المنشور

الخلل السكاني.. الإمارات ليست وحدها!

منذ سنوات طويلة تعود ربما إلى ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد نحو عقد ونيف من استقلالها والامارات العربية المتحدة تشعر على نحو متزايد بالخطر الداهم الذي يهدد هويتها الوطنية من جراء الخلل البالغ في تركيبتها السكانية حيث ازداد الوافدون والاجانب، وعلى الأخص غير العرب، زيادة مخيفة باتت تطغى على سكان البلد العرب الأصليين وتحولهم الى أقلية على أرض وطنهم ووطن اجدادهم واجداد أجدادهم منذ قرون طويلة. هذا الاحساس بذلك الخلل السكاني الخطير اخذ يتنامى لدى الاماراتيين بصورة مفزعة بتنامي الخلل ذاته، فكان ان وصل إلى ذروته خلال السنين القليلة الأخيرة، ومن حسن حظ الاماراتيين ان استشعرته قيادتهم السياسية نفسها وشكل هاجسا وقلقا حقيقيا يراود احاسيسها بين الفينة والاخرى، فكان ان قررت ان تجعل عام 2008م عاما وطنيا لتأكيد الهوية الوطنية، ودراسة كل السبل وتضافر كل الجهود الممكنة التي تسهم في تأكيد المحافظة على الهوية الوطنية ومعالجة الخلل الكبير الذي طرأ على التركيبة السكانية. وبعد مرور شهور من اعلان هذا العام عاما للهوية الوطنية بدا واضحا أن هذا الاعلان ليس مجرد شعار اجوف كرنفالي على شاكلة الاعلانات العالمية حول تخصيص عام لقضية معينة فيغلب الطابع الكرنفالي او الاعلامي والشعاراتي للاحتفال اكثر من الفعاليات الملموسة التي تسهم في تحريك القضية التي خصص العام المحدد للاحتفال بها، وهكذا فإنه لا يمر يوم تقريبا إلا وتعقد فعالية كبرى تتعلق بالهوية الوطنية لغة ودينا او بالخلل السكاني الحاد الذي بات يهدد هذه الهوية تهديدا خطيرا على نحو متفاقم. ولعل واحدة من الفعاليات الأخيرة المهمة اللافتة التي تعكس اهتمام القيادة السياسية الاماراتية بهذه القضية الوطنية الحيوية الملحة التقاء نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء الاماراتي حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بلجنة التركيبة السكانية التي تشكلت في خريف العام الماضي 2007م للوقوف على الشوط الذي قطعته على نحو ملموس في تحقيق المهمة الموكولة إليها، والتي وصفها نائب رئيس الدولة ذاته بأنها تتصدر أولويات حكومته وطلب من جميع اعضائها التعامل معها بمنتهى الجدية والمسؤولية القصوى، وذلك على اعتبار “ان مستقبلنا وهويتنا الوطنية مرتبطة ارتباطا جذريا ومصيريا مع هذه القضية… التي تحدد بالنهاية مستقبل اجيالنا” على حد تعبيره. وكان لقاء آل مكتوم قد جرى بحضور عدد من كبار المسؤولين والوزراء المعنيين بملف القضية حيث اصدر أمرا في نهاية الاجتماع بضرورة الاسراع في تشكيل هيئة وطنية دائمة لمتابعة ملف “التركيبة السكانية” والاسراع ايضا في تنفيذ 66 مبادرة نحو تخفيف حدة الخلل السكاني. بيد ان مظاهر هذه الجدية في تناول هذا الملف تحت هاجس ما يراود الاماراتيين العرب من احساس بالخطر الداهم الذي بات يهدد هويتهم لم يقتصر على ذلك، بل نجده أيضا فيما عبر عنه على نحو ساخر بليغ شفاف قائد شرطة دبي ضاحي بن خلفان في احدى الفعاليات حينما حذر في ملتقى “الهوية الوطنية” من تمكن احد الهنود الوافدين رمز إليه بأحد الاسماء الهندية المشهورة “كوتي” من الفوز في انتخابات رئاسة الدولة، وهو ما أثار عاصفة من التصفيق الحماسي شارك فيها حتى كبار القادة والمسؤولون الذين حضروا الفعالية، وحذر خلفان من احتمال فقدان الاسر الحاكمة سلطاتها وطالب بتجنيس مواطني دول مجلس التعاون العرب. ولكن يخطئ من يظن بعد ما يقرب من اربعة عقود من الطفرة النفطية ان خطر الخلل في التركيبة السكانية يهدد الهوية الوطنية لدولة الامارات العربية المتحدة وحدها، فباستثناء المملكة العربية السعودية والى حد ما سلطنة عمان فان هذا الخطر بات يهدد كل دول مجلس التعاون وان بدرجات متفاوتة، ولربما ازدادت هذه الدرجة خطورة في هذه الدولة او تلك تبعا لسياسات وتشريعات منح الجنسية واكتسابها في كل منها. ومن نافلة القول بالطبع ان سياسات تخفيف القيود على منح الجنسية ولاسيما تجاه من هم ليسوا عربا أشد خطورة على الهوية الوطنية، وذلك لما يترتب عليه الأمر من تغلغل لهم في النسيج الوطني وتشويهه، وعلى الرغم من وجود اعداد هائلة من الوفود الاجانب غير المجنسين الذين يمكن الاستغناء عنهم او انهاء عقود العمل معهم في أي وقت، فإن طول اقامة الكثير منهم بات يشكل خطرا في حد ذاته مع تقادم الزمن وذلك لما يترتب عليه هذا التقادم من حقوق والتزامات قانونية دولية لا تستطيع الدولة الحديثة في مجتمعنا الدولي المعاصر التنصل منها الى الابد. دولة الامارات العربية المتحدة، وهي ثاني دولة خليجية بعد المملكة العربية السعودية تحمل نعت “العربية” في مسمى الدولة الرسمي للتأكيد على هويتها الوطنية قد دقت ناقوس الخطر على الأقل تجاه هذه القضية الحيوية، ومن حسن الحظ ان هذا الدق يلتف حوله شعبها بجميع فئاته وقيادته السياسية من دون ان يثير ذلك اي حساسيات مرضية تستصغر هذا الخطر لحسابات ضيقة.. فهل نسمع عن بقية دول مجلس التعاون ولو رنة دق الناقوس عندها كأضعف الايمان؟!
 
صحيفة اخبار الخليج
23 ابريل 2008