المنشور

من وحي‮ ‬ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬الكويت


ليست المرة الأولى التي‮ ‬تضطر فيها السلطات الكويتية لاستخدام القوة لتفريق متظاهرين من أبناء القبائل كانوا‮ ‬يحتجون على حظر إجراء انتخابات قبلية،‮ ‬على جري‮ ‬عادة هذه القبائل في‮ ‬كل انتخابات نيابية‮.‬
 وتقوم فكرة الانتخابات الفرعية على أن تنتخب كل قبيلة من بين أفرادها المتنافسين على عضوية مجلس الأمة شخصاً‮ ‬واحداً‮ ‬ليدخل الانتخابات الرسمية،‮ ‬ممثلاً‮ ‬في‮ ‬هذه الحال للقبيلة كلها التي‮ ‬يجب أن توجه أصواتها إليه بدلاً‮ ‬من تشتيتها على أكثر من مرشح،‮ ‬مما قد‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تمكين مرشحين آخرين من أفراد قبائل أو قوى أخرى‮.
‬ في‮ ‬مراحل سابقة تغاضت السلطات عن هذه الانتخابات الفرعية تحاشياً،‮ ‬على ما‮ ‬يبدو،‮ ‬للمواجهات التي‮ ‬انفجرت أخيراً‮ ‬حين قررت هذه السلطات استخدام القوة لمنع الانتخابات‮.‬ الحكومة تقول إنها حظرت هذه الانتخابات لأنها تكرس الولاء للقبيلة بدلا من الدولة وتجرد بعض المواطنين من حق الترشح إذا لم‮ يكونوا مدعومين من القبيلة‮. ‬وهو رأي‮ ‬سديد،‮ ‬لأن بناء الدولة الحديثة‮ ‬يقتضي‮ ‬القطع مع أشكال الولاء القبلي،‮ ‬وإقامة تعاضديات جديدة مبنية على فكرة المواطنة المتساوية والمتكافئة في‮ ‬الحقوق التي‮ ‬تعلي‮ ‬من شأن الهوية الوطنية الجامعة على حساب الهويات الفرعية‮.
‬ لكن الدارس للتاريخ السياسي‮ ‬المعاصر للكويت،‮ ‬خاصة في‮ ‬الجزء المتصل منه بآليات التجربة البرلمانية في‮ ‬مراحلها المختلفة،‮ ‬لن تعوزه ملاحظة أن قوى في‮ ‬الدولة وجدت نفسها محمولةً‮ ‬على تشجيع الولاءات القبلية واستخدامها أداة في‮ ‬اللعبة الانتخابية في‮ ‬مواجهة القوى الوطنية والقومية التي‮ ‬كانت قلب المعارضة في‮ ‬المجتمع وفي‮ ‬مجلس الأمة في‮ ‬وقتٍ‮ ‬مضى‮.
‬ الاستخدام البراغماتي‮ ‬للولاءات التقليدية،‮ ‬المذهبية والطائفية وسواها،‮ ‬يحمل في‮ ‬طياته محتوى مزدوجاً،‮ ‬فأصحاب هذه الولاءات‮ ‬يمثلون بنىً‮ ‬راسخةً‮ ‬ومنظمةً‮ ‬تُدير شبكةً‮ ‬من المصالح الخاصة بها،‮ ‬وهي‮ ‬إذ تستقوي‮ ‬بدعم الدولة لها في‮ وقت من الأوقات حين تبتغي‮ ‬هذه الدولة مصالح منها،‮ ‬فإنها،‮ ‬في‮ ‬المقابل،‮ ‬تقاوم،‮ ‬وبمنتهى الجدية والحزم،‮ ‬أي‮ ‬محاولة من الدولة للسيطرة عليها وإخضاعها‮.‬ المراقبون‮ ‬يقولون إن القبائل في‮ ‬الكويت استطاعت التحايل على السلطات بإجراء الانتخابات بشكل مموه‮.‬
 في‮ ‬كلمات موجزات،‮ ‬قد تذهب القبيلة في‮ ‬اللعبة السياسية حدوداً‮ ‬معينة لضمان مصالحها،‮ ‬ولكنها حين تستشعر الخطر على بنيتها فإنها تنتفض مدافعةً‮ ‬عنها،‮ ‬لأنها من دون ذلك تكف عن أن تكون قبيلة‮.‬ هذا من جهة،‮ ‬لكن من جهة أخرى فإن هذا السجال‮ ‬ينبه إلى من هو على المحك في‮ ‬هذا كله ليست القبيلة إنما الدولة ذاتها،‮ ‬حين‮ ‬يتعين علينا طرح السؤال التالي‮: ‬إلى أي‮ ‬مدى تبدو الدولة في‮ ‬دول الخليج جادة في‮ ‬المضي‮ ‬في‮ ‬مشروع التحديث السياسي،‮ ‬الذي‮يتطلب،‮ ‬في‮ ‬مقدمة ما‮ ‬يتطلب،‮ ‬أن تنزع عن نفسها قماط القبيلة،‮ ‬لتنفتح على مكونات المجتمع الأخرى بروح الشراكة لا بروح الاحتواء.
 
صحيفة الايام
17 ابريل 2008