المنشور

اعتقــونـــــــــــا‮..‬


هكذا – وعلى رؤوس الأشهاد – تقاسمت التيارات السياسية “غنيمة” مقاعد الاتحاد العام لنقابات البحرين ضلع لهذا وصدر لذاك.. مجاهرةً بذلك بهيمنتها على النقابات كما هيمنت – قبلاً – على العمل الحقوقي والنسائي بل وحتى الخيري، بمباركة السلطة التي تراقب، ولا تمانع، ليقينها أن أفضل وسيلة لتقويض العمل النقابي هو إطلاق يد السياسيين فيه. فلا أخطر على العمل النقابي من طيّه تحت عباءة السياسي وربطه بالسفسطة الحزبية وتقلباتها ؛ وهي أبجديات يعيها النقابيون جيداً وإن تغاضوا عنها وتمردوا عليها.
 في السبعينات عندما تم الخلط بين العمل السياسي والعمالي – خلطاً – لم يكن منه بدٌّ ؛ نظراً لحداثة التجربة ومحدودية القيادات التي كانت تدير المشهدين آنذاك.. دفع العمل النقابي ثمن هذا الانصهار غالياً بأن نُفي على مدى ٤٣ عاماً..
 والآن وقد انتقلنا لطور وطني جديد؛ فلزام علينا أن نطور آلية إدارتنا للأمور وللأحداث ونتعلم من تجاربنا لا أن نكررها بعناد ونمعن فيها أيضاً. فإن كان العمل السياسي – قبلاً – ظهيراً للعمل النقابي والعكس سواء.. فقد صار العمل النقابي اليوم تابعاً للقوى السياسية ومرتهناً لها، ما أضعفه وزاده ارتباكاً..
 وإن كنا نفهم سبب غرس الأحزاب – التي لا تُسمى أحزاباً – لمخالبها في جسد العمل النقابي.. بغية التعملق في الساحة السياسية عبر السيطرة على أكثر من قطاع في خطوة لا شك مفهومة ومبررة.. فلا مسوغ مفهوم لرضا النقابيين بتبعيتهم العلنية لتلك الأحزاب. ولا يُقرأ الأمر إلا خوفاً من العمل المستقل، أو قناعة بأن حبل النجاح معقود حصراً بالتعلق بسفينة جمعية أو تيار ما.. أو ربما هي قناعة النقابيين أن لا مكان في هذا المجتمع للمستقلين المتواضعة حظوظهم دائماً !!  وكل ما ترونه الآن من تحديات تعوق النقابات وأولها إحجام العمال عن الانخراط في النقابات المحدودة القائمة “التي لا تتجاوز الـ ٥٣ نقابة” حتى أن بعض النقابات لا يتجاوز عدد أعضائها الخمسة بالمئة من عدد العاملين في شركاتها “وهو ما يضعف حتماً قوتها التفاوضية أمام أرباب العمل”.. ناهيكم عن دعاوى الانشقاق الداعية لتأسيس أكثر من نقابة في المؤسسة/ الكيان الواحد ليكون لكل فئة وجماعة نقابة خاصة بها.. وما الى ذلك من تحديات ما هي إلا أثمان وكلف متوقعة لنقل عداوات العمل السياسي وتشرذماته للعمل النقابي.. وتسييس النقابات بما لا تستسيغه بعض الأطياف ولا تقبله.
 إننا بالطبع لا ندعو لقطيعة الجمعيات والتيارات السياسية، ولكننا نتكلم عن الاستقلالية وأهميتها في تمكين النقابات. فنحن نعي – كما يعي النقابيون – أن قوة العمل النقابي هو أن يجمع العمال بصرف النظر عن انتمائهم السياسية والطائفية بل وحتى جنسياتهم ودينهم بما يقوي التمثيل النقابي ويزيد ثقة الأطراف فيه.. فقوة النقابي تكمن في خدمته للأهداف المهنية ونأيه عن مسرحيات التحالفات التكتيكية وتصفية الحسابات. علماً بأن النقايات – وإن تجنبت الانسياق لذلك – فستبقى تلك التهمة ذريعة جاهزة لتسفيهها وضربها..
  إن جُل مبتغانا أن تتنامى وتتظافر وتتقاطع أدوار السياسيين والنقابيين والحقوقيين والناشطين في هذا البلد دون أن يمتطي أحد منهم أحدا.. أو يتولى أحد منها على أحد.. ولكن أنى لنا ذلك والسياسة جاثمة على قلوبنا أينما ولينا..
 
الأيام 23 أبريل 2008