المنشور

أميركا غارسة الشرور ومصدّرتها للعالم (5)

لمواصلة الكشف عن المعطيات التاريخية بشأن العلاقات الذميمة التي وقفها المسيحيون عبر رحلة طويلة في مسار التاريخ ضد اليهود، نستعرض النموذج التالي الذي يدل على الروح العنصرية البليدة التي مارسها اليمينيون والأصوليون المسيحيون من رجال الدين والساسة، بإغلاق أوروبا الغربية كل أبوابها في وجه اليهود، «ففي العام 1290 طرد اليهود من انجلترا، وفي العام 1492 طردوا من إسبانيا، وبعد ذلك بوقت قصير طردوا من البرتغال».
وقد ظل هذا العداء المسيحي العنصري لليهود، حتى في ظل الإصلاح الديني، كما هو واضح من الإقتباس التالي: «أبدى مارتن لوثر قائد حركة الإصلاح الديني، كرهاً ضد اليهودية واليهود، فقال: يجب أنْ يطرد اليهود من الدولة (ألمانيا) وأنْ يمنعوا من عبادة الله، وأنْ تصادر التوراة وسائر كتب الصلاة لديهم، وأنّ كتبهم يجب أنْ تحرق وبيوتهم يجب أنْ تدمر».
ونواصل البحث والإستقصاء في المسار التاريخي الذي يسجل للكراهية المسيحية العنصرية ضد اليهود، تلك الكراهية التي لم يسجل التاريخ العربي الإسلامي، أقل القليل من مثلها، إذ «… تحول الكثير من المسيحيين من كراهية اليهودية واليهود إلى نوع آخر من التمييز يدعى السامية الفلسفية التي تدعو إلى اعتبار اليهود الشركاء (المحبوبين)، ليس لأنّهم يهود ويُمارسون اليهودية، ولكن لأنّ لهم دوراً في خلاص المسيحيين».
وعند هذا الحد في مسار استنطاق أحداث التاريخ حول المواقف العنصرية المسيحية من اليهود، يسترعي الانتباه هذا التحول المفاجئ الذي لا يعززه أي معطى تاريخي أو ديني، والذي جعل اليهود «الشركاء المحبوبين»، ان لم يكونوا الضحية والوسيلة في تحقيق المصالح الرأسمالية للدول الغربية وأميركا، بالإضافة إلى «أنّ لهم دورا في خلاص المسيحيين»، وهنا يحس المرء عقدة الذنوب التي اغترفها الغرب المسيحي ضد دول وشعوب العالم. فماذا عسى أنْ يكون دور اليهود في خلاص المسيحيين؟ ومن أيّ الجرائم يكون الخلاص؟ فيما اليهود أنفسهم كانوا ومازالوا يُعانون من جرائم الغرب، وهذا ما ستتضح صورته بصورة مطلقة من الاقتباسات التالية:
«تجد السامية الفلسفية تعبيرها أيضاً في المسيحية الصهيونية، وهو موضوع بحثه الفلسطيني المسيحي جوناثان كتّاب في الفصل التاسع». ومع استمرار البحث والتدقيق في علاقات الأصوليين المسيحيين باليهود، وكيف أنها تتأسّس على مخططات جهنمية مبتدعة يتم في ثناياها دس السم في العسل، وعلى اليهود والفلسطينين والعرب والمسلمين بصورة خاصة، وشعوب العالم بصورة عامة، أن يتبينوا ما يحتويه المقتبس التالي من عبارات إنّ دلّت على شئ فإنما تدل على تدبير فكر جهنمي لا يقيم للأخلاق وللإنسانية وزناً، ولا بأس لديه بأنْ يبتدع من النور ظلاماً، ومن الجنة جهنماً، ومن الحب وسيلة لسفك الدماء البشرية ممثلة في الإنسان اليهودي، والعربي والمسلم بصورة عامّة… لنقرأ العبارة وما بين السطور من عبارات عدائية حاقدة صاغها عقل شرير في ابتداع أخطر الشرور: «لا يزال الأصوليون اليوم الإسلاميين بصورة عامة، من شدة «حب» معظمهم لإسرائيل، وهو الحب الذي يجعل اليهود مختلفين ومحكومين بالإبادة»!.
ولم يقف عداء الأصوليين المسيحيين لليهود عند حد ما قرأناه، حيث صيغت وسيلة لإبادة اليهود، فـ «مع ذلك فإن لمعظم الأصوليين ذوي النفوذ تاريخاً حافلاً بتعليم اتباعهم أن اليهود كانوا وراء كل متاعب العالم. ففي الثلاثينات كان الأصوليون، أمثال أرنولد جايبا رئيس تحرير صحيفة «أملنا» (أورهوب)، وجيمس جراي رئيس معهد مودي الإنجيلي، وجيرالد وينفورد مؤسس «المدافعون عن العقيدة المسيحية»… يعلمون أتباعهم بأنّ اليهود كانوا المحرضين على القيام بمؤامرة عالمية».
وتذهب السيدة غريس هالسل مؤلفة كتاب «يد الله» في تثبيت المزيد من وقائع التاريخ التي لابدّ لأيّ باحث من الرجوع إليها، إذ تقول: «لقد أسسوا – الأصوليين – مقالاتهم اللاسامية على «بروتوكولات حكماء صهيون»… التي تدعي أن اليهود خططوا لتدمير المسيحية (والإسلام)، ونسف الحكومات الديمقراطية والسيطرة على الإقتصاد العالمي ومن ثم على العالم».
وهنا أنبه إلى أنني لم أضف (الإسلام) كهدف للتدمير بصورة عفوية، ولكني استند في ذلك على مرجع موثق ورد على لسان جيمس روتشفيلد، في نداء له موجه إلى يهود العالم مثبت في كتاب «حكومة العالم السرية» (ص 167 – 169). وليس أفضل ما نختتم به هذه الحلقة الأخيرة من اقتباس العبارات التالية من الغلاف الخارجي لكتاب «من أجل صهيون»:
«النبوءات التي اثارت (حمى الألفية)»
«إعادة بناء الهيكل على انقاض المسجد الأقصى وقبة الصخرة»
«ارتقاء المؤمنين لملاقاة المسيح في الغيوم»
«معركة مجيدو (هارمجيدون) تقع قرب حيفا»
«ألف عام يحكم المسيح الأرض»
«حدد لنا الخراصون موقع APOCALYPOSESOON شهرمايو/ أيار من العام 2004 موعداً للبدء ببناء الهيكل والشهر ذاته من العام 2007 للانتهاء من بنائه، وبين البدء والختام ستكون دمشق قد دمرت وصارت ركاماً.
«نسجت الإدارة الأميركية من هذه النبوءة خطة للدهر بنت عليها خططها وأحلامها الإمبراطورية ونسبتها إلى الله لتسوغ بها سائر اختراقاتها لحقوق الإنسان وقيمه».
«فهل ستذعن الإنسانية لهذه النبوءات كقدر محتوم؟! أم ستكلها إلى قوانين التاريخ الصارمة التي يواصل الإنسان فيها سعيه للتقدم والارتقاء وللتخلص من الفساد وسفك الدماء، غير مكترث بنبوءات الخرّاصين».

صحيفة الوسط
18 ابريل 2008