المنشور

في‮ ‬التفريق بين النضال والتخريب

مثل أشياء كثيرة في‮ ‬هذا الوطن،‮ ‬حيث تلتبس المفاهيم وتتداخل،‮ ‬وتروج سوق المزايدة في‮ ‬الشعارات والادعاءات،‮ ‬التبس أيضاً‮ ‬مفهوم النضال والتضحية بمفهوم التخريب والاعتداء على الممتلكات العامة،‮ ‬حتى بلغنا المرحلة التي‮ ‬أصبح زهق الأرواح بالنسبة للبعض عملا نضالياً‮.‬ جريمة قتل الشرطي‮ ‬في‮ ‬كرزكان هي‮ ‬ثمرة من ثمرات هذا الالتباس،‮ ‬الذي‮ ‬أسس لثقافة خاطئة،‮ ‬لا بل ومدمرة،‮ ‬يجري‮ ‬ترويجها في‮ ‬صفوف الشباب المحبط والمتذمر،‮ ‬الذي‮ ‬تجير طاقاته في‮ ‬مجارٍ‮ ‬غير صحيحة،‮ ‬من خلال ترويج المقولات التي‮ ‬تقدس العنف،‮ ‬وترى في‮ ‬العمل الفوضوي‮ ‬بديلاً‮ ‬للتنظيم الذي‮ ‬يؤسس للعمل السياسي‮ ‬الحزبي‮ ‬الجدي،‮ ‬بما‮ ‬يتطلبه من بناء للمنظمات الجماهيرية والنقابية،‮ ‬ولمؤسسات المجتمع المدني،‮ ‬وإشاعة ثقافة التعددية والروح الوطنية المشتركة،‮ ‬والعمل التراكمي‮ ‬المدروس الذي‮ ‬لا‮ ‬يستعجل المراحل أو‮ ‬يحرقها‮. ‬ وما عانت منه الحركات الثورية والنضالية في‮ ‬بلدان كثيرة‮ ‬يتكرر لدينا للأسف وبحذافيره،‮ ‬حيث لا‮ ‬يؤدي‮ ‬هذا النهج الطفولي‮ ‬في‮ ‬العمل السياسي‮ ‬إلا إلى إلحاق أشد الأضرار بمجمل العملية السياسية في‮ ‬البلد،‮ ‬ويعرض ما تحقق من مقادير من الحريات السياسية والعامة إلى خطر الاحتواء والمصادرة،‮ ‬والنكوص عن الايجابيات التي‮ ‬بلغناها بعد نضال طويل وتضحيات مؤلمة قدمتها أجيال من البحرينيين،‮ ‬نساءً‮ ‬ورجالاً‮.‬ وعلى خلفية هذا النهج تأخذ المزايدة السياسية شكل تخوين كل من‮ ‬يرفض أساليب الغوغاء والفوضى والتخريب،‮ ‬ويدعو إلى العمل السياسي‮ ‬المعارض والمسؤول،‮ ‬ويمارسه بجدية ومثابرة انطلاقاً‮ ‬من الخبرة السياسية المتراكمة في‮ ‬البلد،‮ ‬ومن توجهات العقلانية المبدئية التي‮ ‬تجمع بين مرونة الشكل وصلابة الجوهر،‮ ‬بديلاً‮ ‬للخطابة اللفظية التي‮ ‬تتزيا بالجمل الثورية،‮ ‬فيما هي‮ ‬في‮ ‬جوهرها لا تكشف إلا عن الخواء‮.‬ ما حدث في‮ ‬كرزكان،‮ ‬وبصرف النظر عن أبعاده وعن من‮ ‬يقف وراءه،‮ ‬يكشف بوضوح عن المآلات التي‮ ‬يمكن أن تؤول إليها أمورنا بسبب هذا النهج،‮ ‬وبسبب تساهل القوى المختلفة في‮ ‬المجتمع وفي‮ ‬الحركة السياسية في‮ ‬اتخاذ موقف واضح من شأنه أن‮ ‬يفرق بين شروط العمل النضالي‮ ‬ومقتضياته وبين نهج التخريب والعنف واستسهال التطاول على الممتلكات العامة،‮ ‬وأخيراً‮ ‬زهق أرواح البشر في‮ ‬سلوكٍ‮ ‬منبوذ ترفضه كل نفسٍ‮ ‬سوية‮. ‬ سنظل نلح في‮ ‬مطالبتنا لأجهزة الدولة المختلفة،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتها السلطات الأمنية،‮ ‬أن تتعاطى ببصيرة وبُعد نظر مع تداعيات ما جرى،‮ ‬وأن‮ ‬يظل ماثلاً‮ ‬أمام الأعين أن سبيل معالجة تعقيدات وقضايا البلد هو بالاستمرار في‮ ‬عملية الإصلاح وتوسيع الحريات العامة وتطوير البنية الدستورية والتشريعية في‮ ‬هذا الاتجاه،‮ ‬والعمل على حشد رأي‮ ‬عام رافض لها،‮ ‬لأن مخاطرها تمس المجتمع قبل أن تمس الدولة وهيبتها‮.‬
 
صحيفة الايام
13 ابريل 2008