المنشور

مؤتمر الحوار الوطني


أنْ يعقد مؤتمر يجمع في يوم واحد 500 شخصية من مختلف الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، بحضور وزيرين ورئيس مجلس الشورى، فضلاً عن ممثلي بيت الأمم المتحدة الإنمائي، ورعاية معهد التنمية السياسية، أمرٌ له دلالته المهمّة في هذا الظرف الزمني.

اختيار المؤتمر شعار «الثوابت الوطنية فوق الانتماءات الطائفية»، وبحضور شوريين ونواب سابقين وحاليين (عدا الأصالة)، ومحامين ومثقفين وإعلاميين… يتضمن اعترافاً جماعياً بوجود خللٍ كبيرٍ في الداخل البحريني.

الأوراق المقدّمة وورش العمل المختلفة… كلّها تؤكّد وجود هذا الخلل، انطلاقاً مما نعيشه من هواجس ومخاوف واصطفاف طائفي، انتهاءً إلى التحذير من المستقبل المظلم الذي ينتظر هذا البلد إذا تركت اللعبة الطائفية إلى آخر مداها.

بعضهم تكلّم عن حقائق الوضع الطائفي ومظاهره وأمراضه، وبعضهم تكلّم عن مسئولية النظام والمجتمع والجمعيات ووسائل الإعلام، والبعض فكّر في حلول وتوصيات تنتظر التفعيل والالتزام… وهو أمرٌ تلفه طبقاتٌ كثيفة من الشك.

أهم ما في المؤتمر هو أن هناك إجماعاً على خطورة اللعبة الطائفية الجارية، وكثيرون استشهدوا بالمشهد العراقي واللبناني. بل إن بعضهم اعتبر المشهد البحريني هو الأصل، فهو النموذج «الديمقراطي» الذي يُراد أن يصدّر التفتيت الطائفي للمنطقة، والعياذ بالله!

كان من المستحيل أنْ تحضر خمس ورش عمل تعقد في آنٍ واحد، لذلك كان عليك أنْ تختار واحدة وتضحّي بالأخرى، رغم أهمية بقيّة الموضوعات مدار البحث. من هنا كان عليك أنْ تلم ببعض اللقطات هنا وهناك، لعلك ترسم بعض معالم الصورة الكلية.

لم يكن هناك خداعٌ للذات، أو تمنٍ كاذب، فالجميع جاء بمعتقداته وأفكاره ورؤاه؛ ليعرضها في هذا السوق الكبير. لم يكن أحدٌ يفكّر طبعاً بأنْ يقتنع بأفكار ومواقف الآخرين، ولم يكن ذلك مطلوباً أصلاً. يكفي أنْ تعرض ما لديك من أفكار وهواجس وتخوّفات وحتى عُقَد ليسمعك الآخر، فالمعرفة والتشخيص أول العلاج.

إبراهيم جمعان (جمعية الوسط)، كان مُصيباً جداً حين اعتبر الطائفية طريقاً لاغتيال الأمّة، وحذّر من تداعيات الإصطفافات الطائفية التي ستشمل أوجه حياة المجتمع كافة وزيادة تشطيره، وتعميق التخندق الطائفي، والاستقواء الديمغرافي، بما لا يَدع مجالاً للتعايش والتوافق، وهو ما سينتهي حتماً إلى سفك الدماء في المستقبل. وأشار إلى أنّ جيلنا انتهى… لكن المشكلة أننا نورّث المشكلة لأبنائنا، الذين سيتقاتلون ويتصارعون غداً في الساحة.

الشيخ صلاح الجودر، تناول مظاهر موجعةً أخرى، بالإشارة إلى ما وصلنا إليه من انحدار طائفي، بعد أنْ أصبحت هناك روضاتٌ للسنة وأخرى للشيعة، وأصبح التلميذ هذه الأيام يسأل مدرّسه: أنت سني أم شيعي؟ وقال إنه من الصعب في هذا الزمان أنْ تكون وطنياً وتحارب الطائفية، وذكّر بتجارب الشعوب الأخرى التي ابتليت بهذا المرض العضال، من قبرص وإيرلندا إلى لبنان. وقال: «هذه الكيانات الطائفية الموجودة تجعلني لا أصدّق أنه لا يوجد برنامجٌ للصدام في المستقبل».

لم ينتظر أحدٌ من المجتمعين أنْ يخرجوا بعلاجٍ قاطعٍ لأصل الداء، فالمؤتمر لا يملك عصا موسى، ولكنه على أقل التقادير خطوةٌ أولى على طريق طويل.
 
الوسط 31 مارس