المنشور

الإخوان في‮ ‬البحرين وتاريخ بلا ذاكرة وطنية‮ (٢-٢)‬

اختفت نعامة الإخوان في‮ ‬زمن انتفاضة الهيئة،‮ ‬ولكن كما‮ ‬يقال بدت بهذا القدر أو ذاك معروفة الأسماء والوجوه،‮ ‬وأغلبهم تمركزوا في‮ ‬مدينة المحرق،‮ ‬ولولا ذلك المنشور السيئ الصيت الذي‮ ‬أشار إليه عبدالرحمن الباكر في‮ ‬كتابه،‮ ‬لما عرفنا لا ظهر النعامة ولا ذيلها ولا حتى أقدامها،‮ ‬التي‮ ‬سنتابع خطواتها البطيئة،‮ ‬إذ بين الانتفاضتين ‮٦٥ – ٥٦ ‬بالقياس الزمني‮ ‬ليست طويلة فهي‮ ‬تسع سنوات،‮ ‬فماذا عمل الإخوان في‮ ‬تلك السنوات العجاف من تاريخها؟ وكيف عكست وتفاعلت جماهير البحرين مع أحداث عربية بعد العدوان الثلاثي‮ ‬على مصر؟
‮ ‬فقد مرت على البحرين قضايا عربية لم‮ ‬يكن‮ “‬الإخوان‮” ‬حتى مشارك في‮ ‬الإدانة لتلك الأحداث أو مؤيد لبعضها أو مستنكر،‮ ‬فقد جاءت الانقلابات ضد الملكية في‮ ‬العراق عام ‮٨٥٩١ ‬فلم نرَ‮ ‬منشوراً‮ ‬واحداً‮ ‬يؤيد تلك القضية وخلاص الشعب العراقي،‮ ‬ثم دخول العراق مطحنة بين قواها السياسية؛ فلم تعبر عن رأيها وموقفها في‮ ‬محنة الشعب وتنديدا للساحات الدموية؛ فاختار إخوان البحرين الصمت المطبق،‮ ‬فقد كانوا‮ ‬يرون الابتعاد عن المواقف الواضحة والشجاعة خارجيا‮ ‬يساعدهم على مغازلة ومهادنة الانجليز في‮ ‬الداخل؛ فالصراع الرئيسي‮ ‬في‮ ‬العراق كان مبدئيا ضد خروج الانجليز من البلاد وتحريرها من السيطرة‮. ‬
تلك التوجهات المهادنة بدت واضحة في‮ ‬الداخل بهدف الاحتماء بظلال الأنظمة والابتعاد عن تعرضهم للضربات الأمنية الاستعمارية،‮ ‬وذلك ليس تعبيرا عن تكتيك مرحلي‮ ‬ولا نظرة بعيدة للمستقبل،‮ ‬وإنما قناع الإخوان في‮ ‬البحرين في‮ ‬تلك الحقبة عاش مخاوف الناصرية حتى في‮ ‬شوارع المحرق والمنامة،‮ ‬خوفا من‮ ‬غضب الناس عليهم،‮ ‬ما قد‮ ‬يزيد في‮ ‬عزلتهم ويسحب عنهم كل المساحات المتبقية من العمل الجماهيري،‮ ‬مفضلين الانكفاء الحذر في‮ ‬عمل حلقي‮ ‬ضيق النطاق‮. ‬والأكثر من هذا وذاك أنهم مع فترة أعوام ‮٠٦٩١-٤٦٩١ ‬أي‮ ‬قبل الانتفاضة لم نرهم‮ ‬يبدون أي‮ ‬تعبير مخالف إلى تظاهرات الوحدة،‮ ‬رغم أنها تعبير عن اتجاه‮ ‬يمثل تيارات قومية كإعلانات الوحدة الثنائية بين مصر وسوريا وإعلان الوحدة الثلاثية بين العراق وسوريا ومصر،‮ ‬وكأنما تنظيم الإخوان جثة ميتة في‮ ‬البحرين،‮ ‬في‮ ‬زمن كان فيه الشارع السياسي‮ ‬يغني‮ ‬فرحا ويعود للحزن عندما تصاب تلك الوحدة بالانكسار والتراجع‮.‬
‮ ‬فكيف‮ ‬يصمت تنظيم سياسي‮ ‬يدعي‮ ‬الحضور التاريخي‮ ‬طوال هذه الفترة،‮ ‬وفي‮ ‬ذات الوقت لا‮ ‬يكشف عن شجاعة معارضة عن أحداث لا‮ ‬يتفق معها ويراها مخالفة لتوجهاته،‮ ‬فهل تواصلت مهادنة الإخوان في‮ ‬البحرين مع النظام القائم،‮ ‬بهدف الابتعاد عن الضربات التي‮ ‬شهدها أمام عينه تحدث دائما للتنظيمات الوطنية الثلاثة،‮ ‬كالبعث وحركة القوميين العرب وجبهة التحرير،‮ ‬وإذا لم‮ ‬يكن مهادنا لسطوة الانجليز في‮ ‬زمن التحرر الوطني؛ فانه بالتأكيد ظل‮ ‬يشعر بسطوة الشارع السياسي‮ ‬ضده،‮ ‬والذي‮ ‬كانت روحه الناصرية عميقة،‮ ‬ولن‮ ‬يقبل أي‮ ‬اعتراض على الناصرية والاتجاهات القومية المؤيدة له،‮ ‬بل ولم‮ ‬يتحلَ‮ ‬الإخوان بشجاعة البعث الذين ابدوا نقدهم للتجربة الوحدوية وعبروا عن رأيهم في‮ ‬عبدالناصر فدفعوا ثمنا لغضب الشارع ضدهم،‮ ‬ولكنهم في‮ ‬النهاية قالوا كلمتهم التنظيمية‮. ‬والغريب أن تجربة استقلال الجزائر وثورتها المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي،‮ ‬لم تكن محصورة على تنظيم محدد،‮ ‬فقال الجميع كلمته وخرج‮ ‬يعلن تضامنه في‮ ‬الشارع،‮ ‬فلم نجد حلقة طلابية صغيرة من الإخوان تعبر عن موقفها وفرحتها بذلك الاستقلال،‮ ‬على الرغم من تنوع المواقف لتلك الثورة،‮ ‬التي‮ ‬بدت متحالفة ومدعومة من عبدالناصر‮. ‬فهل بالإمكان تخيل تنظيم وطني‮ ‬لا‮ ‬يفصل بين الناصرية والثورة الجزائرية المناهضة للاستعمار‮. ‬
يتماثل الموقف إزاء الثورة اليمنية لقيادة عبدالله السلال لانقلابه ضد الملكية،‮ ‬فلم‮ ‬يفرح إخوان البحرين في‮ ‬مجالسهم ورموزهم،‮ ‬حتى دون إصدار منشور واحد‮ ‬يقول كلمته،‮ ‬والقضية بدت واضحة في‮ ‬الابتعاد عن نقد الملكية كما هو الابتعاد عن نقد الانجليز،‮ ‬فمن الأفضل الابتعاد بجسم التنظيم الجنيني‮ ‬عن سجون السلطة‮. ‬وبقدر ما نفهم التسع سنوات العجاف،‮ ‬ومحنة شعبنا في‮ ‬آخر انتفاضة له قبل الاستقلال الوطني،‮ ‬هب الشارع البحريني‮ ‬والعربي‮ ‬برمته لهزيمة حزيران عام ‮٧٦٩١‬،‮ ‬ولكنهم‮ – ‬الإخوان‮ – ‬لم‮ ‬يفصلوا بين العدو الإسرائيلي‮ ‬كقضية مصيرية وقومية،‮ ‬وعدائهم التاريخي‮ ‬الثابت لعبدالناصر،‮ ‬وهذا ما كان‮ ‬يميز الشيوعيين العرب والمصريين،‮ ‬فهم كانوا‮ ‬يفصلون بين المسألتين،‮ ‬وحتى حلفاء عبدالناصر من التنظيمات القومية مارسوا نقدهم علانية رغم حزن هزيمة حزيران،‮ ‬بينما إخوان البحرين وجدوا في‮ ‬هزيمة عبدالناصر لذة لعذاباتهم الحزبية،‮ ‬متناسين قدر وعذابات الأمة‮.‬
‮ ‬ونراهم اليوم كيف‮ ‬يزجون بالمسألة الفلسطينية من وجهة نظر دينية،‮ ‬أكثر من بعدها التاريخي‮ ‬العربي‮ ‬كصراع لحركة التحرر الوطني‮ ‬في‮ ‬المنطقة‮. ‬وفي‮ ‬العام الثاني‮ ‬من ذكرى هزيمة حزيران‮ (٨٦٩١) ‬استعاد شعب البحرين حيويته ومعاناته،‮ ‬فخرج‮ ‬يعبر عن تلك الهزيمة،‮ ‬ويهتف في‮ ‬اتجاه النهوض،‮ ‬معتبرا تلك الهزيمة كبوة للفارس والأمة،‮ ‬وبالمثل صام صوما ابديا إخوان البحرين عن قول كلمتهم النقدية،‮ ‬سواء مع الهزيمة أو ضدها أو أي‮ ‬تعبير مؤيد أو‮ ‬يستنكر‮. ‬ثم نفهم فرحهم العميق بعد سنوات على موت عبدالناصر في‮ ‬وقت كان الشارع حزينا،‮ ‬ولكنهم لم‮ ‬يقولوا كلمتهم في‮ ‬المسيرة العمالية عام ‮٢٧٩١ ‬ببيان واحد ولا حتى كلمة فصل عن استعداد البحرين للاستفتاء بعروبة البحرين،‮ ‬ثم الاستعداد للمجلسين التشريعي‮ ‬والنيابي،‮ ‬فصمتوا كـ‮ “‬أبو الهول‮”‬،‮ ‬إذ بدا الاستقلال الوطني‮ ‬وكأنه لا‮ ‬يعنيهم،‮ ‬وهذا ما لمسه الشارع السياسي‮ ‬في‮ ‬سنوات المجلس الوطني‮ ‬وفي‮ ‬تجربته الجريئة حتى آخر لحظة،‮ ‬ضد مرسوم أمن الدولة المكبل‮. ‬فهل نحن بحاجة لاستعراض أكثر لذلك التنظيم،‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يستنكر الوضع الاستبدادي‮ ‬والقمع،‮ ‬وإنما وجد فرصته كتنظيم انتهازي‮ ‬في‮ ‬التغلغل بين الناس بنهج العطاءات والأعمال الخيرية،‮ ‬وزار دول وأثرياء لكي‮ ‬ينسج اخطبوط تنظيمه في‮ ‬البحرين في‮ ‬زمن نهوض الموجة الإسلامية في‮ ‬أفغانستان،‮ ‬حيث فتحت لهم الأبواب على مصراعيها إلى أن حانت الفرصة الأخيرة في‮ ‬مجلسنا الوطني‮ ‬مع مشروع الإصلاح،‮ ‬الذي‮ ‬جاء به الملك‮. ‬
وطالما لسنا هنا معنيين بالنسيج الداخلي‮ ‬لتنظيم الإخوان وغيره من تنظيمات متشددة،‮ ‬فان ما نراه اليوم ليس إلا نتاج لتراكم تاريخي،‮ ‬حيث دخل الإخوان في‮ ‬البحرين والخليج من بوابته الواسعة،‮ ‬فقد هرب إخوتهم من مصر وسوريا والأردن وفلسطين إلى أوروبا والخليج،‮ ‬فأسسوا كوادر وتنظيماً‮ ‬أكثر حبكة وتكتيكا من تنظيم البحرين التقليدي‮. ‬فهل‮ ‬يحاول مجموعة الباحثين لي‮ ‬عنق التاريخ عنوة،‮ ‬لكي‮ ‬يضيفوا ولو مسحة تاريخية على وطنية تنظيم لم‮ ‬يفتح فمه،‮ ‬بكلمة مسموعة أو مقروءة عن موقف معاد للاستعمار،‮ ‬ومناشدا بالتحرر من كل أشكال القهر والتبعية‮. ‬ذاكرتنا الوطنية واضحة كالشمس،‮ ‬فلماذا نضع أيدينا لإخفاء الحقيقة؟‮! ‬

صحيفة الايام
15 ابريل 2008