المنشور

حقوق الإنسان عملة بوجه واحد‮ (٢-٣)‬

عندما انهار المعسكر الاشتراكي‮ ‬انهارت معه مشاريع كثيرة،‮ ‬بل وتخبطت الحركة الوطنية سياسيا وتنظيميا،‮ ‬خاصة اليسار منها،‮ ‬ولكنها بعد عثرتها وجدت نفسها تكتشف إن هناك طرقا عدة لتسليط الضوء على قضايا داخلية بصورة هادئة ومقنعة لها استجابتها في‮ ‬الخارج كونها سياسية من جهة ومن الجهة الأخرى حقوق سياسية منتهكة كما هي‮ ‬مسألة النفي‮ ‬ومصادرة الحياة النيابية ووجود قوانين معطلة للحريات والدستور كما هو المرسوم بقانون امن الدولة‮. ‬
ولكي‮ ‬تتمكن القوى السياسية البحرينية في‮ ‬الخارج من خلالها جذب تعاطف المنظمات الدولية فبدا التناغم منسجما ما بين حركة الداخل وإيقاع الخارج في‮ ‬تعاملها مع المنظمات الدولية لعلها تكون قوة ضاغطة ومؤثرة،‮ ‬والتي‮ ‬ظلت ترى في‮ ‬التحرك السابق للمنظمات السياسية تحركا سياسيا وليس حقوقيا،‮ ‬بل واتهمت المنظمات الدولية التيار الإسلامي‮ ‬في‮ ‬أواخر الثمانينات وبداية التسعينات بأنها تنظيمات طائفية ومشاريعها ومطالبها طائفية،‮ ‬فكان على الحركة الوطنية اليسارية القائمة على تنظيمي‮ ‬الجبهة الشعبية والتحرير،‮ ‬أن تسعى للتأثير على مسارات الحركة الدينية في‮ ‬هذا الجانب بالرغم من نفوذها المالي‮ ‬ووضعها التنظيمي‮ ‬المنهك‮.‬
‮ ‬وللعلم لم‮ ‬يكن في‮ ‬حينها أي‮ ‬حضور للتنظيم البعثي‮ ‬في‮ ‬الخارج طوال الثمانينات وأوائل التسعينات‮ – ‬كالتجمع القومي‮ ‬ولا الوسط القومي‮ ‬الإسلامي‮ – ‬ومن تابع منشورات وأدبيات التيارات الدينية في‮ ‬الخارج سيجد طبيعة خطاباتها في‮ ‬البداية وطبيعة خطاباتها فيما بعد،‮ ‬إذ تبلورت لديها‮ – ‬إلى حد ما‮ – ‬الآلية السياسية في‮ ‬مخاطبة العالم الخارجي،‮ ‬بدلا من الدعائية السياسية والتضخيم الدعائي،‮ ‬فقد كانت محطة البي‮ ‬بي‮ ‬سي‮ ‬تتهم تلك التنظيمات بهذه التهم الطائفية إلى جانب إبراز ونفخ الروح الطائفية من جهة أخرى بهدف‮ “‬تطويفها بقصد‮” ‬فوقعت في‮ ‬وهم إن المحطات والمنظمات الخارجية تقف معها بينما الفخ هو تقسيم نضالات الشعوب على أساس الطوائف والملل وضربها من الداخل دون تشعر بحقيقة ذلك الفخ المنصوب لها‮. ‬
بهذه الروح حملت المعارضة البحرينية لواء الدفاع عن حقوق الإنسان،‮ ‬فصارت حقوق الإنسان عندنا مجزأة على أساس تنظيمي‮ ‬وإيديولوجي‮ ‬وليس حقوقي‮ ‬وسياسي،‮ ‬وبدلا من أن تلتحق منظمة حقوق الإنسان التي‮ ‬شكلتها التيارات الدينية مع منظمة حقوق الإنسان التي‮ ‬حمل اليسار لواءها،‮ ‬صرنا نرى وجهين لحقوق الإنسان،‮ ‬ولو كان هناك وعي‮ ‬حقيقي‮ ‬بتلك المسألة لم تفتت وعاشت هذه المنظمة الحقوقية الوطنية التابعة للجميع،‮ ‬غير أن ما نود قوله هو تلك النزعة الإيديولوجية والتعصب الحزبي‮ ‬وروح التفرد بزعامة كل عمل جماهيري‮ ‬في‮ ‬الساحة،‮ ‬يسعى الجميع إلى تملكه دون الارتفاع والخروج عن النزعة الزعامية والسيطرة الحزبية الضيقة،‮ ‬فبدت البحرين الصغيرة في‮ ‬الخارج نموذجا للتشرذم حتى في‮ ‬طبيعة عمل منظمة حقوق الإنسان‮. ‬
لا أريد التركيز على المثالب والأخطاء والنعرة الطلابية والحزبية الضيقة أثناء عمل لجنة التنسيق بين اليسار عند عملهما المشترك،‮ ‬وكيف بدت مؤثرات الماضي‮ ‬والذهنية المنغلقة بالموروث الحزبي‮ ‬تسحب وتعكس نفسها على‮ ‬غالبية أعمال الطرفين في‮ ‬عملهما المشترك من اجل قضية مصيرية واحدة إلا في‮ ‬حالات،‮ ‬كان الخيار التاريخي‮ ‬يفرض نفسه عليهما،‮ ‬بل والشارع البحريني‮ ‬في‮ ‬الداخل‮ ‬يقدم نموذجا أكثر تطورا وانسجاما من الخارج،‮ ‬الذي‮ ‬ظل حتى وقتنا الحالي‮ ‬يعيش بسلوكيات طلابية تذكرنا بالاتحاد الوطني‮ ‬لطلبة البحرين‮. ‬
من المؤسف أن نجد أنفسنا بعد هذه الحقبة الزمنية المريرة نعود إلى الدائرة نفسها،‮ ‬والتفرد والركض وراء سباقات خاسرة مصيرها الفشل في‮ ‬النهاية،‮ ‬لطالما زعماء الحركة السياسية‮ ‬يفكرون بفلسفة التسابق في‮ ‬حلبة الرهان كما‮ ‬يراهن المغامرون على خيول خاسرة‮. ‬فماذا حدث لمنظمة حقوق الإنسان التي‮ ‬عملت في‮ ‬الخارج بروح إيديولوجية بحتة لطالما مؤسسيها تنظيمات سياسية مؤدلجة،‮ ‬بالرغم من أنها وضعت أمام المنظمات الدولية العالمية فوق وجوهها أقنعة حقوقية؟‮!! ‬
لا بأس وان كان من‮ ‬يقودون ذلك العمل الحقوقي‮ ‬هم أنفسهم من‮ ‬يقودون العمل السياسي‮ ‬وينتمون لقيادات تنظيمية،‮ ‬بحجة تداخل المهمات،‮ ‬فتم على هذا الأساس الانتقائي‮ ‬ما‮ ‬يناسب تلك القوى المعارضة،‮ ‬وكنت واحدا من هؤلاء المجموعة،‮ ‬وعملت ضمن طاقم هذه التركيبة التي‮ ‬لم تستطع فك الارتباط بين الاثنين لحساسية الوضع في‮ ‬الخارج،‮ ‬ولغياب منظمة حقيقية منفصلة بعملها وآليتها في‮ ‬هذا المجال مركزها الحقيقي‮ ‬في‮ ‬الداخل،‮ ‬بحيث لا توجد مؤثرات ايديولجية وتنظيمية تضغط على شخوصها من جوانب عدة‮.‬
‮ ‬كان ذلك مفهوما ومقنعا إلى حدود معينة نتيجة الشروط والظروف التاريخية للبلاد وللتنظيمات،‮ ‬ولكن فيما حدث متغير تاريخي‮ ‬كبير في‮ ‬البلاد مع اعتلاء الملك سدة الحكم،‮ ‬ومن ضمنها انتهاء وجود معتقل سياسي‮ ‬واحد في‮ ‬سجون البحرين وثانيا تم إلغاء مرسوم امن الدولة وعاد للوجود المجلس الوطني‮ – ‬وسنتحدث عن الانتهاكات في‮ ‬مرحلة الإصلاح‮ – ‬وثالثا عودة المنفيين للوطن‮. ‬فكيف كان وضعنا الحقوقي‮ ‬خلال السنوات السبع؟ وكيف أدارت تلك المنظمات عملها في‮ ‬الداخل والخارج؟ لماذا تناقضت هذه المنظمة مع طبيعة شرعيتها وعملها في‮ ‬عمل علني‮ ‬مرتبك وفي‮ ‬ظروف مرتبكة؟ سنكمل الحديث في‮ ‬حلقتنا الثالثة‮. ‬

صحيفة الايام
24 ابريل 2008