يُحسب للبحرين أنها أحيت اليوم العالمي لحرية الصحافة بعددٍ من الفعاليات المُحملة بدلالات ايجابية، بدأتها الكلمة التي وجهها جلالة ملك البلاد، مؤكداً فيها على أن الصحافة شريك أساسي في عملية البناء الديمقراطي، وداعماً لفكرة أن يضمن التشريع المنظم للصحافة والنشر حريات أوسع في التعبير، وحماية للصحافيين من الإجراءات المعيقة. وبدوره أظهر وزير الإعلام اهتماماً بالمناسبة من خلال الحفل الذي أقامته الوزارة لأعضاء الجسم الصحافي وكتاب الرأي في صحفنا المحلية، والذي دعا فيه الوزير الصحفيين للاستثمار في الحُرية المتاحة، حيث لا صحافة مؤثرة وفاعلة بلا حرية، كما أن الحرية ذاتها لا تزدهر بدون دور الصحافة الحرة.
وعلى الصعيد الأهلي أطلقت جمعية الصحافيين حملتها للتوقيع على ميثاق “صحافيين ضد الطائفية”، وهو ميثاق يأتي في وقته لأنه يساهم في بناء ثقافة الوحدة الوطنية، ونبذ نزعات التحريض الطائفي والتشظي المذهبي الآخذة في التزايد، خاصة مع تعدد المنابر الصحافية والإعلامية، ومع هبوب الرياح الساخنة للطائفية الآتية من الجوار، لتنفخ في الجمر المتواري تحت الرماد. هذه المؤشرات الايجابية التي أظهرتها البحرين في يوم الحرية الصحافية، بحاجة إلى ترجمات عملية، لنعبر من النشيد الرومانسي الممجد لهذه الحرية، إلى التجليات الفعلية لهذا النشيد في الواقع. ومع تقديرنا لما تحقق لحرية الصحافة في بلادنا من فضاءات أوسع للتعبير بعد إقرار ميثاق العمل الوطني، ومن تعددٍ في الصحف، إلا أننا نظل نتطلع للمزيد من هذه الحريات، التي نريد لها أن تكون محمية بتشريع واضح يترجم الرغبات في أفعال.
أتطلع، بصفتي كاتباً صحافياً، شأني شأن بقية زملائي وزميلاتي،إلى أن أفتح الجريدة كل صباح فأجد أن مقالي نُشر كاملاً، وان الجريدة لم تضطر، لهذا السبب أو ذاك، أن تحذف منه فقرة أو سطوراً أو حتى عبارات، فذلك يشعرني بالاطمئنان إلى أن حال حرية التعبير عندنا بخير، وأن الكلمة الوطنية المسؤولة والمتزنة محمية، لأنها ضرورية، فكلما قلت مساحة المسكوت عنه أو غير المرغوب في الحديث عنه، كلما تيقنا أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح. التقرير السنوي لمنظمة “فريدوم هاوس” يقول أن وضع الحريات الصحافية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يظل هو الأسوأ في العالم، لكنه يلاحظ أن هناك تحسناً ملموساً طرأ في هذا المجال، لأن عدد الصحافيين الذين أظهروا جرأة في تخطي الخطوط الحمراء التي وضعتها الحكومات آخذ إلى الازدياد.
لكن يظل أن المطلوب هو تقنين هذا التحسن من خلال تطوير التشريعات الضامنة للحريات عامة، وللحريات الصحافية خاصة، فأي مساس بحرية الصحافة يعني أن الحريات الأخرى ستطالها ذات القيود ، بالنظر إلى التداخل بين مكونات البنية التشريعية المتصلة بالحريات العامة، فلا يمكن لمجتمعٍ يُقيد حرية الصحافة ووسائل الإعلام أن يكون حُراً. ولا تنحصر معوقات الحريات الصحافية في القيود المنصوص عليها في قوانين النشر والمطبوعات وحدها، وإنما تشمل أيضاً القواعد غير المكتوبة، والتي يمكن لها أن تكون أشد ثقلاً من أحكام القانون.
صحيفة الايام
5 مايو 2008