المنشور

كيف نحول الحوار الوطني‮ ‬إلى حقيقة فاعلة؟‮ (٢)‬

هل‮ ‬يوجد لدينا خيار مختلف عن خيار الديمقراطية وهي‮ ‬تنمو،‮ ‬وتتطور وتنمية متراكمة‮ ‬يشعر الفرد بمؤثراتها الحياتية ويلمس معطياتها‮ ‬يوما اثر‮ ‬يوم؟ لهذا علينا أن نؤمن بأن خيارنا الحقيقي‮ ‬هو تلك الحقيقتين المتداخلتين السياسية والاجتماعية اللتين حملهما لنا المشروع الاصلاحي‮ ‬رغم كل العثرات ولم نكن جميعنا راضين عنها،‮ ‬ولكننا واصلنا نقدنا وملاحقتنا لترسبات ومتبقيات تلك الترسبات المحيطة بجسد وداخل الدولة والمجتمع نتيجة فضاء وهوامش الديمقراطية‮. ‬وليس بإمكان أي‮ ‬دولة أو مجتمع اجتثاث جذوره بالسهولة المتخيلة،‮ ‬وإنما بوضع مناهج وأسس للتغيير فهي‮ ‬سبيلنا التاريخي‮ ‬الوحيد وعلى طرفي‮ ‬الصراع في‮ ‬الدولة والمجتمع التكاتف حولها،‮ ‬وإلا ستفرز عملية التجاهل والتغافل عنها ظواهرها الشرسة التي‮ ‬من أبرزها الطائفية؛ ففيها دمار الطرفين فخطر الطائفية لا‮ ‬يعرف أحدا عندما‮ ‬ينفجر كالشيطان ويبلغ‮ ‬العنف فيه التدمير الجامح دون توقف وبروح عصبية عمياء‮. ‬سبيلنا التاريخي‮ ‬الوحيد أن نمسك بخيطنا الأساسي‮ ‬لنمضي‮ ‬في‮ ‬مواجهة الماضي‮ ‬المظلم من أجل حياة أفضل،‮ ‬وقد قدمها الإصلاح كمنفذ للسيطرة على الاحتقان في‮ ‬خطوته الأولى،‮ ‬ثم الخروج من دائرة النفق والدخول في‮ ‬مربع أوسع من الحياة السياسية والديمقراطية حلقتنا الجديدة بدائرة أعمق تحقق نجاحها التنمية الحقيقية للمجتمع وبصورة عادلة‮.‬

الانتقال من البؤس‮ ‬إلى تنمية محسوسة
ولكي‮ ‬تتجنب الدولة والمجتمع حالة الانفجار الدائم والصدام العنيف؛ فلا بد من تنمية عاجلة وصادقة ومحسوسة وقائمة على برنامج تنموي‮ ‬فاعل تحققه الثقة والشروط الملموسة من أهمها مسألة التمييز الاجتماعي‮ ‬وبعضها قد‮ ‬يصطدم مع جزء من ثقافتنا ونهجنا الحياتي،‮ ‬وهو شرط ضروري‮ ‬لتحقيق تنمية أفضل لتوزيع الثروة والدخل الوطني؛ فلا‮ ‬يمكن أن تتسارع الحلول في‮ ‬ظل وضع ديمغرافي‮ ‬أسرع مما نتصور،‮ ‬فثقافة القرية البحرينية‮ – ‬دون استثناء‮ – ‬بل ومدنها تحتاج إلى تنظيم النسل فوحده‮ ‬يساعد على تحسين التنمية من نواح عديدة‮. مثل هذا الشرط لن‮ ‬ينجز ما لم تساهم في‮ ‬برنامجه أطراف عدة لكي‮ ‬ينجح في‮ ‬إقناع الناس بأن جزءاً‮ ‬من رفاهية الفرد وتحسين خدماته أيضا هو ذلك الاخطبوط السكاني‮ ‬لثروة نفطية متآكلة،‮ ‬فلن تنجح برامج تخطيط وتنمية سليمة دون تعاون الأطراف جميعها باعتبارها حلقة واحدة،‮ ‬وعلى رأس تلك الحلقة الدولة ورجال الدين،‮ ‬فلدى كل منهما عوامل تأثير كبيرة في‮ ‬الوعي‮ ‬الاجتماعي‮ ‬وفي‮ ‬شكل الإنفاق والتوزيع وسد ثغرات مستفزة في‮ ‬ظرف سياسي‮ ‬حساس‮ ‬يعزز روح الطائفية بدلا من مكافحتها مهما حاولنا التبرير والتقليل من المخاوف المؤثرة‮.‬

‮ ‬مما نخاف في‮ ‬الداخل؟
يبدو سؤالنا واضحا وبسيطا،‮ ‬ولكنه من المختلف الإجابة عليه‮. ‬ربما ظواهر عدة تولد أحزمة التفخيخ والانفجار الاجتماعي‮ ‬كالفقر والبطالة والطائفية،‮ ‬أما المناهج والسلوكيات الأخرى كالفساد المالي‮ ‬والإداري؛ فإن السيطرة عليهما أسهل طالما وجدت الإرادة الصادقة والمستمرة في‮ ‬ملاحقة الحيتان وليس الأسماك الصغيرة‮. ‬تبقى عناصر تفرز وتؤثر في‮ ‬بعضها البعض‮.. ‬فالبطالة عنصر متداخل مع حالة الفقر،‮ ‬فكلما زادت البطالة تعمقت ظاهرة الفقر،‮ ‬وكلما تمت مكافحة تلك الظاهرة تراجعت نسبته،‮ ‬هذه المعادلة سهلة في‮ ‬علم الاقتصاد ولكنها صعبة في‮ ‬واقع حياة تتخللها ظواهر فاسدة،‮ ‬لهذا تتكاثر وتتعمق ظواهر أخرى كالجريمة وتستعيد نفسها شبح الطائفية فهل بالإمكان تجنب هذا الخطر الداخلي‮ ‬المتضخم كالسرطان القاتل؟ ‮ ‬الإجابة نعم متى ما رغبنا في‮ ‬بناء شراكة حقيقية في‮ ‬وطن‮ ‬يقدم لكل أبنائه شعورا بالمواطنة والانتماء ولِولاء واحد ولمرجعية واحدة لا تعلو عليها مرجعيات سياسية أخرى هما الدستور وشرعية الحكم التي‮ ‬قبلت كل أطراف الخلاف بمرجعيته وأقسمت على صونه‮. ‬ومن دون أن نقتل الطائفية من مهدها فان المخاوف ستبقى كابوساً‮ ‬ليلياً‮ ‬دائماً‮ ‬للأمن الاجتماعي‮ ‬والتنمية وكل مشروع إصلاحي‮ ‬يرغب بنقل البحرين نحو ألفية أكثر استقرارا من الماضي‮ ‬المزدحم بالاحتقانات والصدام والألم‮.‬

صحيفة الايام
30 مارس 2008