المنشور

باب المجهول وقد انفتح

على دول عربية عدة أن تكون مستعدة لمواجهة الأسوأ، إذا هي لم تتدبر أمورها في الشكل الذي يتعيّن عليها أن تتصرف به إزاء موجات الغلاء ونقص الغذاء التي تواجهها. ويفاقم من الحال ما نعرفه من أن هذه الدول تعاني من أزمات على صعد عدة، يتشابك فيها المعيشي بالسياسي، حيث تطالب القوى السياسية والاجتماعية المختلفة فيها ليس بالنهوض بأوضاع مواطنيها الحياتية فقط، وإنما أيضاً بحل أزمة المشروعية السياسية، عبر توفير مقادير جدية من الحريات العامة، ومن المشاركة في الحكم وطريقة التصرف في الثروة. صحيح أن لموجة الغلاء وأزمة الغذاء التي تجتاح العالم كله أسباباً عدة، حيث تتضافر عوامل في خلق هذا الوضع، أبرزها الارتفاع القياسي لأسعار الوقود وتدني مخزون الأغذية وتنامي طلب المستهلكين، مع ازدياد عدد السكان على ظهر الكوكب. ولكن في نهاية الأمر فإن البلدان التي تدار بأساليب الحكم الرشيد، والأقل فساداً، وتتمتع بأداء اقتصادي وإداري كفوء، تظل أكثر مقدرة على تجنب الخضات الاجتماعية الكبيرة الناجمة عن ذلك. أما في العديد من بلداننا فإن المصير المتوقع واحد: إن لم تقم الحكومات بدعم المستهلكين، فلا يوجد خيار آخر أمام المستهلك، سوى تخفيض حجم استهلاكه الغذائي. ويبدو هذا أمراً مرعباً بالنسبة للغالبية الساحقة من البشر الذين يعيشون عيش الكفاف، خاصة أن الفلسفة الاقتصادية الرائجة الآن، والتي تغذيها آليات العولمة الاقتصادية تنحو أكثر فأكثر نحو تقليص دور الدولة كضامنٍ للرعاية الاجتماعية، تاركة لآليات السوق، في أكثر صورها فوضوية أن تفعل فعلها في إفقار الغالبية و”تسمين” أقلية مرفهة، وسحق الفئات الوسطى. حسب تقارير اقتصادية موثوقة فإنه منذ ديسمبر 2007 واجهت 37 دولة أزمة غذاء، ويقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إنه يواجه عجزاً في التمويل يبلغ نصف مليار دولار هذا العام لإطعام 89 مليون شخص محتاج حول العالم. وتشهد بلدان عربية مفصلية اضطرابات اجتماعية حادة، على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية الحيوية، ورغم التدابير التي تجد الحكومات نفسها محملة على الإقدام عليها لاحتواء مظاهر التذمر والاحتجاج، فإن قدرات هذه الحكومات على معالجة الأمر تظل محدودة، بالنظر إلى شبكة المصالح المتنفذة ومعدلات الفساد المرتفعة، مما يفتح باب المجهول على كل الاحتمالات.

صحيفة الأيام
10 ابريل 2008