المنشور

‮ ‬حقوق الإنسان عملة بوجه واحد‮ ‬‭(‬3-1‭)‬

تحركت عجلة العمل الحقوقي‮ ‬في‮ ‬البحرين بين مرحلتين مختلفتين،‮ ‬وان كانت الأولى تكملة للمرحلة الثانية،‮ ‬فهما حلقتان في‮ ‬سلسلة عمل واحد،‮غير أن المرحلة الأولى بدت ظروفها ومكوناتها وطريقة عملها مختلفة بسبب ان منظمة حقوق الإنسان ولدت في‮ ‬الخارج قبل مرحلة الانفتاح وتولي‮ ‬الملك سدة الحكم وإعلانه عن مشروعه الإصلاحي‮. ‬لهذا بدت العملية مختلفة من جوانب عدة،‮ ‬ولكن المنخرطين في‮ ‬الآلية لم‮ ‬يكتشفوا أنهم ما زالوا أسرى العملية السياسية الحزبية السابقة،‮ ‬وبأنهم مرتهنون لعواطف سياسية مشحونة بالماضي‮ ‬المتوتر،‮ ‬أكثر من رؤية جديدة تتطلبها المرحلة الثانية بمكوناتها الجديدة ومعطياتها المختلفة،‮ ‬والتي‮ ‬كانت بحاجة إلى معالجة مختلفة بالرغم من صعوبتها ومخالبها ومزالقها وشعابها الصعبة‮. ‬
ربما المرحلة الأولى كانت أسهل بكثير لدى معارضة تحمل مشروع العداء لسلطة تضطهدها وتحاربها،‮ ‬وان كانت فاقدة للشرعية من بعض الجوانب،‮ ‬إذ لم تكن المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان تقبل في‮ ‬عضويتها بكل سهولة منظمات لحقوق الإنسان تعيش خارج بلدها،‮ ‬ولكن‮ ‬يبدو أن التنازل النسبي‮ ‬للمنظمات الدولية وتواطؤها جعلها تقبل بتجاوز أطرها الداخلية،‮ ‬فوجدت نفسها في‮ ‬مأزق كيف بالإمكان تأسيس منظمات حقوقية في‮ ‬بلدان استبدادية،‮ ‬ترفض بالمطلق قبول هذا النوع من المنظمات؟‮ ‬
وتجاوزًا للظروف انخرطت التنظيمات السياسية مع دول لديها اوراق خاصة واجندة خفية ومن جانب آخر تحويل المشروع العالمي‮ ‬المتعلق بحقوق الانسان الذي‮ ‬احتل صدارة الأنشطة بشكل واضح بعد انهيار في‮ ‬المعسكر الاشتراكي،‮ ‬وتم الإعلان عن تفعيل مسألة حقوق الإنسان كيافطة أساسية وفي‮ ‬المعسكر المنهار وفي‮ ‬الدول والمنظمات الدولية،‮ ‬بل وانتعش بعض من أنشطة الأمم المتحدة في‮ ‬هذا الجانب إلى درجة شكلت فيها لجان حيوية من جديد إلى جانب عملها السياسي،‮ ‬بل وتداخل إلى حد وجدت فيها المنظمات السياسية أكثر استغراقا في‮ ‬هذا النوع من العمل،‮ ‬لكونه صار أكثر قبولا وحضورا في‮ ‬المحافل الدولية،‮ ‬بل وصارت المنظمات والدول تتعاطف مع هذا النوع من المنظمات والأنشطة،‮ ‬كونها اكثر قبولا وبالإمكان توظيفها من جانبين،‮ ‬الأول استخدامها في‮ ‬الضغط على دول بدأت تخرج من طاعة الدول الغربية،‮ ‬ففتحت لها نوافذ،‮ ‬وروجت لأصوات لم تكن تعبر عن تنظيمات سياسية ولا اتجاهات فكرية،‮ ‬بقدر ما كانت عناصر مثقفة لديها أجندتها الخاصة مع دولها،‮ ‬فكانت الدول الغربية حضنا دافئا لها باسم حقوق الإنسان‮. ‬
هذه الظاهرة وجدناها منتعشة حتى لدى الأحزاب الوطنية والتقدمية واليسارية،‮ ‬على الرغم من كونها سابقا تشك في‮ ‬طبيعة منظمات من هذا القبيل كمنظمة العفو الدولية وتصنيفها في‮ ‬خانة الجاسوسية والتضليل والخداع،‮ ‬فكانت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في‮ ‬مقدمة تلك الدول مهتمة بالجانب الإعلامي‮ ‬والسياسي،‮ ‬بينما اهتمت الدول الاسكندينافية وغيرها من الدول الغربية بتقديم كل التسهيلات القانونية والحقوقية للاجئين السياسيين القادمين من دول استبدادية وحروب طاحنة،‮ ‬فلم نجد هناك عناصر وأصواتا تلعلع إعلاميا،‮ ‬لكونها تدرك ان ذلك الباب مغلقا ولا‮ ‬يجوز إدخال الدول والمصالح في‮ ‬مسائل معقدة تضر بالطرفين‮ . ‬بينما واصلت الدول الاستعمارية لعبتها،‮ ‬مستخدمة ورقة حقوق الإنسان في‮ ‬مجالات متعددة بدت‮ ‬غريبة الملامح‮.‬
‮ ‬وقد برعت بريطانيا تاريخيا في‮ ‬تحريك المياه في‮ ‬الاتجاه الذي‮ ‬تراه‮ ‬يناسبها حتى لحظة تفجير مترو لندن،‮ ‬فكان عليها أن تغلق منافذ هؤلاء،‮ ‬الذين منحتهم اللجوء والتسهيلات السياسية والإعلامية،‮ ‬فبرعوا في‮ ‬ترويج خطاب جديد اسمه حقوق الإنسان في‮ ‬دولهم،‮ ‬بينما صمتوا صمتا معيبا حول حقوق الإنسان في‮ ‬دول صديقة لهم،‮ ‬يرونها ممولا ماليا في‮ ‬حركتهم السياسية والإعلامية،‮ ‬فأصبحوا فاقدين للمصداقية لكونهم‮ ‬يحملون أقنعة مزدوجة،‮ ‬فلم‮ ‬يكتشفوا أو تعمدوا أن‮ ‬يروا عملة حقوق الإنسان من وجه واحد لا‮ ‬غير،‮ ‬فكان الوجه السياسي‮ ‬وحده هو الأكثر طغيانا،‮ ‬ومن‮ ‬يقيد عجلته هم ساسة معارضون سابقا وما زال‮ ‬غالبيتهم كذلك،‮ ‬والبقية حاولت تحرير نفسها من الانحياز الأعمى لمنظمة من صلب طبيعتها الموضوعية والحياد والدقة في‮ ‬استقاء المعلومات من الأطراف المتنازعة أو التي‮ ‬وقع بها الانتهاك والتعدي‮ ‬أو التمييز والاضطهاد‮.
 
صحيفة الايام
17 ابريل 2008