المنشور

مع الطبقة العاملة في عيدها

الأول من مايو/آيار عيد من يبني الوطن بعرقه وجهده ويحصل على الفتات مقابل هذا الجهد، عيد السواعد التي تشيد المصانع والمعامل وتشق الطرقات والشوارع وتبني الجسور، عيد من ينتج ويشقى ويعطي زهرة شبابه وقوته وعمره ويسعد الآخرين، بل يتمتع آخرون يكدسون المليارات من جهد هذا العامل.
نهنئ عمالنا ونقدر جهدهم وتضحياتهم ونبارك لجسمهم النقابي انعقاد مؤتمره الأول، ندعوهم للوحدة والتكاتف كي يعبروا مجتمعين عن نسيج هذا الوطن.
وكيل وزارة العمل في اجتماع له مع غرفة تجارة وصناعة البحرين يقول: ‘مستعدون لتسفير العمال المتمردين فوراً (..) تسهيلات كبيرة لجلب العمالة البديلة مهما كانت جنسياتهم (..) البحرين لن تضع حداً أدنى لأجور العمال الأجانب[1]’.
لغة تتعامل مع الإنسان وكأنه سلعة تُباع وتُشترى أو عبد في سوق النخاسة، عمال لهم مطالب يعتقدون أنها حق لهم وهي بالتأكيد حق لهم، سعادة الوكيل لا يُناقش ما إذا كانت تلك المطالب محقة أم لا، بكل بساطة هم عمال متمردون سيتم شحنهم شحناً إلى بلدانهم.
ناطحات السحاب التي تُشيد على قدم وساق، من يقوم بتشييدها ويتعرض لكافة أشكال المخاطر؟ من الذي يعمل في شهور الصيف الحارقة وتحت لهيب الشمس حتى تتجمع الأرباح لدى المضاربين في العقارات؟ من هم الذين يُنقلون في شاحنات مكشوفة وكأنهم أغنام؟ من الذي يشق الطرقات ويبني الجسور؟
لو كلف سعادة الوكيل نفسه وقام بمشاهدة زرافات من هذه العمالة المسكينة المغلوبة على أمرها مساء كل يوم وهي عائدة من عناء عملها اليومي، لو تفحص وجوهها الشاحبة التعبة، لو تفكر قليلاً وأطلق لنفسه شيئا من الإحساس، بالتأكيد سيراجع نفسه فيما يقول، بالتأكيد لو تفكر قليلاً فإنه سيتعاطف ولو جزئياً مع هذه الفئات ولن يقوم بشحنها إلى أوطانها. لماذا لا تقوم العمالة الأجنبية التي تشغل وظائف مريحة وبمرتبات عالية بل خيالية بالتمرد ‘حسب تعبير سعادة الوكيل’؟ يقوم بالإضراب والاحتجاج من يتعرض للظلم والاضطهاد سواء أكانوا مواطنين أو كانوا عمالاً أجانب، أما الفئات المستريحة فلا شأن لها بالإضراب ولن تتمرد على ظروفها المريحة، يتمرد من يعيش ظروفاً غير مريحة بل هي قاسية وظالمة.
نتحدث عن فئات راتبها يقل عن مائة دينار شهرياً، إفطارها خبز ‘الجباتي’ وشاي بالحليب، وجبة الغداء حدث ولا حرج وكذلك وجبة العشاء، محرومة من الفاكهة والسلطة، أما سكنها فهو زريبة، بل الزريبة أفضل حالاً من السكن الذي تحيا فيه.
أمر ما جعلني أدخل أحد البيوت الخربة الآيلة للسقوط في مدينة المحرق، بيت لا يصلح إلا للحشرات والفئران كي تسكنه، لا يصلح أن يكون زريبة للحمير، هذا البيت يقيم فيه قرابة الأربعين من العمال! تدخل هذا البيت وتحتار وتتساءل من أين يخرج لك هذا العدد. حقيقة ذهلت مما رأيته، أتصورهم كالفئران التي تخرج من جحورها. لهؤلاء العمال كل الاحترام والتقدير. كل خمسة أو ستة أو حتى ثمانية منهم يعيشون في غرفة واحدة. اطلعت على بطاقاتهم السكانية، ليس من بينهم من هو مسجل على عنوان المنزل الذي دخلته، يعملون في مهن مختلفة، كفيل كل منهم يختلف عن الكفيل الآخر. بكل بساطة، أصحاب المحلات والمقاولون يجلبون هذه العمالة البسيطة المغلوبة على أمرها من دون توفير الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لها!
هناك أسئلة كثيرة موجهة للجهات الرسمية والجهات الحقوقية، أول هذه الأسئلة أوجهها لسعادة وزير العمل، واسأله: ما هي الشروط التي تشترطها وزارته الموقرة على من يستقدم هذه العمالة كي تعمل لديه؟ هل لدى الوزارة شروط لمواصفات السكن الذي يجب أن تقيم فيه هذه العمالة بما يحفظ كرامتها؟ هل لدى وزارة العمل فرق تفتيش على الأماكن التي يقيم فيها العمال الأجانب؟
أسال وزير الداخلية عما إذا كانت وزارته الموقرة على علم بأماكن سكن هؤلاء العمال أم لا؟ أليس من المفترض أن يكون عنوان مكان سكن العامل هو نفس العنوان المسجل على البطاقة السكانية؟
أما الجهات الحقوقية المعنية بحقوق الإنسان أياً كان هذا الإنسان فهي مسؤولة عن حماية حقوق هذه الفئات المغلوبة على أمرها، كذلك الاتحاد العمالي تقع عليه مسؤولية أخلاقية في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة بغض النظر عن جنسيات الفئات المنتمية لهذه الطبقة.
ما دمنا قد قبلنا دخول هذه الفئات إلى وطننا لتأدية خدمات لا يقوم المواطن بتأديتها وهي خدمات يغلب عليها طابع البؤس والشقاء، فنحن مسؤولون أدبياً وأخلاقياً عن حمايتها وعدم انتقاص حقوقها.
نأمل أن يكون نظام إلغاء كفالة العامل الأجنبي المزمع تنفيذه نهاية هذا العام مدخلاً صحيحاً لتحرير هذا العامل من سطوة الظلم والقهر التي قد يتعرض لها من بعض أرباب العمل.
كل عام والطبقة العاملة بخير ومع مزيد من تحقيق المكاسب ونيل الحقوق المشروعة.

صحيفة الوقت
3 مايو 2008