المنشور

الإخوان في‮ ‬البحرين وتاريخ بلا ذاكرة وطنية‮ ‬‭(‬2-1‭)‬

لا‮ ‬يستطيع أي‮ ‬مؤرخ متعاطف مع الإخوان في‮ ‬الفرع البحريني‮ ‬أن‮ ‬يلبسه من جوانبه التاريخية معطفا وطنيا وسياسيا عنوة في‮ ‬زمن الهبات الصغيرة وفي‮ ‬المنعطفات الساخنة الكبرى التي‮ ‬عصفت بالوطن كله ونهض الشعب برمته في‮ ‬مواجهة الانكليز من اجل التحرر والاستقلال، ‬وكانت مرحلة الهيئة الأكثر نهوضا وبروزا لوحدة شعبنا في‮ ‬كل جغرافيته السياسية والوطنية،‮ ‬كما إن الوطنية هنا ليست مصطلحا لجواز سفر بفيزا متعددة السفرات،‮ ‬وإنما مفهوم الوطنية باعتبارها مصطلحا سياسيا مرهونا بمناهضة الأجنبي‮ ‬في‮ ‬الحقبة الاستعمارية،‮ ‬وهي‮ ‬مرحلة تاريخية مضت ولن تعود ولا‮ ‬يمكن الاستعاضة عنها بمفردات الكذب والادعاء،‮ ‬فقد تمت خاتمتها واقفل سجلها التاريخي‮ ‬نهائيا‮. ‬فأين كان موقع الإخوان حينذاك في‮ ‬المعادلة السياسية؟ هل نضعهم في‮ ‬خانة التنظيم المصلحي‮ ‬والانتهازي‮ ‬يومذاك؟ أم تهمة أقسى تقع في‮ ‬خانة العمالة والتخاذل؟ أم اقل حدة هو المهادنة السياسية وتجنب ضربات الاستعمار البوليسية حيث لم‮ ‬يكن قادة التنظيم على استعداد لتقبلها إما تكتيكا أو خوفا وتراجعا؟‮ ‬كل الاحتمالات ممكنة ولكن ما هو واقع تحت أيدينا من معطيات شحيحة عن دورهم لا‮ ‬يتعدى إيماءات هنا وهناك تشير اغلبها لدورهم المناهض لحركة الهيئة وإشارة الباكر إلى منشورهم سيئ الصيت الذي‮ ‬لم‮ ‬يهتم الباكر بنشر نسخة منه لكي‮ ‬يتسنى للباحثين تفحص محتواه السياسي‮ ‬بدقة‮. تبقى مسألة التجربة الملموسة للحياة السياسية اليومية لمرحلة الهيئة والتي‮ ‬امتدت لسنتين،‮ ‬والتي‮ ‬لم تفرز موقفا وطنيا واحدا حتى وهم بمعزل عن حركة الهيئة كتنظيم معاد للمواقف القومية،‮ ‬فعلى الأقل كان بإمكانهم القيام بسلوك ومواقف موازية في‮ ‬الشارع السياسي‮ ‬يدلل على مناهضتهم للانكليز باعتباره نهجا وطنيا بحتا كما ترجمتها مواقف حديثة التكوين في‮ ‬تنظيمات ناشئة كجبهة التحرير التي‮ ‬أطلت برأسها من خلال التظاهرات والتعبيرات العمالية الواضحة بل وحتى صوت نادي‮ ‬العروبة بنفسه الفكري‮ ‬بنفحة بعثية كان حاضرا في‮ ‬فضاء زمن الهيئة كتيار كان‮ ‬يبلور مواقفه ضمن تجمعاته الحلقية الحذرة بينما لم تتضح ملامح الإخوان إلا بأقنعة معادية وليس العكس‮.‬ ‬فقد وجد إخوان البحرين أنفسهم‮ ‬يصطفون مع إخوان مصر ضد الحركة القومية العربية في‮ ‬البحرين بربطهم الميكانيكي‮ ‬بين حركة الهيئة في‮ ‬تربة بحرينية لها خصوصيتها،‮ ‬وثورة عبدالناصر وهي‮ ‬في‮ ‬أوج صراعها مع الإخوان‮. ‬هذه العدائية وجدت نفسها مترجمة في‮ ‬حدين الأول بعزل نفسها عن شارع سياسي‮ ‬منشغل بالتحرر الوطني،‮ ‬والحد الثاني‮ ‬تحديد موقف عدائي‮ ‬لقيادة وطنية عبرت عن نفسها مؤيدة لتيار عبدالناصر وثورته؛ فكانت بالنتيجة اصطفاف إخوان البحرين بطريقة واعية أو‮ ‬غير واعية مع خانة الاستعمار القابع على رقاب شعبنا‮. ‬وخشية من تيار جارف‮ ‬يومها أن‮ ‬يدمرها في‮ ‬وقت تزايد فيها سخط الشعور القومي‮ ‬على إخوان مصر نتيجة مشاعر الكراهية التي‮ ‬اتخذها الإخوان إزاء ثورة عبدالناصر،‮ ‬ودخول محبوبهم عبدالناصر في‮ ‬حرب شعواء ضدهم‮. ‬فماذا كان على الإخوان في‮ ‬البحرين فعله وهم تيار صغير ومحدود في‮ ‬الشارع السياسي؟ ‬يبدو أن الخيارين‮ ‬يناسبهم الاحتماء بمظلتين وقناعين قناع التقية والاختفاء عن إبراز هوية واضحة،‮ ‬بل وبالإمكان أن تكون هوية ناصرية أيضا في‮ ‬فضاء حماس ناصري‮ ‬وقومي‮ ‬واسع عام‮. ‬أما القناع والمظلة الأخرى هو الاحتماء بالانكليز الذين كانوا‮ ‬يؤسسون في‮ ‬كل مناطق نفوذهم ومستعمراتهم قوى وتنظيمات جماهيرية تستخدمها كأذرع في‮ ‬الأساس لمواجهة التنظيمات الشيوعية الفتية التي‮ ‬برزت بعد الثورة البلشفية والتنظيمات القومية المناهضة للاستعمار التي‮ ‬بدأت نواتها تظهر بعد الحرب العالمية الأولى وتنمو وتتبلور بعد الحرب الثانية‮.‬ ‬أما في‮ ‬الإضرابات والتظاهرات التي‮ ‬شهدتها البحرين فيما بين عامي 1938-1948 فان ملامحهم لم تكن بارزة أو ذات حضور فإذا ما كانت تظاهرات عام ‮٨٤٩١ ‬الاحتجاجية ضد قيام إسرائيل وتقسيم فلسطين لم تشهد هويتهم فان حرق بيوت اليهود في‮ ‬تلك اللحظة ربما فعل اقرب لعمل الاستخبارات البريطانية التي‮ ‬تقاسمت مع الوكالات اليهودية ليس التسهيلات في‮ ‬التدريب والاعتراف الرسمي‮ ‬ووعد بلفور وحسب،‮ ‬بل وأكدت وثائق شبيهة ونهج مماثل في‮ ‬الحرق لمحلات وأماكن اليهود في‮ ‬مصر والعراق والبحرين على أنها مشروع لدفع اليهود بالرحيل خوفا من التصفية الجسدية في‮ ‬وقت كانت الوكالة اليهودية تسعى لنقل‮ ‬يهود العالم للدولة العبرية الجديدة‮. ‬دون شك تندفع جموع من الغوغاء والبسطاء المسكونين بعاطفة التعاطف مع الفلسطينيين،‮ ‬إن من حملوا الثقاب الأول للحريق قدموا أيضا براميل الاشتعال؛ فدائما المخططون قادرون على انجاز مشروعهم بحنكة‮.  ‬في‮ ‬كل تلك المحطات التاريخية لم‮ ‬يكن للإخوان حضور‮ ‬يستحق الإشادة فلماذا نتعجب اليوم من سلوكيات داخلية ظلت حتى فترة الحياة النيابية الأولى عام ‮٣٧٩١ ‬ميتة بامتياز ومنشغلة بأجندتها الخاصة،‮ ‬وبكل أنواع الأجندات الممكنة إلا أجندة النضال الوطني‮ ‬فقد كانت‮ ‬غائبة من قاموسها السياسي‮. ‬نستكمل حلقتنا الثانية فيما بعد حركة الهيئة‮.‬
 
صحيفة الايام
13 ابريل 2008