المنشور

هناك ما‮ ‬يمكن تعلمه


منذ نحو شهرين نشرت مجلة الثقافة العالمية الكويتية ملفاً قيماً عن أحوال التعليم العالي في العالم بعنوان: “التضخم العالمي في التعليم الجامعي”. ومن العنوان يمكننا ملاحظة أن الحديث يدور عن تضاعف أعداد الطلبة والطالبات الذين يتخرجون من الجامعات، بالقياس لما كان عليه الحال في الماضي عندما كان التعليم الجامعي مقصورا على أبناء الذوات أو الفئات الوسطى.
ومع أن نقاشا معمقا ما زال يدور في الكثير من البلدان عما إذا كان صحيحا التوسع في هذا التعليم الجامعي الذي يغرق المجتمعات سنوياً بأعداد هائلة من الخريجين الذين لا يجدون مكاناً لهم في أسواق العمل في بلدانهم، إما بسبب تشبع هذه الأسواق بالأيدي العاملة، وإما لأن التخصصات التي يختارها ملايين الطلبة في العالم لا تؤمن لهم فرص عمل. وهناك آراء تربوية واقتصادية  ينادي أصحابها بالتوسع في فرص الإعداد والتدريب المهنيين، لأن الجامعة لا تجعل، بالضرورة، من كل الذين يلتحقون بها، جامعيين جيدين، وأن الكثير من هؤلاء يمكن أن يجد فرص التحقق في المهنة وفي الحياة لو التحق بأحد المعاهد أو المدارس المهنية، التي تُدربه على إتقان مهنةٍ ما.
 أثار انتباهي، في الملف المذكور، قراءتان في تجربتي التعليم في بلدين يلفتان النظر في تجربتهما التنموية هما الصين والهند. الحديث في السنوات الماضية يدور عن معدلات النمو العالية التي يحققها هذا البلدان سنوياً، على الرغم من اختلاف الفلسفة الاقتصادية والتنموية المتبعة في كلٍ منهما، وهو أمر يشير إلى انه ما من نموذج اقتصادي بعينه تتجمع فيه مفاتيح النجاح، وأن على كل مجتمع أن يجترح الأساليب والطرائق المؤدية إلى تطوره بما يفيد من تجارب الآخرين ويناسب خصائصه الثقافية والتاريخية.
 وعلى خلاف ما يتبادر إلى الأذهان، فان الدراستين اللتين تتناولان نظامي التعليم في البلدين تتوقفان أمام أوجه قصورٍ فادحة فيهما. رغم ذلك، فان صُناع القرار ومهندسي خطط التنمية في الهند والصين ما كان بوسعهم إغفال حقيقة أن إصلاح نظام التعليم الجامعي هو أحد مفاتيح النجاح، حيث بدأت مراجعات جدية لأوجه القصور والبيروقراطية، و”الأدلجة” المفرطة في حال الصين، خاصة إبان ما عُرف بالثورة الثقافية.
في الهند اليوم أفضل معاهد العالم في المعلوماتية، ويُنظر إلى ذلك بوصفه أحد مؤشرات، لا بل أسباب، النهضة التي يشهدها هذا البلد، لكن منظومة التعليم بكاملها لازالت مثقلة بالكثير من المعوقات، وهو ما يُدرك الهنود أهمية التغلب عليه.
ففي تفاعل جدلي، فان حاجات التطور الاقتصادي تفرض مراجعات دائمة لأنظمة التعليم كي تواكب هذا التطور دون الركون إلى نجاح بعينه. هناك ما يمكننا، نحن العرب، تعلمه من كل ذلك إذا أردنا الإفادة من التجارب الناجحة لا في التعليم وحده، وإنما في التنمية أيضاً.
 
الأيام 10 مايو 2008