المنشور

تساؤلات في‮ ‬الحوار الوطني‮..‬

ما هي‮ ‬الآفاق التي‮ ‬فتحها مؤتمر الحوار الوطني‮ ‬الثاني،‮ ‬وإلى أي‮ ‬مدى جاء البيان الختامي‮ ‬للمؤتمر ومخرجاته ملبية على الأقل للحد الأدنى من التوقعات؟ وهل شكّل المؤتمر عملاً‮ ‬وطنياً‮ ‬نوعياً‮ ‬حقيقياً‮ ‬وفاعلاً‮ ‬على طريق تكريس المواطنة وجعل الثوابت الوطنية فوق الانتماءات الطائفية؟‮ ‬وهل استطاع من حضر المؤتمر بأطيافهم وتلاوينهم وأجنداتهم المختلفة إحياء قيمة الحوار الغائبة حيال مواضيع وملفات مهمة،‮ ‬وهل تحاوروا على أرضية الثقة والرغبة المشتركة في‮ ‬إعلاء المصالح العليا للوطن؟ وما حقيقة موقف من لم‮ ‬يشاركوا في‮ ‬الحوار من رموز وقوى سياسية تعتبر نفسها شريكاً‮ ‬أساسياً‮ ‬في‮ ‬أي‮ ‬حوار،‮ ‬هل هو ناتج عن حساسية من الحوار،‮ ‬أم عن صدور لا تتسع للحوار؟ وهل اتجاه المناقشات وكل الذي‮ ‬قيل في‮ ‬المؤتمر هو من قبيل الحوار؟ وهل جميع الذين جاءوا للحوار جاءوا بنوايا حسنة ولم‮ ‬يأتوا لتصفية بعض الحسابات،‮ ‬ولم‮ ‬يثيروا‮ “همهمات” ‬لا تختلف عن صوت مرجل‮ ‬يغلي‮ ‬بالطائفية؟ وهل ردود الفعل والقنابل الصوتية والمشادات التي‮ ‬جرت على خلفية بعض أوراق العمل والمداخلات في‮ ‬ورش عمل المؤتمر قد حرفت المؤتمر عن الهدف الذي‮ ‬من أجله انعقد؟‮ ‬ولماذا حاول البعض جرّ‮ ‬الحوار الوطني‮ ‬إلى منحى طائفي‮ ‬دون أي‮ ‬اهتمام بالبحث عن نقاط التلاقي،‮ ‬رغم تأكيد هذا البعض على عدم طائفيته ولكنه‮ ‬يثبت دوماً‮ ‬عكس ذلك رغم ادعاء البعض انتماءه لتيارات ومدارس الرشد والاعتدال والحوار؟ ولماذا لم‮ ‬يطرح أي‮ ‬من أطراف الحوار من جمعيات سياسية ومهنية ونقابات واتحادات ومؤسسات المجتمع المدني‮ ‬برنامجاً‮ ‬أو مشروعاً‮ ‬تنصب عليه كل الجهود والعقول كفعل وطني‮ ‬مشترك ننهض به معاً‮ ‬في‮ ‬التصدي‮ ‬للتمزقات الراهنة،‮ ‬ويزيل الحواجز والجدران العالية التي‮ ‬باتت قائمة بين أبناء البلد الواحد؟ وإذا كانت كل الخطابات التي‮ ‬سمعناها بالمؤتمر ضد الطائفية،‮ ‬وعبرت كم هي ‬عميقة وغائرة الجروح التي‮ ‬تسببها والمرارات التي‮ ‬تخلفها،‮ ‬فإذن من هو الطائفي؟ ومن هو الذي‮ ‬يقف وراء بث المعطيات الملغومة في‮واقعنا،‮ ‬ومن هو الذي‮ ‬يلعن ويهجو الطائفية،‮ ‬وينام في‮ ‬مخدعها لينتج فكراً‮ ‬يدافع عن الطائفية،‮ ‬ويبررها ويضفي‮ ‬عليها كل ما‮ ‬يبعث على التأزم والقلق؟ واذا كان المؤتمر محطة مهمة في‮ ‬مسيرة العمل الوطني‮ ‬السياسي‮ ‬المشحونة بهموم كثيرة،‮ ‬وقضايا كثيرة،‮ ‬فهل هذا الذي‮ ‬أثير حول هذه الهموم والقضايا التي‮ ‬مسّت أوتاراً‮ ‬حساسة في‮ ‬واقعنا سيجد صداه لدى السلطة لتؤدي‮ ‬وظيفتها الطبيعية ولترتقي‮ ‬بأدائها كشريك لتوقف هذا الذي‮يدفع بالبلاد إلى ما لا تحمد عقباه،‮ ‬ولا تلتزم الصمت الذي‮ ‬نرجو ألا‮ ‬يكون من علامات الرضا؟ وإذا كان البعض قد اعتبر بأن المؤتمر قد وقع في‮ ‬محظور خلط الأوراق،‮ ‬أو أننا ضيعنا فرصة الحوار الجاد لكون كل طرف أو بعض أطراف الحوار قد استغرق في‮ ‬أجنداته وحساباته وذاته،‮ ‬فهل ذلك وحده‮ ‬يمكن أن‮ ‬يثير‮ ‬يأسنا من جدوى الحوار فضلاً‮ ‬عن الشك في‮ ‬مراميه ومبتغاه ومنطلقاته؟ لا تقف التساؤلات عند ذلك الحد،‮ ‬فهي‮ ‬وغيرها عبرت عن هواجس وظنون تتلاعب بنا،‮ ‬خاصة عندما نرى بعض دعاة الحوار،‮ ‬وبعض من‮ ‬يرفعون شعارات ضد الطائفية،‮ ‬أتقنوا طرحها للتخفي‮ ‬وراءها،‮ ‬هم أنفسهم الذين‮ ‬ينتجون الفرقة والانقسام،‮ ‬وكثير من هؤلاء تطفلوا على السياسة وليس عندهم كفاءة لإعطائها معناها الحقيقي؟ اذا قلّبنا تلك التساؤلات،‮ ‬بعد أن نمعن النظر في‮ ‬مغزاها،‮ ‬سنجد أنفسنا أمام سؤال محوري‮: ‬لماذا الحوار أصلاً؟ نعلم في‮ ‬الديمقراطيات المتقدمة ليس هناك شيء‮ ‬يسمى حوارا وطنيا‮.. ‬لأن الحوار الوطني‮ ‬هو شأن‮ ‬يومي‮ ‬معتاد من خلال مؤسسات الدولة الديمقراطية،‮ ‬والممارسة اليومية للعمل الديمقراطي‮ ‬من برلمان وصحافة حرة وقوى مجتمع مدني‮ ‬تطرح رؤاها وبرامجها من منطلق وطني‮ ‬بحت دونما شعور بالحاجة إلى مؤتمر وطني‮ ‬للحوار،‮ ‬تماماً‮ ‬كما هو الحال حينما‮ ‬يٌرفع شعار دولة القانون،‮ ‬فهو شعار لا تعرفه ولا معنى له ولا قيمة له في‮ ‬الدول الديمقراطية،‮ ‬هذه الدول لا تقرن الدولة بالقانون،‮ ‬ولا تضيف القانون للدولة،‮ ‬أو تضيف الدولة للقانون،‮ ‬فهما معاً‮ ‬متلازمان تلازماً‮ ‬محورياً،‮ ‬وكم هو باعث على الحيرة أن نألف طرح دولة القانون بمناسبة ومن دون مناسبة من رجال دولة وقانون وعلم ومسؤولية،‮ ‬وهم بهذا الطرح‮ ‬يجعلون صورة الدولة مهزوزة،‮ ‬ويثبتون بهذا الطرح أن دولة القانون لا تزال طموحاً‮ ‬لم نبلغه بعد‮.‬ نعود إلى السؤال‮.. ‬لماذا الحوار أصلاً‮..‬؟ الجواب نتركه لكم فقط لأننا نريد تجاوز الحوار حول البديهيات والثوابت.
 
صحيفة الايام
4 ابريل 2008