المنشور

حول مؤتمر الإصلاح السياسي‮ ‬في‮ ‬الخليج

أهمية المؤتمر السنوي‮ ‬الثالث لمركز الامارات للدراسات والبحوث الذي‮ ‬انعقد في‮ ‬مطلع هذا الشهر في‮ ‬ابوظبي‮ ‬تحت شعار‮ “‬الخليج العربي‮ ‬بين المحافظة والتغيير‮” ‬تكمن في‮ ‬تلك الاوراق التي‮ ‬تمت مناقشتها بوضوح حول مستقبل الاصلاح السياسي‮ ‬في‮ ‬منطقة الخليج‮.‬ وفي‮ ‬هذه الاحتفالية السياسية التي‮ ‬كانت برعاية حكومية اكدت قراراتها وتوصياتها على جعل الاولوية للمشاركة السياسية والارتفاع بمستوى المشاركة الديمقراطية،‮ ‬ويعتقد المشاركون في‮ ‬المؤتمر ان الضمانات الرئيسية لهذا الاصلاح تتمثل في‮ ‬قيام دولة مدنية لا دينية تضمن الحرية والمساواة والتعددية وهذا‮ ‬يعني‮ ‬ان الاشكالية الاساسية الاولى التي‮ ‬تواجه الاصلاح السياسي‮ ‬في‮ ‬المنطقة تقليص دور الدولة المدنية لحساب الدولة الدينية التي‮ ‬تسعى الى تسييس الدين،‮ ‬ومن المهم القول هنا ان الحفاظ على مكانة الدين الروحية لا تتم الا بفصله عن الدولة وعن السياسة حتى لا‮ ‬يكون عرضة للمتاجرة والاستغلال من قبل السلطة الدينية المتزمتة ومن القوى التكفيرية التي‮ ‬اساءت للدين وللدولة المدنية من خلال الاعمال الارهابية واثارة النزعات الطائفية والمذهبية،‮ ‬والعداء لمجمل التحولات الديمقراطية التي‮ ‬تشهدها بعض دول المنطقة‮.‬ ورغم التغطية الاعلامية المحدودة لهذا الحدث المهم الا ان بعض الصحف المحلية والخليجية تناولت المؤتمر باهتمام واضح وينبغى ان نشير هنا الى مقتطفات من رؤى اصلاحية اشارت اليها هذه الصحف ولعل اهمها ما قاله القطري‮ ‬حسن الانصاري‮ ‬رئيس مركز الخليج للدراسات والبحوث حول العلمانية في‮ ‬الخليج التي‮ ‬تعتبر في‮ ‬نظر تلك القوى العدو الاول لها‮ “‬نحن خليجيون ولكن نحن قبائل وطوائف وخلفيات مختلفة،‮ ‬انا ابحث عن دولة مدنية لست ابحث عن دولة ضد الدين بل دولة محايدة لا تغلب طائفة على طائفة اخرى‮”.‬ وحول الاجندة الاسلامية المتطرفة الداعية الى قيام دولة اسلامية تساءل‮ “‬عندما‮ ‬يقولون ان الاسلام هو الحل اسأل‮: ‬هل هو اسلام الوهابية؟‮! ‬هل هو اسلام اخوان المسلمين؟‮!‬ هل هو اسلام حزب الله؟؟ وهذا‮ ‬يجعلنا ان نتساءل‮: ‬عن اية دولة اسلامية‮ ‬يريد لها الاسلام السياسي‮ ‬ان تقام في‮ ‬منطقة الخليج؟؟ واما سعد بن طفله العجمي‮ ‬الليبرالي‮ ‬الكويتي‮ ‬ووزير الاعلام السابق‮ ‬يعتقد‮ “‬ان الدولة الدينية تتناقض مع الحداثة ومع مبادئ الحكم الرشيد التي‮ ‬حددتها الامم المتحدة واولها تداول السلطة‮”.‬ وقال ايضا‮ “‬انا ضد ان نكون دولاً‮ ‬اسلامية نحن دول مسلمة وضد تغييب الدين لكن اريد ان اسمو بالدين عن السياسة‮”.‬ هناك معوقات كثيرة اعاقت الديمقراطية والاصلاح السياسي‮ ‬بشكل عام في‮ ‬الدول العربية التي‮ ‬يطمح الاسلام السياسي‮ ‬فيها الى استلام السلطة والامر لا‮ ‬يختلف ايضا بالنسبة لبعض النظم الحاكمة التي‮ ‬لا تزال ترفض الاصلاح السياسي‮ ‬لمصالح اجتماعية وطبقية لم تكف اجهزتها البوليسية من قمع الشعوب‮!!‬ في‮ ‬الدول الخليجية رغم تطورها الاقتصادي‮ ‬الهائل الا ان مشاكل بعضها السياسية والاجتماعية تتزايد كل‮ ‬يوم ولا‮ ‬يمكن ان تقضي‮ ‬على الاسباب الجوهرية التي‮ ‬ادت الى ذلك الا بالاصلاح السياسي‮ ‬واشاعة الديمقراطية،‮ ‬والاهتمام بحقوق المواطنة،‮ ‬ومن هنا تكتسب تحذيرات ابتسام الكتبي‮ ‬استاذة العلوم السياسية في‮ ‬جامعة الامارات اهمية خاصة وخصوصاً‮ ‬عندما قالت‮: “‬لقد ظل التناقض قائماً‮ ‬من عدم اعتراف الدولة بوجود تلك العلاقة الجدلية بين التحديث والديمقراطية التي‮ ‬لا ترى فيها هذه الدول الا نموذجاً‮ ‬غربياً‮ ‬لا‮ ‬يخص المجتمعات العربية ولا‮ ‬ينسجم مع تقاليدها وطبيعتها‮” ‬وفي‮ ‬مقابل ذلك لم تتردد الكتبي‮ ‬في‮ ‬الاشارة الى اهمية فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفذية والقضائية والى التخلي‮ ‬عن سياسة التمييز الواقع على المرأة او لصالح الطائفية والمذهبية والقبلية‮.‬ ومن جانب آخر،‮ ‬حذرت الكتبي‮ ‬دول الخليج من النتائج السلبية التي‮ ‬قد تنشأ عن سوء توزيع الثروات قائله‮ “‬في‮ ‬سنوات الرخاء الاقتصادي‮ ‬تكون اعين مواطني‮ ‬المجلس مغمضة عن كل الاخطاء وعن الحقوق السياسية ولكن في‮ ‬حال التراجع لا تبقى العيون مغمضة فالشعوب تبحث عن جهة تعلق عليها الفشل ولا‮ ‬يمكن ضبط المواطن في‮ ‬جو من المعاناة الاقتصادية‮”‬،‮ ‬على كل حال دول الخليج على صعيد المشاركة السياسية لا‮ ‬يمكن ان نضعها في‮ ‬سلة واحدة لان هناك من التجارب لا‮ ‬يمكن تجاهلها كما هو الحال في‮ ‬الكويت والبحرين،‮ ‬ولكن ومما لا شك فيه ان الخليج في‮ ‬امس الحاجة الى اصلاحات سياسية واسعة تضمن كافة الحقوق لشعوب المنطقة ولا‮ ‬يمكن في‮ ‬وسعنا تحقيق ذلك الا بالمشاركة الشعبية في‮ ‬صنع القرار‮.‬

صحيفة الايام
12 ابريل 2008