المنشور

حول مفردة‮ “‬التمييز‮”

بالنسبة لمن هم في جيلنا، ممن مروا بالتربية السياسية التي مررنا بها، فان مفردة التمييز حين كانت ترد في خطابنا السياسي لم تكن هذه المفردة تثير الحساسيات التي تثيرها اليوم، لأننا كنا ننطلق من النظرة إلى التمييز نظرة اجتماعية وسياسية أشمل.
كان التمييز الطبقي يحتل مكان الصدارة في تفكيرنا وفهمنا للأمور، وكنا، تفريعاً على ذلك، ننظر إلى أشكال التمييز الأخرى على أنها تجليات لهذا التمييز الطبقي الذي نعده الرئيسي والجوهري.
من حيث الجوهر فان هذه النظرة تظل صائبة وتحتفظ بحيويتها وراهنيتها، بل أنها تشكل عاصماً لنا جميعاً من الوقوع في متاهات الفُرقة المتعددة‘ إن نحن أغفلنا  أن جوهر ما يحكم التناقض في المجتمع، بما في ذلك في مجتمعنا هو تناقض اجتماعي في المقام الأول محركه  شهوة المقتدرين والمتنفذين في مراكمة الثروة، حتى لو تم ذلك بصورة غير شرعية.
وحين يتصل الأمر بمراكمة هذه الثروة فان الثري الشيعي لن يختلف في شيء عن الثري السني في الحرص على ذلك، وفي توسل الطرق نفسها في بلوغ هدفه، وفي التعاطي مع الأجراء الذين يوظفهم.
هذه المفردة تثير الحساسيات التي تثيرها في الأذهان حين ينصرف تأويلها إلى مضمون واحد هو الرائج اليوم للأسف والمقصود به التمييز ذو الأبعاد الطائفية. لذلك علينا ألا نندهش حين يُواجه قولاً “شيعياً” بتمييز واقع على الشيعة بطرحٍ مضاد، سني هذه المرة، فحواه أن وضع الكادح السني ليس بأحسن حال من وضع الكادح الشيعي، بل ويمكن للأمر أن يذهب في ظل الفزعة الطائفية الراهنة إلى قولٍ بأن الدولة أو بعض أجهزتها تمارس نوعاً من” المحاباة” للشيعة على حساب السنة.
علينا أن نتوقع أيضا سماع قول يسمي وزارات بعينها تكاد تكون حكرا في بنيتها الوظيفية على الشيعة إزاء وزارات أخرى تكاد تكون حكرا على السنة.
هذا النقاش يمكن أن يتفرع بدوره عن أسئلة أخرى لك أن تسمعها هنا وهناك: هل أهمية وزارة مثل وزارة الصحة تضاهي أهمية وزارة مثل الدفاع أو الداخلية.
ولكن هذا النقاش يجب رده إلى أصله: لماذا يكون لنا مثل هذا” التقسيم” أصلاً؟
وعودة إلى فكرة التمييز أو مفردته، فلعل البعد الاجتماعي أو الطبقي لا يحيط بكل مظاهر التمييز، إذا ما عدنا إلى ذاك التفريق المنهجي بين ما تعارف على تسميته بالبنية التحتية والبنية الفوقية، فأشكال الوعي الراسخة في هذه الأخيرة يمكن أن تلقي بآثارها القوية على البنية الاجتماعية أو التحتية، ولأن البنية الفوقية تنطوي على التمايزات الطائفية والاثنية والقبلية والجندرية فهي تفعل فعلها في تشكيل مفهوم التمييز.
يظل أن نتذكر أن التمييز مفهوم شامل، سيكون من الخطأ حصره في البعد الطائفي: هناك التمييز ضد المرأة، وهناك التمييز ضد المناطق، وهناك التمييز بين من يملكون وبين من يبيعون قوة عملهم ليعيشوا.
ولكي نحرر هذا المفهوم من حساسيته الطائفية، يجب أن نضعه في إطاره الشامل.
 
صحيفة الايام
22 ابريل 2008