المنشور

عوالم مفتوحة

إذا كانت الجاليات الأجنبية الآسيوية منها بشكل خاص،‮ ‬في‮ ‬بلدان الخليج تشكل عوالم مغلقة بوجه المحيط المحلي‮ ‬في‮ ‬هذه البلدان الذي‮ ‬يجهل تفاصيل طريقة معيشتها وأنماط تفكيرها وأشكال تواصلها الداخلي،‮ ‬فإن هذه الجاليات شأنها شأن أمور كثيرة في‮ ‬مجتمعاتنا مفتوحة على الخارج‮.‬ ولكن بأي‮ ‬معنى؟‮!‬ في‮ ‬الدرجة الأساسية فإن الأوطان الأم لهذه الجاليات معنية بشكل كبير بأوضاعها،‮ ‬ليس فقط لأن حقوق المواطنة تقتضي‮ ‬مثل هذا الاهتمام من الحكومات بأمر مواطنيها الذين‮ ‬يعيشون ويعملون في‮ ‬بلدان الخليج النفطية،‮ ‬وإنما أيضا لأن التحويلات المالية من هؤلاء إلى أوطانهم تشكل أحد أهم عوامل تنشيط الدورة الاقتصادية في‮ ‬هذه الأوطان،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فهي‮ ‬معنية برعاية أمور أبنائها والسعي‮ ‬لتأمين الظروف الملائمة لعمل ومعيشة هؤلاء،‮ ‬وهي‮ ‬بدأت في‮ ‬المطالبة وربما الضغط من أجل سن ما‮ ‬يلزم من التشريعات لتأمين مثل هذه الظروف‮. ‬ وهي‮ ‬قد تحث مواطنيها في‮ ‬المستقبل،‮ ‬ولعلها بدأت في‮ ‬حثهم على إبداء أشكال من التكافل والتضامن الرامي‮ ‬لتأمين مثل هذه الظروف‮. ‬وهو أمر جدير بأن‮ ‬ينال منا العناية الكافية حين ننصرف إلى التأمل في‮ ‬مستقبل التنمية في‮ ‬مجتمعات الخليج ومستقبل التركيبة السكانية فيها‮.‬ ومن البديهي‮ ‬أن تسود النظرة الواقعية التي‮ ‬ترى أن معدلات النمو الحالية في‮ ‬بلدان الخليج ونمط المعيشة السائد بما‮ ‬ينطوي‮ ‬عليه من رفاهية ويسر بالنسبة لأبناء المنطقة خاصة ما كان‮ ‬يمكن أن تتحقق دون هذه الكثافة الكبيرة من العمالة الأجنبية،‮ ‬الآسيوية خاصة‮. ‬ ولكن الاطمئنان إلى ذلك والنوم على أسرة من حرير دون التبصر في‮ ‬المستقبل وعواقبه‮ ‬ينم عن سوء تقدير لحجم الظاهرة ولعواقبها،‮ ‬غدا عندما‮ “‬تروح السكرة وتجيء الفكرة‮”.. ‬ولا بد من التذكير بتلك المقولات التي‮ ‬ترى في‮ ‬هذا الاعتماد المبالغ‮ ‬فيه على الخارج قنبلة موقوتة،‮ ‬لن نكون قادرين على تجنب انفجارها،‮ ‬خاصة أن الصاعق ليس في‮ ‬أيدينا‮.‬ لم‮ ‬يسبق أن شهدنا هذا التدويل الواسع للظواهر والحالات،‮ ‬ومجتمعات الخليج بحكم ما فيها من ثروات وما تحتله من موقع لا‮ ‬يمكن إلا أن تكون في‮ ‬قلب هذا التدويل على الأقل من زاوية إستراتيجية سلعة النفط الموجودة في‮ ‬أحشائها‮.‬ وآليات العولمة لا‮ ‬يمكن أن تستخف بقضية جوهرية ومصيرية وحيوية بالنسبة لبلداننا،‮ ‬كقضية العمالة الأجنبية التي‮ ‬قد تستخدم،‮ ‬وربما بدئ في‮ ‬استخدامها،‮ ‬من قبل الدوائر الدولية النافذة والمنظمات العالمية كورقة ضاغطة على بلدان المنطقة،‮ ‬في‮ ‬ظل الأوضاع المعيشية‮ ‬غير الإنسانية التي‮ ‬يعيشها العمال الأجانب في‮ ‬بلدان الخليج،‮ ‬والتي‮ ‬قادت إلى سلسلة من الإضرابات العمالية في‮ ‬صفوف العمال الهنود الآتين من بلدٍ‮ ‬معروف بعراقة تقاليد التنظيم النقابي‮ ‬فيه،‮ ‬وبالخبرة الغنية في‮ ‬استخدام أشكال الاحتجاج لنيل الحقوق المعيشية وتحسين ظروف العمل‮.‬ من العبث القول أن الوقت قد آن للتفكر في‮ ‬الأمر،‮ ‬الأصح القول أن الوقت‮ ‬يكاد‮ ‬يكون متأخرا،‮ ‬والأجدى هو السعي‮ ‬لإنقاذ ما‮ ‬يمكن إنقاذه عبر الخطوات العملية التي‮ ‬تتطلب قرارات جريئة لا بد منها.‬
 
صحيفة الايام
24 ابريل 2008