المنشور

إغاثة.. أم استعمار جديد؟

التدخل ‘الإنساني ـ الإغاثي في قضايا حقوق الإنسان، النزاعات العرقية، الطائفية، الإبادة الجماعية، تغيير الأنظمة المستبدة وتنصيب حكام جدد، نشر الديمقراطية.. إلى آخره من ‘محاسن ومساوئ’: هل هو شكل من أشكال إحياء استعمار جديد، أم هو التزام مبدئي بقواعد القوانين الدولية وهيئة الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن، وهل كل ذلك يندرج ضمن حجج ومفاهيم وتعبيرات، ومصطلحات عصرية جميلة شكلياً، قبيحة في المحتوى الذي يراد بها باطل؟؟. ما هي معايير الدول التي تحتاج إلى إغاثة إنسانية، ولأي سبب يعتبر التدخل العسكري تحت مسمى، شرعياً، وتحت أية يافطة يكون الكيل بمكيالين، ومن الذي يقرر أحقية تغيير أنظمة ‘مستبدة’، أو ‘مارقة’، أو ‘معقل للطغيان’؟؟. في استطلاع للرأي أجرته الخدمة العالمية لـ’البي بي سي’ في العام 2006 ، وشارك فيه 28 ألف شخص من مختلف البلدان حول التأثير الذي تمارسه ابرز الدول على الموقف في العالم، طُرح سؤال: هل هو تأثير ايجابي ام سلبي؟، حيث ضمت القائمة المطروحة للتصويت 12 دولة هي بريطانيا وفنزويلا وإسرائيل والهند وإيران وكندا والصين وروسيا وكوريا الشمالية والولايات المتحدة وفرنسا واليابان. وبحسب أحد ضيوف برنامج ‘بانوراما’ لقناة ‘روسيا اليوم’ التلفزيونية حول موضوع ‘ الدول المارقة: في زيادة او نقصان؟’ بث أخيراً، قال إنه ‘بعد تحليل نتائج هذا الاستطلاع، خرج علماء الاجتماع باستنتاج مفاده: ان ‘الناس لا يثقون بالبلدان التي تعتمد على القوة العسكرية’، فيما تحظى بقدر أكبر من الثقة والاحترام الدول التي تتقيد بما يسمى ‘قوة اللين’، اي السبل السياسية والثقافية والأيديولوجية في التعامل مع الآخرين. ملحق ‘بانوراما لكل الأطياف’، لهذا اليوم، يعرض عدداً من المواضيع في شأن مفاهيم فقدان الشرعية للأنظمة، ومن يتخذ قرار التدخل، هل ذلك من اختصاصات مجلس الأمن الدولي، أم سلطة قضائية دولية مختصة في مجال القضاء، على نظام يؤخذ عليه ‘إنه يضطهد شعبه’؟ أو مساعدة شعب منكوب بالمجاعة وبحروب أهلية أو سياسة تمييزية، أو لنظام ‘منبوذ’؟ وما نتائج هذه التدخلات والذرائع التي أوجبت هذه التدخلات، كما حدث في دول عربية وعالمية مثل، (العراق، الصومال، السودان، لبنان، أفغانستان، كوسوفو، هاييتي، سيراليون، أو ما يجري الحديث عنه بقوة هذه الأيام لحرب محتملة على إيران)، ما هي تداعياتها، آفاقها: أين أصيبت، وأين أخفقت، وماذا تخفي وراءها من عسكرة؟!. في بحث نشرته مجلة ‘مقارنات’ في العددين 6و7 (2003) للناشط والباحث الحقوقي العراقي عبد الحسين شعبان حول القرار الدولي 1441 ضد العراق و’فتيل الحرب’، قال شعبان: ‘صدر لحد الآن نحو 60 قراراً منذ الغزو العراقي للكويت عام ,1990 وإذا كان القرار 687 يشكل علامة بارزة في سلسلة القرارات، وبخاصة بعد انتهاء حرب الخليج وتحرير الكويت، فإنه كبّل سيادة العراق وجرح كرامته وارتهنت موارده، فبموجب هذا القرار، وعلى أساسه صدرت قرارات أخرى وطل الشعب العراقي يدفع الثمن’. وأضاف شعبان، إن ‘القرار 688 الصادر في 5 نيسان/ أبريل ,1991 ويكاد يكون القرار الوحيد من بين جميع قرارات مجلس الأمن الذي انتصر للشعب العراقي، حين تحدث عن كفالة حقوق الإنسان لم يصدر ضمن الفصل السابع، ولهذا ظل يتيماً، كما أصبح تائهاً لأنه لا أحد يرعاه، فلا مجلس الأمن الذي أصدره جعله ضمن أولوياته، ولا الولايات المتحدة التي تصر على تطبيق العراق لجميع القرارات الدولية، تصر على تطبيقه أسوة بالقرارات الأخرى، ولا الحكومة العراقية التي وافقت على قرارات دولية مجحفة، ومذلة توافق عليه، ليمكن إجراء التغيير سلمياً والاحتكام إلى الشعب، ولا المعارضة العراقية، بما فيها الوطنية أعملت الجهد والفكر وعبأت الطاقات والإمكانات لكي تدفع بهذا القرار إلى الصدارة وتدعو المجتمع الدولي إلى اعتماده بدلاً من الحلول العسكرية’.* بماذا نفسر كل ذلك؟ من ينظر.. لا بد أن يرى!.

* ’مقارنات’ مجلة غير دورية يصدرها مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية ـ العدد 6 و7 ص42)
 
صحيفة الوقت
3 ابريل 2008