المنشور

“صولة الفرسان” ترعب حكام التطرف الديني في إيران

وفّرت عملية “صولة الفرسان” التي خاضتها القوات المسلحة العراقية ضد عصابات الجريمة في البصرة الكثير من الجهد والعناء لبعض الساسة العراقيين ممن تطوعوا، منذ الإطاحة بالنظام السابق، لنفي أي اتهام قد يوجه لحكام إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية العراقية، أو الاتهام الموجه لهم بكونهم أحد مصادر التوتر والعنف ونهب بلادنا. فالكثير من الدلائل تشير إلى تورط حكام إيران، ولم تعد تحتاج إلى تكذيب من ساسة عراقيين. في الفترة الماضية، فإن أية إدانة كانت توجه إلى تدخل حكام إيران، تقابل بسرعة بنفي الممارسات الإيرانية من قبل المستشار الأمني العراقي. كما يطل علينا مسؤول نفطي عراقي من على شاشة التلفزيون وهو يقف أمام بئراً للنفط كي يبرهن على نفي أي شفط للنفط من قبل حكام إيران؟. ولكن عجلة الزمن تدور لتبدأ “صولة الفرسان” ولتقدم دلائل عينية من القنابل والقذائف والذخيرة والفضائح على كثرتها وتنوعها، والتي أضحت أدلة دامغة وغير قابلة للتفنيد على تورط كبير لحكام إيران في زعزعة الأمن في العراق. وهكذا التزم “المتسترون” الصمت، ولم نعد نراهم على الشاشة الفضية. إن الشعب العراقي في انتظار نتائج التحقيقات الجارية مع أفراد العصابات البالغ عددها 22 عصابة، والذين ألقي القبض عليهم، ونشر التحقيق ليطلع عليه المواطنون كي يميزوا بين صدق هذا الاتهام أو كذبه، كي يميز العراقي بين دعوات الصداقة أو العداوة لبعض الجيران.
إلاّ أن السفير الإيراني في بغداد سبق الجميع وقدم أبرز الدلائل على تدخل حكام إيران في الشأن العراقي. جاءت تلك الدلائل على لسان “المندوب السامي” الإيراني في بغداد، سفير التطرف الديني وعضو الحرس والمخابرات الإيرانية حسن كاظمي قمي وليس غيره. فهذا الرجل الذي أربكت أجراءات الحكومة العراقية مخططاته، لم يتحمل نتائج “صولة الفرسان”، وانتابه الرعب من خطة فرض القانون في مدينة البصرة، التي كانت في السابق ساحة لأجهزة التخريب التابعة للمتشددين الإيرانيين ولعصابات الجريمة والنهب وتجار المخدرات، التي لها صلة بهؤلاء الحكام. فقد دعى هذا السفير المرعوب ممثلي الصحافة على عجل، وبعيداً عن العرف الدبلوماسي واللياقة، ليعلن بصورة ممجوجة:”أن هناك طرق أخرى لمعاقبة الخارجين على القانون ومنها القضاء، وليس عبر السياسة الخاطئة المتمثلة بصولة الفرسان”. هذا التصريح البعيد عن العرف الدبلوماسي، الذي ينبغي أن يتقيد به ممثلو الدول الأجنبية، يكشف بشكل لا جدل فيه عن حجم التدخل الوقح لحكام إيران في العراق، ومدى ما يتحملونه من مسؤولية في الجرائم التي انهالت على رؤوس العراقيين، ومسؤوليتهم في سفك الدماء الزكية العراقية التي سالت جراء هذا التدخل المشين.
لو صدر هذا التصريح من قبل سفير أجنبي في بلد مثل إيران تنعدم فيه القوانين، لتم احتلال سفارة البلد كما جرى سابقاً، ولتم القبض على السفير وتعريضه للضرب والأستجواب ثم الطرد خارج البلاد. ولكن من العسير على دولة تلتزم بالقانون وتحترم نفسها أن تسلك هذا السلوك. فهذه الأخيرة ستكتفي بإرسال مذكرة احتجاج إلى الدولة المعنية تطلب منها سحب هذا السفير، أوتقديم الاعتذار للدولة التي تعرضت إلى مثل هذه التجاوزات الأجنبية. ولكن وللأسف وجرياً على عادة المسؤولين عندنا وخاصة وزارة الخارجية، لم يتم تقديم هذا الطلب بطرد هذا المبعوث المريب من الأراضي العراقية إلى الآن رغم تطاوله على سيادة بلدنا المثخن بالجراح جراء تدخلات حكام بلدان الجوار، وبضمنهم حكومة هذا المبعوث المشكوك بأمره.
وما كان لهذا المبعوث أن يجرأ على هذا التطاول دون تطوّع بعض العراقيين للتستر على حكام إيران وتدخلهم الدائم في شؤوننا. فمنذ انتفاضة آذار عام 1991، أدى هذا التدخل الإيراني إلى فشل الانتفاضة بسبب الشعارات الطائفية والشعارات الموالية لعمائم إيران والتي رفعها البعض، إلى جانب النشاط المحموم لأزلام هذا النظام في نهب العراق وممتلكاته على غرار ما قام به أزلام صدام في السطو على غنائم صولاته سواء ضد إيران أو ضد الكويت. فلقد تحولت كل المنشآت العراقية من أربيل إلى الفاو بعد الانتفاضة إلى ميدان للنهب أو للسطو عليها بثمن بخس وبمساعدة من بعض العراقيين الذين تخلوا عن وطنهم والولاء له، أو من الذين يسعون للاستقواء بقوى خارجية لفرض منهجهم على العراقيين. فممر حاج عمران والشلامجة وغيرها من الممرات المؤدية إلى أيران تحوّلت إلى مخازن للبضائع المنهوبة من سد بخمة ومصانع البصرة وإلى البضائع المنهوبة من الكويت أثناء غزو الكويت لتنقل إلى الحدود و”لتباع” بسعر الهواء إلى الحرس الإيراني الذي فتح المخازن الضخمة على الحدود العراقية الإيرانية لاستقبال هذه البضائع. ولعل المواطنون الذين رأوا تلك المشاهد مازالوا يتذكرون تلك الصفحة المشينة من النهب التي طالت أملاك الشعب العراقي.
إن طبيعة النظام الإيراني الغارق في سحق كل من يخالفه في الرأي في الداخل، لابد وأن ينعكس سلوكه على الخارج وبشكل فظ أيضاً. لقد سرقت الفئة التي تحكم إيران الآن الثورة الشعبية الإيرانية بفعل السطو على الآلة العسكرية الإيرانية الضخمة وتشكيل الميليشيات المسلحة والسطو على المال العام، والتي يسعى عملاء لها الآن في العراق بالسير على نفس الدرب. وألحق هذا النهج الدمار بطموح الشعب الإيراني العريق بحضارته وثقافته نحو بناء دولة ديمقراطية مسالمة. ولكن سطو زمرة التخلف على الحكم زوّر كل شئ في تراث هذا الشعب، وشوّه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعرضت إلى أسوة تدمير في تاريخ إيران. فقد قضت هذه الزمرة على كل التيارات السياسية الإيرانية التي ناضلت في فترة الشاه من أجل إرساء دولة القانون والديمقراطية. وطاردت حتى الكثير من رجال الدين الذين عارضوا التخلف والتزمت والجهل والتطرف لهؤلاء الحكام، وبعضهم من نال نصيبه من القتل والسجن أو فرض الحجر عليه كما حصل بالنسبة إلى الشيخ الجليل آية اله حسن علي منتظري، الذي صرح قبل أيام في لقاء له مع معارضين إيرانيين في إقامته الجبرية في مدينة قم إنه:”من دواعي الأسف إن آية الله الخميني قطع وعوداً للشعب فقمنا بإبلاغها، ونزل الناس إلى الشوارع متوهمين أن تلك الوعود ستطبق فقاموا بالثورة دافعين ثمناً باهضاً لذلك، إلاّ أن تلك الوعود لم تتحقق”. 
مازال الإيرانيون يتذكرون تلك الايام الموحشة عندما قام المتطرفون وفي ليلة سوداء بإعدام الآلاف من السجناء السياسيين الإيرانيين. وكان الكثير منهم قد شارف على قضاء مدة محكوميته. لقد أعدم هؤلاء بحجة رفضهم إقامة الصلاة، والكثير منهم كانوا من المواظبين على الصلاة، إلاّ أنهم رفضوا الإنصياع لطلب جلاديهم. ولعل أبرز نموذج على ذلك هو ما جرى للفقيد المهندس الشاب كيوان محشيد الذي قضى قرابة عشرين سنة في سجون الحكم الشاهنشاهي، وأعدم عام 1987 لرفضه الطلب.
كما تم إعدام ضباط سابقين من أعضاء حزب توده إيران الذين قضوا ثلاثين سنة في سجون الشاه وفي سجون التطرف الديني بعد الثورة الإيرانية. كما أعدم في هذه الحملة ضباط كبار من أعضاء حزب توده والعاملين في الجيش، وممن قاموا بدور رئيسي في تحرير المدن الإيرانية من قبضة عصابات صدام حسين بعد غزو إيران.
ولم يتردد هؤلاء الحكام حتى عن تقطيع أوصال من يخالفهم في الرأي إرباً إرباً، كما حدث للزعيم الوطني ورئيس حزب ملت إيران داريوش فروهر وزوجته پروانه فروهر في بيتهم بتاريخ 22/11/1998. كما تم الغدر بالدكتور الاختصاصي في الأمراض العصبية كاظم سامي لمعارضته الاستبداد الديني، إضافة إلى حملات القتل التي عرفت بـ”الزنجيري” لآلاف من خيرة رموز الثقافة والفكر والسياسة والصحافة في إيران، تماماً على غرار ما يقوم به أذنابهم وحلفائهم في “القاعدة” الآن في العراق.
إن ولع هؤلاء بسفك الدماء وبالقتل وبعبادة السلطة، وليس الله، لم يثنيهم حتى عن ارتكاب جريمة قتل إبن الخميني السيد أحمد الخميني، وقتل طبيبه الخاص جمشيد پرتوي كبير أخصائيي إيران في أمراض الفم والحنجرة والذي كانت لديه كل تفاصيل إغتيال أحمد الخميني على يد زبانية حكام إيران الحاليين. ولعلهم أرادوا بهذا القتل قطع الطريق أمام أي شخص آخر قد يكون بديلاً عن خامنئي ليشغل أعلى سلطة في المؤسسة الحاكمة في إيران.
إن حكماً يعبث بمصير شعبه، كما عبث صدام حسين بمصير العراقيين، لا يمكنه أن يتحول إلى حمامة سلام للعراقيين. ففي تصريح أخير للسيد قاسم عطا الناطق العسكري لخطة فرض القانون أشار إلى ما يلي:” نعم هكذا تشير المعلومات لدينا لقد ضبطنا اسلحة بحوزة عناصر متورّطة بتنظيم القاعدة من صناعة ايرانية وذات مناشئ غربية، ولا اريد ان أعطي الوضع الامني صبغة سياسية ولكن هناك من يدخل من ايران وهو ينتمي الى تنظيم القاعدة وربما بطرق غير رسمية وشرعية وتحت مختلف المسميات ويدخل الى العراق”. ويصرح أحد البعثيين الموجودين خارج العراق لصحيفة الحياة بما يلي:” أنه علم من المحيطين بالدوري ان رسالة عبر وسطاء وصلت الى الدوري من جهاز اطلاعات الايراني يعرض عليه اللجوء الى ايران والتكفل بحمايته ,الا ان الدوري لم يجب على العرض الذي مضى عليه سنتان”. ويعيش المواطنون العراقيون في المدن الجنوبية على وجه الخصوص آثار تدخل الأجهزة القمعية الإيرانية في الشؤون الداخلية في العراق، بدءاً من تشكيل الميليشيات التي زادت على 22 صنفاً، وإلى المشاركة بأعمال القتل التي طالت خيرة العقول العراقية والتي يقوم بها المرتزقة الذين يتقاسمون الأدوار للقيام بهذه المهمة وبشكل “عادل” مع التنظيمات التكفيرية للقاعدة وفلول النظام السابق.
إن مجلد التدخل الفظ لحكام إيران في الشأن العراقي هو من الضخامة بحيث طال حتى الجوانب الاقتصادية التفصيلية في مسعى لتدمير الاقتصاد العراقي، والإبقاء على ركوده من خلال الضخ الهائل للبضائع الإيرانية في السوق العراقية وبدون أدنى رقابة. فقبل أيام تعطلت جميع مصانع الطابوق في كل المدن العراقية، التي توفر فرص العمل لقرابة 100 ألف عامل، مما أدى إلى حرمان هؤلاء العمال من وسيلة لتأمين القوت لأطفالهم. وكان السبب هو إقدام أطراف في وزارة النفط على وقف تزويد هذه المعامل بالنفط الأسود الضروري لتشغيلها. وجاء ذلك مقترناً بضخ كبير للطابوق الإيراني المعفي من الضريبة والمكوس مما ألحق أفدح الضرر بهذه الصناعة الحيوية في العراق. فهل هو تواطؤ؟ كل ذلك غيث من فيض و جزء من عملية التخريب في الإقتصاد العراقي الذي يقوم به أقطاب التطرف الديني في إيران وعملاء من حملة الجنسية العراقية، والذين تسللوا إلى الجهاز الإداري العراقي. أسئلة كثيرة لابد وأن تتوفر الإجوبة عليها عاجلاً أم آجلاً، كما توفرت تلك الأجوبة حول عبث هؤلاء في مدينة البصرة.
إن على حكومتنا ووزارة الخارجية أن لا تقف موقف المتفرج من هذا الاختراق لأمن بلادنا والسكوت على هذا التطاول. فالسكوت لا يؤدي إلاّ إلى المزيد من تشجيع هذه الزمر على العبث والتخريب، فحكام يريدون السطو على العنب والناطور.. إن أول أجراء يجب أن تتخذه الحكومة هو عرض مشاكل التدخل الإقليمي بشكل صريح، كما عرضها أخيراً السيد رئيس الوزراء على مؤتمر وزراء خارجية الدول المعنية بالأمن في العراق والمنعقد في الكويت. كما ينبغي عرض هذا الاختراق على منظمة الأمم المتحدة ومنظمة العالم الإسلامي والجامعة العربية كي يردع الدول الإقليمية عربها و”عجمها” عن إيذاء العراقيين. كما ينبغي أن تسمى الأشياء بمسمياتها ودون تردد، وإتخاذ الاجراءات بحق كل من يتطاول على العراقيين وبضمنهم “الملحق السامي الإيراني” وطرده من العراق.


* يُعرّف المناضل نيلسون مانديلا على أنه من كسر الرقم القياسي للسجين السياسي عندما قضى 27 سنة في سجون التمييز العنصري. ولكن ينسى الكثيرون أولئك السجناء السياسين الذين قضوا 30 سنة أو أكثر كما هو الحال بالنسبة للمناضل صفر خان الذي رحل عن هذه الدنيا قبل سنوات. إن الكثير لا يعرف عن المأساة التي حلت بهؤلاء السجناء السياسيين من قادة حزب توده إيران والذين قضوا كل تلك السنوات ولم يرحمهم حكم الاستبداد الديني وقضى بإعدامهم بتهم مزورة بالعمالة للاتحاد السوفييتي كالعادة. وكان في مقدمتهم أعضاء التنظيم العسكري وهم الشهيد عباس حجري بجستاني واسماعيل ذو القدر ورضا شلتوكي وأبوتراب باقر زادة ومئات آخرين من أعضاء الحزب ممن لقوا حتفهم بسبب معارضة الحزب لاستمرار الحرب العراقية الإيرانية، بعد أن اندحر صدام وقواته وغادروا الأراضي الإيرانية في السنة الثانية من الحرب. الصورة مهداة عام 1967 إلى كاتب السطور في سجن قصر – طهران.
** إن هؤلاء الضباط هم من خيرة ضباط الجيش الإيراني والذين لعبوا دوراً شجاعاً في دحر الغزو الصدامي. ولم يحصل هؤلاء وعشرات غيرهم على روحهم الوطنية وبسالتهم في حماية بلدهم من حكام إيران. فعند أول مطالبة لهم بوقف الحرب وعدم اجتياح الأراضي العراقي، تعرضوا إلى موجة الاعتقالات المعروفو وحكم عيهم بالاعدام ونفذ الحكم. 

بتصرف
22 ابريل 2008