ ‬الفساد فساداً،‮ ‬ونتحايل على اللغة،‮ ‬كما على القانون،‮ ‬في‮ ‬قول ما‮ ‬يجب قوله‮.‬
 
صحيفة الايام
11 مايو 2008