خطوة جميلة تلك التي أقدم عليها الصحافيون في البحرين. نبذ الطائفية ووقف الصحافة المذهبية مطلب مجتمعي في منطقة تعاني من التمزق على خطوط العرق والدين والمذهب. غير مريح الكلام لكن لابد من الاعتراف بوجود “حروب أهلية صغيرة” في غير دولة عربية.
قد تأخذ تلك “الحروب” صفة الاعتداءات الفردية على مسجد أو كنيسة “كما في اليمن ومصر” أو بين شباب مولع بحياة الليل “في لبنان ليلة الاثنين” أو حروب تقليدية كما هو الحال في العراق.
من دون تنظير كثير في مخاطر درب المزالق هذا، لا بد من التأكيد على أن مبادرة جمعية الصحافيين تبقى خطوة أولى في طريق يزداد وعورة. طريق سيكون أيضا طويلا ومتعبا ما لم تقابل تلك الخطوة خطوات مجتمعية أكبر. تشترك فيها في شكل رئيسي الدولة ومنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك الجوامع والمآتم.
يحب أنصار الحداثة وما بعدها تقليل الكلام عن دور الدولة العربية. يودون لو تقلص دورها إلى منظم لدورة الاقتصاد ومنفذ للقوانين الاشتراعية.
لا بأس من أن تتسلم زمام أمور المجتمع منظماته الأهلية. لكن ذلك لا يعفي الدولة “وخاصة في الخليج” من مسؤولية التقليل من الاحتقان الشعبي. لا يزال في يد الدولة الكثير من الأوراق التي “تحرك اللعبة” السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية.
لا يزال في يد الدولة الخليجية، إلا في ما ندر، سن القوانين النافذة. وهي قوانين لا تعالج عادة الحساسيات المجتمعية.
تتحدث عن عموميات وتسهب في كلام إنشائي عن مجتمع الأسرة الواحدة وهو مجتمع افتراضي بدا قابلا للتشرذم عند أول محطة خلاف سياسي، “كان واضحا ذلك في الكويت خلال أزمة تأبين عماد مغنية المسؤول العسكري في حزب الله اللبناني، أو في البحرين خلال حوادث متعددة في السنوات القليلة الماضية”.
مطلوب قوانين تحمل في روحها صيغة للتأهيل المجتمعي التي يمكن عبرها “ربما بعد سنين، لا بأس” إذابة الفروق بين فئات المجتمع أفقيا ”بين طوائفه وأعراقه” وعموديا “وطبقاته”. هناك قوانين نافذة وإن كانت غير مكتوبة في بعض دول الخليج لابد من إزالتها. ويبنى محلها هيكل قوانين تجرم الممارسة العملية لسياسة التفرقة غير المكتوبة أو حتى التصنيف الفئوي المتوارث. ومثل هذه القوانين موجود في معظم دول العالم الديمقراطية.
أكثر من هذا، فلا يمكن التغيير من خلال القوانين فقط. وإن كان الإطار القانوني أساسي في تشكيل وعي مجتمعي يؤمن بسيادة الدستور والقانون.
ولكن يجب تأصيل تلك القوانين عبر ممارسة الدولة نفسها لتلك القوانين عمليا. فلا يمكن للدولة أن تسن القوانين وتعاقب مخالفيها فيما لا تزال هي تمارس فصلا بين مواطن وآخر على أي أساس. يعن للدولة العربية أن تنفي دائما. وتقسم أغلظ الإيمان أنها لا تعرف التمميز ولم تسمع به. لكن متى كان للفقير في معظم الدول العربية الحق في ممارسة حياته كذي الوفرة من المال والجاه. أليس السؤال التقليدي في أي مخفر عربي “الخليجي بالتحديد”: ابن من أنت؟
منظمات المجتمع المدني عليها مسؤولية لا تقل أهمية. وربما أكثر تعقيدا. فهي مطالبة بالسهر على عملية الاندماج المجتمعي. كما هي مطالبة قبل ذلك بتغيير بناها التنظيمية بحيث تمارس عملية الإدماج تلك قبل غيرها.
مقزز أن تفرز جمعيات أو حتى نقابات على اللون الطائفي. فتنحصر العضوية في الطائفة هذه أو تلك. ويتهيب “الآخر” من التقدم إلى العضوية. أو حتى المشاركة في فعالية ما. لكن المقزز أكثر أن تنشأ جمعيات ومؤسسات على الأساس الطائفي ذاك. أو تزعم الدفاع عن حق ما مفترض لتلك الجماعة، وأخرى مقابلها لحماية مصالح الجماعة الأخرى.
وكذا الأمر عند رجال وشيوخ الدين. رحمة بنا أوقفوا النفخ في النار. ويكفي بيانات لا تغني أو تسمن غير التفرقة والمذهبة.
الصحافة البحرينية قامت بالخطوة الأولى. وإن ينتظر الالتزام بها من قبل مسؤولي الصحف ووسائل الإعلام. الواجب الآن أن تقابل هذه الخطوة بالتي هي أحسن منها. خطوات أكثر جرأة ونفوذا. من قبل المجالس التشريعية والحكومات.
وأخرى أكثر تأثيرا وقربا من الواقع من قبل منظمات المجتمع المدني. فالسكين لم تصل العظم بعد صحيح. لكنها توشك. ولكم في القريب المنهار والمفكك عبرة.
أما جمعية الصحافيين فلا يسعها اليوم أن تغمض عينا. مطلوب من عيسى الشايجي وزملائه مراقبة التزام من وقع العهد بما جاء فيه. لابد من المحاسبة.
حتى لا يذهب الجهد هباء. ولا يستهان بأي خطوة أخرى، لابد من التنفيذ الأمين لما جاء في الميثاق. والله من وراء القصد.
الأيام 10 مايو 2008