استمعت إلى تقريرٍ إذاعي يتـحدث عن العجز الذي تواجهه دولة متطورة مثل اليابان في الأيدي العاملة، حيث ستحتاج حتى العام ٥٢٠٢ إلى نحو أربعة ملايين وظيفة، ليس هناك من يشغرها بين اليابانيين بسبب نقص معدلات الولادة، وميل اليابانيين إلى الاقتصار على طفل واحد أو اثنين. وبسبب حجم الضمانات الاجتماعية والرعاية الصحية التي يوفرها مجتمع غني ومستـقر في تطوره، فان أعداد المتقاعدين وكبار السن آيلةٌ إلى الزيادة. في مواجـهة ذلك لا تفكر اليابان في حث مواطنيها على زيادة الإنجاب، خاصة وأن ثقـافة جديدة بهذا الصدد قد تكرست عبر أجـيال، حيث لم يعد اليابانيون يميلون إلى إنجـاب أكثر من طفل أو طفلين، كما أنها لا تفكر في استقدام عمال من بلدان أخرى تعاني من كثافة سكانية عالية ونقص في فرص العمل، وما أكثر هذه البلدان. إن التوجه ينصرف نحو شغل هذه الـوظائف بعمال روبـوتات، سيـؤدون هذه الوظـائف بمهـارة لا تقل عن تلك التي يؤديها العامل أو الفني المدرب، وربما بصورة أفضل. للعـمال “الروبوتات” الكثير من الميزات التي ستجعل من الشركات وأصحاب الأعمال في وضع مريح بالقياس للحال التي يجري فيها توظيف عمـال من لحم ودم وأدمغة. فالعـامل الروبوت لن يطـالب برفع أجوره بين فترة وأخـرى تماشيـا مع ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم، ولن يلجأ للإضراب ودعوة زملائه للاعتصام أو الانضـمام للنقـابات أو الاتحادات العمالية إذا مـا وجـد أن ظروف عمـله لم تتحسن ولن يطالب بالتأمين الصحي ولا تنظيم نوبات العمل وتقليص ساعاتها. أي أن ما رغبت به الرأسمالية طوال تاريخها، وهو تطويع الطبقة العاملة وإخضاعها للـعمل في ظروف صعبة بغية مضاعفة الأرباح سيتحقق بسهولة من خلال الاعتماد على العـمال”الروبوتات”. وسيتعين سـاعتها التفكير في صياغات مقولات جديدة تواكب المستجدات في مظاهر استغلال الإنسان للإنسان، لأن صاحب العمل سيجد إزاءه عاملاً من معدن وإليكترون، لا يحتج ولا يغضب ولا يشكو قسوة العمل. هل جنحنا كثيراً للخيال؟! لا نحسب ذلك، لأن التفكير المشار إليه في اليـابان يـنصـرف إلى سـنوات قلـيلة قادمة، ويمكن لمثل هذا التفكير أن يتعمم ليشمل قطاعات إنتاجية عديدة، وليغطي بلداناً أخرى متطورة غير اليابان. إن الـعالم والـعلم يتطوران بسرعة مدهشـة، بصرف النـظر ما إذا كـان هذا يـتم في الاتجاه الصحيح أم لا، لكن على ذلك تـترتب مفـاعيل تقـلب الكثير من المسلمات رأساً على عقب.
صحيفة الايام
3 مايو 2008