المنشور

مدارسنا.. والعمل التطوعي

قبل نحو عامين تقريباً كنت قد كتبت عن أهمية تفعيل العمل التطوعي العام في المجتمع وذلك في ضوء ما تشهده هذه القيمة الإنسانية الدينية من منظومة قيمنا الاجتماعية من تآكل وانقراض وبخاصة في ظل ما مر به مجتمعنا من تحولات ومتغيرات على مدى ثلاثة عقود كإفراز من إفرازات الطفرة النفطية وتنامي النزعات الاستهلاكية والروح الأنانية بين فئات وشرائح واسعة في المجتمع لتحل محل روح العمل الاجتماعي الواحد وقيم التعاون والتكافل الاجتماعي التي عرف بها مجتمعنا حقبا زمنية طويلة.
وأتذكر أنه من ضمن ما اقترحته في هذا الصدد أن تبدأ إعادة غرس هذه القيم تربوياً في صفوف الأطفال والناشئين من المدرسة وبالتعاون والتفاعل مع الأسرة وأولياء أمور الطلبة. وبطبيعة الحال لن تتم إعادة غرس قيمة العمل التطوعي بداية من مجرد إلقاء المواعظ والنصائح النظرية الدينية والأخلاقية على الناشئين والطلبة، فهذا التراجع الطويل لهذه القيمة وكغيرها من القيم الاجتماعية والتي أضحت القيم الفردية التي حلت محلها بمثابة نزعات وطبائع جديدة يصعب اقتلاعها بين عشية وضحاها، فهي بحاجة الى نفس طويل وعمل صبور لكن شريطة ان يمتلك آليات تحفيزية وإلا فإن هذا العمل الصبور سيكون طويلا أكثر من اللازم وأشبه بمن يؤذن في خرابة.
وأتذكر أني اقترحت أيضا أن تكون من آليات تحفيز العمل التطوعي لدى الناشئين والطلبة أن يمنح الطلبة درجات على مدى اسهامهم في العمل التطوعي العام في خدمة المجتمع أو داخل المدرسة سواء في مدارس البنات أم في مدارس البنين، وذلك تبعاً لطبيعة الأعمال التي تناسب أعمارهم وجنسهم، على أن يكون ذلك مصحوبا مع غرس قيمة حب العمل التطوعي من تلقائية ورغبة الذات لا أن يكون فقط طلبا للحصول على الدرجة العلمية. قبل أيام قليلة سرني جدا وأنا أتابع بالخبر والصورة في صحافتنا مشهدين رائعين من مشاهد العمل التطوعي العام لمجاميع من الشباب والأطفال: المشهد الأول: يتمثل في قيام نحو مائة شخص من أبناء قرية كرباباد التي اشتهرت بنخيلها وساحلها الجميل على امتداد قرون وبإبداع فلاحيها في فن صناعة السلال الملونة، وحيث الآن ساحلها أضحى في خبر كان، بتنظيف ساحل دفان الضاحية الجديدة التي أصبحت على بعد عدة كيلومترات من موقع ساحلهم الطبيعي الأصلي.
وقد نظم هذه الحملة الكربابادية مركز القرية الثقافي الرياضي تحت شعار “من أجل بيئة نظيفة” وبالتعاون مع بلدية المنامة. المشهد الثاني: ويتمثل في قيام مجموعة من أهالي حي سرايا (1)، وهي مجموعة أطفال وشباب، بحملة لتنظيف حيهم السكني شارك فيها أطفال وكبار أجانب من المقيمين وذلك من أجل المحافظة على بيئة الحي نظيفة صحية ومجملة تسر الناظرين. غني عن القول ان مثل هذين المظهرين ــ المشهدين من صور العمل التطوعي العام الجميلة يوجد ما يماثلها من نماذج أخرى معلومة إعلاميا أو غير معلومة، لكنها تبقى جميعها في المرحلة الراهنة من تطورنا الاجتماعي محدودة ونادرة قياسا بما كان يزخر به مجتمعنا حتى سبعينيات القرن الماضي متعددة تمثل ظاهرة اجتماعية شائعة أضحت أشبه بالمنقرضة حالياً.
وهذان النموذجان المذكوران من حملات التطوع بحاجة إلى آليات رقابية من الحماية والمتابعة من قبل الدولة والمجتمع على السواء، بمعنى أنه لا ينبغي أن تُضحي هذه المجاميع المتطوعة بوقتها وجهدها لتجد في اليوم التالي مباشرة أن ما فعلته من تعمير وتنظيف عاد الى وضعه السابق من تخريب وتلويث، وإلا أصبح عملهم بمثابة أشبه بمن “ينفخ في قربة مقضوضة” أو كأنك يا زيد ما غزيت. كما من الأهمية بمكان أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية دور تثقيفي توعوي ودور آخر تنفيذي في تحفيز الشبيبة والمجتمع نحو العمل التطوعي العام باعتبارهما أكثر المؤسسات الأهلية والسياسية معنية بالعمل العام بدلا من الاقتصار فقط على نقد قصور الدولة في هذا الشأن، اذ ينبغي العمل على خطين متوازيين معاً في آن واحد: نقد تقصيرات الحكومة وأخطائها فيما يتعلق بصيانة البيئة من جهة وتحفيز واستنهاض العمل التطوعي في صفوف مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية من جهة أخرى.
وفي تقديرنا أن واحدا من أهم الأعمال التطوعية التي ينبغي إعطاؤها أولوية بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة القيام بحملات التشجير في الشوارع والسواحل وداخل المدارس والأحياء السكنية ومحيطات المؤسسات العامة والخاصة ولاسيما بالنظر لما تشهده البحرين من تقلص غير مسبوق في رقعتها الزراعية، وخلو معظم شوارعها ودواراتها وأرصفتها من الأشجار والحشائش ولاسيما بعد إزالة أغلبها بغرض التوسعة المرورية وحل الاختناقات المرورية.
أخيراً فإننا نأمل بقوة ان تتبنى وزارة التربية والتعليم وعلى رأسها الأخ الوزير الدكتور ماجد النعيمي اقتراح إضافة مادة دراسية للعمل التطوعي العام، وهو اقتراح سبق لي أن تحدثت معه شخصيا عنه لدى التقائه بمكتبه قبل 3 سنوات ووعدني حينها خيراً، ولاسيما أن دولة الإمارات الشقيقة قررت أخيراً أنها بصدد الأخذ به وتجريبه في مدارسها. كما نأمل من جميع إدارات مدارسنا، بنين وبنات، الدفع نحو اتخاذ القرار والتهيئة له ابتداء من العام القادم بإذن الله تعالى.

صحيفة اخبار الخليج
8 مايو 2008