المنشور

خسائر المصارف العالمية هل من شبهة تدليس؟

‬تتسارع تداعيات أزمة الرهونات العقارية التي‮ ‬تفجرت أواخر العام‮ ‬2006‮ ‬في‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية‮. ‬لكنها ليست تداعيات قابلة للهضم من قبل الاقتصاد العالمي‮. ‬فبين الحين والآخر‮ ‬يفاجئ أحد المصارف الغربية العالم بأنباء عن انهيار أصوله وبالإعلان عن خسائر مفاجئة تقدر بمليارات الدولارات نتيجـة لتورطها فـي‮ ‬المقامرة بصكـوك الرهن العقاري‮ ‬عالية المخاطر‮ ‬Subprime mortgage‭.‬
‬وكانت الأزمة بدأت في‮ ‬الولايات المتحدة إثر انفجار فقاعة سوق العقار‮ (‬ارتفاع أسعار العقار بصورة متضخمة للغاية‮) ‬وظهور بوادر الإعسار المالي‮ ‬لدى أولئك المقترضين لتمويل شراء العقار من ذوي‮ ‬الدخول المنخفضة وأولئك من ذوي‮ ‬السجل الضعيف في‮ ‬سداد الديون مقارنة بالمقترضين ذوي‮ ‬التصنيف الممتاز‮ ‬‭(‬Prime borrowers‭).‬
‬وبحلول أول أبريل‮ (‬نيسان‮) ‬الماضي‮ ‬أعلنت المصارف العالمية التي‮ ‬تورطت في‮ ‬تداول‮ (‬تظهير وإعادة تظهير‮) ‬صكوك الرهن العقاري‮ ‬عن خسائر قُدرت بحوالي‮ ‬مائتي‮ ‬مليار دولار،‮ ‬علماً‮ ‬بأن حجم قروض الرهونات العقارية في‮ ‬الولايات المتحدة وحدها قُدَّر حتى مارس‮ (‬آذار‮) ‬2007‮ ‬بحوالي‮ ‬3‭,‬1‮ ‬تريليون دولار‮.‬
ونتيجة للارتفاع الكبير في‮ ‬أسعار العقارات الذي‮ ‬شهدته أسواق العقار في‮ ‬معظم بلدان العالم المندمجة والمرتبطة،‮ ‬بتفاوت،‮ ‬بالاقتصاد العالمي،‮ ‬في‮ ‬الأعوام الأربعة الأخيرة،‮ ‬والتي‮ ‬لم‮ ‬يضاهيها في‮ ‬الانتعاش سوى أسواق النفط العالمية،‮ ‬وكان لابد أن‮ ‬يؤدي‮ ‬هذا إلى تغذية وتصعيد حمى المضاربة على صكوك الرهن العقاري‮ (‬شراءً‮ ‬وبيعاً‮ ‬وإعادة بيع‮).‬
‬وهو ما أدى إلى اتساع رقعة المتكالبين على هذا السوق والمتورطين في‮ ‬أزمته‮. ‬حيث ضمت قائمتهم السماسرة والوسطاء‮ ‬‭(‬Mortgage brokers‭)‬،‮ ‬والمؤسسات المالية التي‮ ‬توسعت في‮ ‬الإقراض بهذه الصفة من‮ ‬5٪‮ (‬35‮ ‬مليون دولار‮) ‬العام‮ ‬1994‮ ‬إلى‮ ‬9٪‮ ‬العام‮ ‬1996‮ ‬وإلى‮ ‬13٪‮ (‬160‮ ‬مليون دولار‮) ‬العام‮ ‬1999‮ ‬وإلى‮ ‬20٪‮ (‬600‮ ‬مليون دولار‮) ‬العام‮ ‬‭,‬2006‮ ‬والضامنين أو المؤمَّنين‮ ‬‭(‬Underwriters‭)‬‮ ‬الذين‮ ‬يقيَّمون مخاطر الإقراض،‮ ‬والحكومات التي‮ ‬شرَّعت وشجعت الإقراض ضعيف الضمان‮ ‬‭(‬Subprime‭)‬‮ ‬من قبيل قانون‮ ‬‭(‬Community Reinvestments Act‭)‬‮ ‬الذي‮ ‬يجيز للبنوك تقديم القروض للزبائن حتى وإن كانوا لا‮ ‬يتمتعون بالجدارة الاقتراضية،‮ ‬ووكالات تصنيف الإقراض التي‮ ‬تورطت في‮ ‬منح تصنيف عالي‮ ‬لعمليات ائتمان الرهن العقاري‮ ‬التي‮ ‬نفذتها المصارف والمؤسسات المالية،‮ ‬والبنوك المركزية التي‮ ‬تذرعت بوظيفتها الأساسية وهي‮ ‬إدارة معدل التضخم وتجنب الكساد،‮ ‬والقيام بدور المقرض النهائي‮ ‬الموفر للسيولة‮. ‬وهي‮ (‬أي‮ ‬البنوك المركزية‮) ‬ترى أنها‮ ‬غير معنية باتخاذ إجراءات لتجنب الفقاعات‮ (‬السعرية‮) ‬مثل فقاعة سوق العقار وفقاعة الـ‮ ‘‬دوت كوم‮’. ‬وهي‮ ‬انما تتدخل فقط بعد انفجار الفقاعات للتخفيف من آثارها على الاقتصاد‮.‬
‬ونظراً‮ ‬لاتساع رقعة المتورطين في‮ ‬هذه الأزمة كان لابد وأن تكون خسائرها عميمة بالنسبة لكبريات المؤسسات المصرفية والمالية الغربية والأخرى المحسوبة على الأسواق الناهضة‮. ‬وبحسب الخسائر المعلنة،‮ ‬فان بنك‮ ‘‬UBS AG‭’‬‮ ‬السويسري‮ ‬تكبد خسائر بلغت‮ ‬7‭,‬37‮ ‬مليار دولار،‮ ‬سيتي‮ ‬جروب‮ ‬1‭,‬24‮ ‬مليار دولار،‮ ‬ميريل لنتش‮ (‬بنك استثماري‮) ‬5‭,‬22‮ ‬مليار دولار،‮ ‬مصرف مورجان ستانلي‮ ‬الاستثماري‮ ‬3‭,‬10‮ ‬مليار دولار،‮ ‬كريدي‮ ‬اجريكول‮ ‬8‭,‬4‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنك‮ ‬HSBC 17.2‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنك أوف أميركا‮ ‬4‭,‬9‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنك‮ ‬CIBC 3.2‮ ‬مليار دولار،‮ ‬دوتش بنك‮ ‬7‮ ‬مليارات دولار،‮ ‬باركيز كابيتال‮ (‬بنك استثماري‮) ‬1‭,‬3‮ ‬مليارات دولار،‮ ‬بير ستيرنز‮ (‬بنك استثماري‮) ‬6‭,‬2‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنك‮ ‬RBS 3.5‮ ‬مليار دولار،‮ ‬واشنطن ميوتشوال‮ (‬بنك ادخار وإقراض‮) ‬4‭,‬2‮ ‬مليار دولار،‮ ‬سويس ري‮ (‬اعادة تأمين‮) ‬07‭,‬1‮ ‬مليار دولار،‮ ‬ليهمان بـروذرز‮ (‬بنـك استثمـاري‮) ‬93‭,‬3‮ ‬مليـار دولار،‮ ‬بنك‮ ‬LBBW 1.1‮ ‬مليار دولار،‮ ‬JP Morgan Chase‭ ‬‮(‬بنك‮) ‬9‭,‬2‮ ‬مليار دولار،‮ ‬جولدمان ساخس‮ (‬بنك استثماري‮) ‬5‭,‬1‮ ‬مليار دولار،‮ ‬كريدي‮ ‬ماك‮ (‬رهن عقاري‮) ‬6‭,‬3‮ ‬مليار دولار،‮ ‬كريدي‮ ‬سويس‮ (‬بنك‮) ‬7‭,‬3‮ ‬مليار دولار،‮ ‬ويلزفارغو‮ (‬بنك‮) ‬4‭,‬1‮ ‬مليار دولار،‮ ‬واتشوفيا‮ (‬بنك‮) ‬3‮ ‬مليارات دولار،‮ ‬RBC‭ ‬‮(‬بنك‮) ‬360‮ ‬مليون دولار،‮ ‬فاني‮ ‬ماي‮ (‬رهن عقاري‮) ‬896‮ ‬مليار دولار،‮ ‬MBIA‭ ‬‮(‬تأمين سندات‮) ‬3‭,‬3‮ ‬مليار دولار،‮ ‬هايبو ريل ايستيت‮ (‬بنك‮) ‬850‮ ‬مليون دولار،‮ ‬امباك فاينانشال جروب‮ (‬تأمين سندات‮) ‬5‭,‬3‮ ‬مليار دولار،‮ ‬كوميرس بنك‮ ‬1‭,‬1‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنك سوسايتي‮ ‬جنرال‮ ‬3‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنك‮ ‬BNP‮ ‬باريباس‮ ‬870‮ ‬مليون دولار،‮ ‬بنك‮ ‬WestLB 2.275‮ ‬مليار دولار،‮ ‬أمريكان انترناشونال جروب‮ (‬شركة تأمين‮) ‬1‭,‬11‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنك‮ ‬BayernLB 6.7‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنك‮ ‬Natixis 1.75‮ ‬مليار دولار،‮ ‬كونتري‮ ‬وايد‮ (‬بنك رهن عقاري‮) ‬مليار دولار،‮ ‬بنك‮ ‬DZ 2.1‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنــك‮ ‬Fortis 2.3‮ ‬مليار دولار،‮ ‬بنـك‮ ‬ICICI 264‮ ‬مليـون دولار،‮ ‬بنك‮ ‬Deutsche Industriebank 3.45‮ ‬مليار دولار‮.‬
‬والحال أنه ليس معلوما لحد الآن الحجم الحقيقي‮ ‬للخسائر التي‮ ‬مني‮ ‬بها النظام المصرفي‮ ‬والمالي‮ ‬العالمي‮. ‬فهناك تعتيم مقصود لمنع حدوث الانهيار في‮ ‬قيمة الأصول‮. ‬في‮ ‬22‮ ‬نوفمبر‮ (‬تشرين الثاني‮)  ‬2007‮ ‬قدر أحد المصارف الاستثمارية الكبرى في‮ ‬العالم بأن خسائر أزمة الرهن العقاري‮ ‬تقدر بحوالي‮ ‬148‮ ‬مليار دولار،‮ ‬وفي‮ ‬22‮ ‬ديسمبر‮ (‬كانون الأول‮) ‬من العام نفسه قدرت إحدى الدوريات الشهيرة في‮ ‬مجال المال والأعمال الخسائر بما‮ ‬يتراوح بين‮ ‬200‮ ‬‭- ‬300‮ ‬مليار دولار‮. ‬وفي‮ ‬الأول من مارس‮ ‬2008‮ ‬قدر محللون من ثلاث مؤسسات مالية كبرى الخسائر بما‮ ‬يتراوح بين‮ ‬300‮ ‬‭- ‬600‮ ‬مليار دولار‮.‬
‬وقبل أيام‮ (‬مطلع أبريل الجاري‮) ‬أعلن بنك‮ ‬يو.بي‮.‬اس السويسري‮ ‬عن شطب ما قيمته‮ ‬19‮ ‬مليار دولار من أصوله ما ترتب عليه تكبد البنك خسائر صافية بلغت‮ ‬12‮ ‬مليار دولار في‮ ‬الربع الأول من هذا العام،‮ ‬تضاف إلى ما كان أعلنه البنك في‮ ‬وقت سابق عن شطبه‮ ‬4‭,‬18‮ ‬مليار دولار من أصول البنك على خلفية أزمة الرهن العقاري‮ ‬العام الماضي‮. ‬علما بأن قاعدة عملاء البنك تتكون أساساً‮ ‬من أثرياء العالم الذين انزعجوا من أنباء تواتر الخسائر الضخمة التي‮ ‬مني‮ ‬بها البنك والبنوك الأخرى التي‮ ‬تدير ودائعهم ومحافظهم الاستثمارية‮.‬
‬والسؤال الذي‮ ‬يطرح نفسه هنا أليست القوانين والأنظمة وشبكة الضبط المؤسسي‮ ‬لعمليات الاستثمار وإدارة وتدوير الأموال كافية لحماية حقوق المساهمين وأصولهم واستثماراتهم من مثل هذه‮ ‘‬التسوناميات المالية‮’‬،‮ ‬أم أن فساداً‮ ‬وأعمال تدليس وتلاعب بدأت تنخر في‮ ‬النظام المصرفي‮ ‬والمالي‮ ‬العالمي.
 
صحيفة الوطن
27 ابريل 2008