المنشور

حوار التناظر مع الأديب القاص عمر حمش



حوار التناظر مع الأديب القاص عمر حمش



الجزء الأول – من مشهد عمران مع لوح الصفيح …






 


في المخيم أدبيات لم يألفها سوى من أفجعته دوي دبابات جيش الاحتلال الهائمة تبحث عن قنص لمقاوم في شوارع غطى تراب شوارعها رذاذ إطارات الثائرين ، في المخيم طعم .. رائحة تنبعث .. صوت يبكي وأخر يجلجل مستعر .. لا تسمع في شوارع المخيم زغاريد الأفراح قدر زغاريد الوداع للشهداء .


لم نعد نسمع مكبرات الصوت المعهودة في أفراح أهل المخيم كما عاهدناها في سنوات خلت مبكرة فيما بعد الاحتلال عام 1967 . غمسوا جنود تعاظم في وجدانهم غطرسة القنص لكل من يرفع رأسه .. ومن لم يرفع كانوا يأتون إليه كسيل الذباب يزعجك لونه .. شكله .. تأفف النفس .. تقشعر له الأبدان لطالما هو قرر إزعاجك في كل مرة .


الدنيا فراش شاحب في مساحة هجرتها زند الثائرين من ربوع القومية العربية .. بعدما ولدت استكانة وتربعت متع الدنيا في عيون جحظت أمام مشاهد نساء شقراوات لم تكن يوما تعيش حالة الفصح العربية .وسمائنا ليست بسماء قصور العرب الذين أزكمت أنوفهم نفط البادية وسلة العملات الملونة وترصعت معاصم نساء البادية بدل النقاب الألماس والذهب المرصع والملون .. هم هجروا قيم العروبة وقيم الدين وحتى الوطنية ، وحولوا مجالس السياسة والأدب إلى رقص لشبة العاريات يرقصن خلف بلورات الخمر المعتق والمستورد من بلاد صدرت لكل العرب الموت والذلة والمهانة .


سقفنا صفيح ورثناه من هجرة تكللت بنجاح المهزومين ونصر ابتغته مجالس الأمم المتأمركة فقالوا عنها الأمم المتحدة .. تحت سقف الصفيح نقرات المطر لا تجبرك على النوم قدر إكراهك على السهر ، هم يرقصون على نقرات طبول الرقص الماجن وابن المخيم يرقد تحت مزاريب المطر ونقرات قررت إعدام راحتك ، ويأبى النوم ان يخلد في مقلتيك .. ترتعش .. ترتجف تحت غطاء اسود منسوج كنت للتو قد استلمته من مخازن وكالة الأمم يقولون عنه “بطانية ابن المخيم” . تسمع أصوات الرعد فوق سطح الصفيح كمن اجتاحته أصوات هجوم الطائرات العربية لتنقذك من جحيم استأسدت عليك زلة قلم بلفور في لحظة ضعف أمام حافيات الخصر الصهيونية .. وفيما تتابع يتلاشى حلم راودك في كل صلاة تنتظره فيتبين انك في فصل الشتاء القارص وطائراتنا العربية رابضة على ارض المطار تنتظر رحلة الصيف في أجواء لندن وأمريكا لقضاء فصل الربيع في أحضان أكثر شهوة ودفقا للنزوة .











 


كوهين:


هنا أنت في زقاق  إحدى ممرات المخيم لا تتسع بالكاد لان تخرج منها نعش شهيد سقط برصاص كوهين وعمران وابرام .. أو حتى مسن قضى ينتظر ان يفارق المخيم إلى مسقط رأسه ولم يكن يعلم انه غادر هو ورأسه وأغمضت عيناه حسرة فقط لأن قرارات مجلس الأمن الدولي  غير قابلة للتنفيذ فلربما كانت تشبه ذخيرة المهزومين عام 1967 .


كان كوهين يعاني في أزقة المخيم من البرد والريح والظلمة كما ابن المخيم يعاني تحت سقف الصفيح ؛ ولكن هو يعلم انه يتربص بشاب أو شبل يتربص به برصاصة أو أن يمشقه بطوب المخيم .. هو هنا ليؤرق جفون البائسين في المخيم ليضمن نعمة السكينة لاستر ، وسارة ، وألبرت …


هم غطسوا وأفراد دوريتهم في وحل المخيم ويكرون ويفرون ، وفي تلك الليلة قرر المجاهدون والمناضلون انه يوم إجازة  .


لم يكن يعلم ” كوهين” وعصابة جيش الاحتلال ان المخيم كل شيء فيه مختلف … فأصابعهم على الزناد لأنهم  اغتالوا حقوق التاريخ ، وبنوا عقيدة ، وأيدلوجيا أعدها لهم حكماء بني صهيون في تخريجات يطلق عليها بروتوكولات ” . هم منتشرون في شوارع المخيم يكابدهم البرد القارص وزخات المطر ووحل المخيم ، ويتربع في صدورهم الخوف والهلع،  فباتوا يحرسون الظلام الدامس وفقدوا حتى القدرة على الكلام ولم يتبقى بحوذتهم سوى لغة الإشارة وجلسة القرفصاء . 


عمران يتسلق سقف الصفيح :


أنا لا اعرف إن كان اسمه عمران أو عمرام ” ولكنهم في الختام ككل زنادقة التاريخ .. تسلق الجدار فارتطم في بركة مطر الحوش ، وحين تسلق الجدار لم يشاهد إلا بنات أفكاره كما يتسلق الهاوية فأيقظته هيام عشيقته النائمة على فراشها في تل أبيب .. أو لربما اسدروت التي لم تكن في السابق تمطرها قذائف المجاهدين ..  شاهد وداع من يحب وهو لم يكن أكثر من متسلق لجدار المسهدين تحت سقف من صفيح .وحين شخص المتعبين من مكابدة الانتظار وشخص شخوص العينين المحدقة في وجه الزائر العجيب والغريب ، زائر فرضته أجندات الغرب عليك ليفرض انه سيد الموقف بكامل عتاده يصرخ بداخله .. يبكى حاله وهو لا يعرف من سيقتل قبل ان تغتاله رصاصة من تحت الصفيح أو خلف جدار .. هو يريد ان يرسم الدم على جدران البيت .. يريد أن يصنع مجزرة ككل المجازر التي صنعوها أوغاد إسرائيل ليحتفى به بطلاً كمن عاقبتهم محاكم إسرائيل الوهمية ورفعت رتبهم العسكرية من جندي إلى عقيد . وكانت صرخاته المدوية كابوسا أيقظ كل النائمين من حوله فقد سقط فوق أطفاله وزوجته إنها كانت رحلة في شوارع وأزقة المخيم .



بتصرف