المنشور

حل البرلمان هو الحل ‮!‬


ربما كان الحكم مبكراً، أو متسرعاً بعض الشيء، على البرلمان البحريني وجدوى بقائه في ظل الأداء بالغ السوء الذي أظهره أعضاؤه حتى الآن، اعتباراً بقصر فترة الاختبار قياساً إلى عمر المجلس البالغ أربع سنوات. ولكن السؤال الذي صار يلح على الكثيرين من الناس، المحسوبين منهم على النخب وأولئك المحسوبين على الشارع أو الجمهور العام في ضوء المشاكل والتخبطات والتوريطات التي يزج المجلس نفسه فيها ويحاول بتهويشاته استدراج وجـر المجتمـع البحريني معه إلى مستنقعها الآسن.. السؤال هو: وهل يتعين علينا الانتظار حتى عام 2010 عندما يصبح في المتناول تنفس الصعداء حين يعاد طرح الثقة في أعضاء البرلمان من جديد عبر صندوق الاقتراع؟ هنالك من يقول بأن هذا هو المفروض الذي يتعين على الجميع التسليم بحقيقته، فهذه هي ضريبة الديمقراطية على أية حال. وإن مسيرة الشعوب والأمم نحو بلوغ ذرى التقدم والمجد لا تقاس ببضع سنين، وإن على الجمهور أن يتعلم من التجربة وأن يعي حجم المشكلة التي سببها لنفسه والمأزق الذي تسبب، بإرادته الاقتراعية الحرة – ولكن المطواعة – في إدخال البلاد فيه نتيجة لانسياقه الانتخابي وراء لمعان وبريق خطابات الفزعة الخدَّاعة والوعود المضللة التي لا تتناسب مع إمكانيات وقدرات أصحابها من غير ذوي الاختصاصات المدنية. أصحاب هذا الرأي يعولون على إمكانية يقظة عقل الناخب البحريني واستعادته وعيه المخطوف من قبل الجماعات الإسلامية المتَّكئة على خزان الطائفية واستثارة واستدرار تواطؤ العوام مع خطاباتها التفتيتية، المصلحية الضيقة في نهاية المطاف. وهذا التعويل مبني بطبيعة الحال على الأداء المخيب للرجاء الذي يؤدي به ‘أعضاء الفرقة البرلمانية’ والذي أفضى إلى نوع من القطيعة، باعتبارها مآل تحصيل حاصل، بين المجتمع والبرلمان. وهذا بالتأكيد رأي وجيه وسديد من الناحيتين المبدئية والقانونية، من حيث إن مبدأ سيادة دولة القانون هو الذي يجب أن يحكم العلاقة بين السلطات الثلاث والمجتمع. بما يستوجب من الجميع العمل على تأكيد قاعدتها وترسيخ ممارستها التي من خلالها فقط يصبح متاحاً مراكمتها على مر الأيام والسنين لتبلور وتشكل نفسها في صورة تقاليد لها مفعول وقوة أحكام وقواعد النظام العام التي سوف يصعب على أي متنطع فيما بعد القفز عليها حتى وإن لم تكن أحكاماً مدونة. بالمقابل هنالك أصوات أخرى متزايدة ترى أن ما يجري تحت قبة البرلمان البحريني لا يندرج في إطار التمرين الديمقراطي وتجربة الصواب والخطأ. فلو كان الأمر توقف عند هذا الحد من الأداء السلبي ولكن غير الضار، المندرج على أية حال ضمن السياق المتوقع للممارسة الديمقراطية الجنينية، لكان أمراً مقبولاً ومحتملاً. إنما أن يحول هؤلاء النواب، البرلمان إلى ساحة للشحن والتحشيد الطائفي وأن يعملوا بشتى السبل لإضفاء صفة الديمومة على هذه الممارسة المذمومة شعبياً وتكريسها تقليداً ممضاً في الحياة البرلمانية البحرينية الجديدة، فهذه مسألة لم يحتملها أصحاب الرأي الثاني الذين يرون أن هذا البرلمان يعمل بصورة منظمة ومتصاعدة على إشاعة الفرقة والانقسام داخل الصف المجتمعي البحريني الموحد بفطرته الاجتماعية والثقافية الغائرة الجذور التاريخية وبمزاجه الوطني والقومي العربي الحضري الذي لازالت رموزه التاريخية العتيدة محل تقدير واحترام المجتمع البحريني بكافة فئاته وأطيافه، وإن هذا البرلمان بدأبه في البحث عما يثير الفتن بدلاً عما يعزز الصف ويقوي اللحمة الوطنية، لا يمثل البحرين المعاصرة ولا تاريخها الحضاري النير…. فأين هو الصواب من الخطأ في هذين الموقفين من المجلس النيابي البحريني؟ القراءة الأولية للرأيين ولمذهبهما (أي لما يذهبان إليه) في التسويغ والتبرير، تشي بأن الموضوعية لا تنقص أياً منهما، وأن هذا الدفع الموضوعي يكاد يكون متكافئاً بينهما. فتجاوز الآلية الديمقراطية التي ارتضاها الجميع وسيلةً لتجسيد التمثيل الشعبي في صناعة القرار الكلي، لا يستقيم لا مع نص وروح الميثاق الوطني ولا مع المبدأ الديمقراطي نفسه الذي جعل من صندوق الاقتراع مرجعية حاكمة لكافة فرقاء العملية الديمقراطية. بالمقابل، وكما يرى أصحاب الرأي الثاني، فإن الالتزام بالديمقراطية والثبات على مبدئها، حتى لو كان الثمن التضحية بالوحدة الوطنية، لهو مذهب ساذج لا يستقيم مع المنطق العقلي. هي إذاً محصلة محيرة، وإن كان الجدل الموضوعي بشأنها، البعيد كل البعد عن العواطف والدوغما المُشَادة على ‘التفكير المستقيم’، يمكن أن يقود في نهاية الأمر إلى نتيجة هي أقرب إلى الواقعية منها إلى المثالية وإلى العملية منها إلى النظرية. فهل هي من مفارقات الزمن أن يتحول شعار ‘البرلمان هو الحل’ إلى ‘حل البرلمان هو الحل’؟!
 
صحيفة الوطن
28 مارس 2008