المنشور

سِحرُ سَمرٍ قادمٌ من قلبِ الصحراء

ملحمة المسيرة الإنسانية غنية بانجازاتها وتعاريجها لدى انتقالها من مرحلة إلى أخرى في مختلف المجتمعات، حيث لعب قطبا الإنسان، الرجل والمرأة – يداً بيد – دوراً مشتركاً في تلك الصيرورة التاريخية. ولعل دور المرأة النوعي في تطور التاريخ عادة ما يجري التقليل من شأنها وأهميتها، بسبب سيادة الثقافة التقليدية الذكورية المنحازة والاقصائية.. ولكن لا يلبث إلا أن نشهد ونشير بالبنان لدور النساء في سجل التقدم الإنساني ومن هنا قال الأولون؛ ‘وراء كل رجل عظيم امرأة’ والمقصود هنا بالطبع؛ ‘.. امرأة عظيمة’! ‘سمر المقرن’ أنموذج للمرأة السعودية المثقفة.. صحافية وكاتبة شابة مليئة بالأمل، أشبه بشهاب ساطع يشع في سماء الرياض. بدوية تعرف ظمأ الصحراء الأبديّ للحرية. واثقة من نفسها، جسورة مقدامة، مدركة باقتدار عِبء وِزْر رسالتها المزدوجة المتداخلة؛ ‘الإبداع والالتزام’ أي الالتصاق بالمقاييس الفنية والجمالية الصارمة لشروط الإبداع والالتزام بقضية رسالية/ اجتماعية وإنسانية كبرى لعل على رأسها قضية المرأة السعودية بمعنى فهمها البيّن لرسالة الفن ذي الشقين – لا انفصال بينهما- من دون السقوط في مطب مفهوم الحداثيّين المختزل في المتعة الخالصة للفن. وهي على دراية تامة للمصاعب التي تنتظرها ليس فقط على الصعيد الاجتماعي بل الفني أيضا.. حُورِبت من قِبَل مشايخ الجهل ونقاد طواحين الهواء، معتبرين باكورة روايتها سطحية ‘فنيا’ ومبتذلة ‘أخلاقيا’، مُنعت من التداول في السعودية الأمر الذي أدى إلى نتيجة عكسية (الممنوع مرغوب). فقد انتشرت روايتها الجريئة ‘نساء المنكر’ منذ تدشينها، ابتداء في معرض بيروت للكتاب في ديسمبر/ كانون الثاني 2007 ثم بيعت تباعا بكميات كبيرة في معرض المنامة/ البحرين للكتاب في الشهر الماضي، مما حدا بها للإعداد للطبعة الثانية في زمن قياسي.. وهي الآن منهمكة في كتابة رواية ثانية. سمر واحدة من آلاف النساء في السعودية اللآتي يدركن استحالة نهضة بلدهن من دون مشاركة النساء – جنبا إلى جنب الرجل – وضرورة نهوضهن من سبات القرون، كما قال أحد العظماء يوما من أن مقياس التقدم والحرية في أي مجتمع هو تقدم وحرية نسائه أولا، بدت متزنة في المقابلة التي أجرتها معها فضائية الوطن الكويتية، مساء الاثنين الماضي، على مختلف الصُّعُد بمشاركة واقعية اتسمت بالاعتدال ورجاحة العقل في أفكارها ومظهرها المحتشم والأخّاذ وطريقة عرضها في تداولها للأمور، بهدوء وتواضع، بعيدا عن الخيلاء رغم جمالها الآسر. عندما سُئلت عن مدى انعكاس السيرة الذاتية في روايتها بيّنت أن الشخصيات مركبة، مجلوبة من شخوص المسجونات في سجن النساء، ولو أن ‘روحها’ موجودة في الكتاب، حيث أفادت أن هاجسها الأول للكتابة عن تجربتها كان بسبب التأزم النفسي من جراء ما رأته من أهوال النساء في بلدها، في أول زيارة لها لتلك السجون، التي تعتبر من الأمور المجهولة حتى للمواطن السعودي، حيث تُسحل وتُضرب النساء من قِبَل هيئة الأمر بالمعروف، الأمر الذي حدا بالحكومة السعودية في الفترة الأخيرة إلى الحد من انفلات الهيئة المذكورة. كتبت القصة القصيرة في سن المراهقة الأولى ونشرتها في المجلات الكثيرة ولم تنشرها في دفتيّ كتاب كونها صارمة مع نفسها فيما يتعلق بالمستوى الفني لتلك القصص التي تعدها تجارب أولية. وفي معرض إجابتها على السؤال المتعلق بالثمن الذي قد تدفعه ضريبة لاقتحامها منطقة محظورة في مجابهة عتاة ‘الهيئة’.. قلّلت من قوة وهيمنة تلك الهيئة، التي لا تساير التطور المطرد للمجتمع السعودي وان نشاطهم عبارة عن أصوات نشاز يجري نفخها من قبل وسائل الإعلام وغيرها. أما فيما يتعلق بمستقبل الرواية السعودية، فقد أصابت ‘سمر المقرن’ كبد الحقيقة عندما أكدت أن تطور الفن الروائي السعودي في حاجة ماسة إلى حركة نقدية رديفة. لست بوارد التقييم النقدي لروايتها القصيرة ‘النوفيليتا’، التي نحن بصددها، في هذه العجالة ولكن من السهولة لقارئ الرواية أن يلاحظ احتواءها على مختلف عناصر الفن الروائي، خصوصاً عنصري الجذب والحبكة، وتمكن الروائية من أدواتها الفنية وان كانت تعوزها الخبرة الحياتية العريضة بجانب عناصر نقصٍ، موجودة – على أية حال- حتى عند أفضل الروائيين السعوديين وذلك لكون الفن الروائي جديدا على الأدب السعودي. ولكن يبدو أن هذا الفن بالذات سيتطور، وتنبثق من التراكم الكمي الحالي رواية نوعية سعودية في السنوات المقبلة، وسيكون بمقدور المرأة السعودية أن تلعب الدور المتميز لهذا الفن وبالذات ‘النوفيليتا’ الشحيحة أساساً في الأدب العربي وذلك لأسباب موضوعية وذاتية نفصّلها في وقت ومجال آخرين.

صحيفة الوقت
13 ابريل 2008