المنشور

الخروج من المطب




قبل ألف سنة أطلق المتنبي إحدى حكمه:

وليس يصحُّ في الأفهام شيءٌ

إذا احتاج النهارُ إلى دليل!


ولكنّنا في البحرين المبتلاة بأعراض وأمراض الطائفية، نحتاج إلى ألف دليل ودليل! فهناك من يمعن في التنظير للتمييز الطائفي وتبرير هذه الجريمة التي تصطدم بالشرع والدستور والقوانين المحلية والمواثيق والعهود الدولية.

بعض كتاب “الموالاة”، لم يجد غير لوك عبارة “المظلوميّة”، مع أن المظلوميّة ليس اختراعاً من فراغ، وإنما نتاج سياسات السيف والإرهاب. وما يقوم به طابور كتبة الموالاة هو تزييف الوعي العام، على طريقة “لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون”.

هذا الوطن المريض، المبتلى بطوابير المتسلّقين والمتسلّقات… ليس بحاجةٍ إلى تبريرات وتنظيرات تغطي على السوءة المكشوفة، وإنما لوقفةٍ تاريخيّةٍ تصحّح المسار الذي سيأخذنا إلى المحرقة.

التبرير قد يكحّل العميان، لكنه لن يخدم البلد ولا النّظام السياسيّ، ففي الوقت الذي تستعد وزارة الخارجية للذهاب إلى جنيف لكشف حسابها في مجال حقوق الإنسان، لن تنفع مثل هذه الكتابات الداجنة.

مؤتمر الحوار الوطني الذي ضمّ خمسمائة شخصية من مختلف المشارب والتلاوين، أطلق صيحة جزع علّها تُوقظ النيام. هناك جريمةٌ ترتكب بحقّ الوطن، مرتكبها والساكت والمدافع عنها شركاء ثلاثة، وهي جريمة “التمييز”.

لم تكن هناك حاجةٌ إلى ورقة “الوفاق” لإثبات وجود التمييز، فالتحذيرات صدرت من أطياف أخرى غير متهمة بوطنيتها وصوفها وصفويتها!
 فورقة المنبر الديمقراطي التقدمي التي قدّمها المحامي حسن إسماعيل، هي شهادةٌ وطنية أخرى على طريق مكافحة التمييز.

إسماعيل تناول محور “القوانين والتشريعات المناهضة للتمييز”، مشيراً إلى أهمية مناقشة التقريرين الحكومي والموازي من كون البحرين أوّل دولة تتعرّض للمحاسبة الدوريّة أمام مجلس حقوق الإنسان الشهر المقبل. وتناول عدداً من ثغرات التقرير الرسمي بالنّقد، نظراً إلى تجاهله ملاحظات القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وإغفاله ملفّ التمييز وضرورة “إصدار قانون يجرّم التمييز”، وهو ما ستقاومه بعض القوى السياسيّة بكل قوة، حفاظاً على مصالحها الخاصة على حساب الوطن وسمعته واستقراره المستقبلي.

إسماعيل أشار إلى تجاهل التقرير الرسمي لتوصيات مكافحة التمييز العنصري ومبادئ باريس، بضرورة تشكيل هيئة وطنية لحقوق الإنسان بالتشاور مع مؤسسات المجتمع المدني. فالمسألة التزامات دوليّة من شأنها أن تضع البحرين في مصاف الدول المتحضّرة، أو توقفها في قفص الاتهام بممارسة التمييز والعنصرية ضد مواطنيها. ثمّ تأتي “الموالاة” لتخلط حابل حقوق الإنسان بنابل المظلوميّة التاريخيّة… لتشوّش على الموضوع الأصلي… “لعلكم تغلبون”!

إسماعيل محامٍ بحرينيٌّ كتاباته محترمة في الصحافة المحلية والحزبيّة، ولم يتفلسف باختراع ثنائية سخيفة مفبركة: “المجلس العلمائي” مقابل “مؤسسات الدولة” من أجل تبرير سياسات التمييز، التي لم تكتفِ بالمواقع الأمنيّة حتّى توغلت وامتدت لتلتهم الكثير من المؤسسات “المدنية” من وزارات وشركات ومصارف و”زحرمان”!

الورقة انتقدت التمييز ضد المرأة، واستمرار حالات التعذيب وعدم منعه تشريعاً، وقانون “الإرهاب” و”التجمُّعات”… وانتهت بما تواجهه البحرين من أزمةٍ إسكانيّةٍ بسبب الفساد وانعدام العدالة في توزيع الثروة، بعد أن أصبح 55 ألف مواطن (سنةً وشيعةً) ينتظرون خدمات الإسكان، بحسب تقرير “الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان”، وليس ورقة “الوفاق” أوبيانات المجلس العلمائي!

البحرين، حكومة وشعباً، ليسا بحاجةٍ إلى طبطبةٍ تخدّرها وتخدعها، بل إلى هزة ضمير للخروج الجماعي من المطب.

الوسط 2 أبريل 2008