المنشور

أبحاث أم تفريغ‮ ‬استبانات؟‮!‬

يزداد الحديث عن أزمة البحث العلمي‮ ‬في‮ ‬الوطن العربي،‮ ‬وتنشر نسب دالة على ضآلة ما هو مخصص من اعتمادات مالية لهذا الحقل الاستراتيجي‮ ‬بامتياز،‮ ‬سواء على صعيد كل بلد عربي،‮ ‬أو على النطاق العربي‮ ‬العام،‮ ‬وفي‮ ‬إطار المؤسسات القومية المعنية بالشؤون العلمية والثقافية والتربوية‮. ‬ وما زال هذا الحقل‮ ‬يستحق أن‮ ‬يولى له الاهتمام العائد له أصلاً،‮ ‬لأن البحث العلمي‮ ‬ليس ترفاً‮ ‬وإنما ضرورة اجتماعية وتنموية،‮ ‬وقاعدة مأمونة للتخطيط السليم في‮ ‬مختلف المرافق،‮ ‬كما‮ ‬يستدل على ذلك من واقع البلدان المتقدمة‮.‬ والواقع أن حصة الجامعات العربية وأساتذتها في‮ ‬أزمة البحث العلمي‮ ‬كبيرة،‮ ‬حيث‮ ‬يتدهور باطراد مستوى هذه الجامعات ومستوى خريجيها،‮ ‬فلا تكاد تفرق أحياناً‮ ‬بين مستوى خريج جامعي‮ ‬وخريج الثانوية العامة‮. ‬ ومن الطبيعي‮ ‬أن تدهور المناخ العلمي‮ ‬والأكاديمي‮ ‬ينسحب على مستوى أساتذة الجامعة الذين‮ ‬يفترض فيهم أن‮ ‬يكونوا باحثين قبل أن‮ ‬يكونوا مدرسين‮. ‬حيث تختلط المفاهيم وتتشوه،‮ ‬فحين‮ ‬يجري‮ ‬الحديث عن البحث الميداني‮ ‬مثلاً،‮ ‬فإنه‮ ‬يختزل إلى تصميم استمارات أو استبيانات تضم مجموعة من الأسئلة مرفقة باختيارات ملتبسة وغامضة للإجابة تحتمل تأويلات مختلفة وتنقصها الدقة‮.‬ وتتفشى هذه الظاهرة في‮ ‬جامعاتنا الخليجية،‮ ‬حيث‮ ‬يعهد الأستاذ الجامعي‮ ‬بأمر الإجابة عن أسئلة هذه الاستبانة لطلابه وطالباته،‮ ‬ثم‮ ‬يسلم الأجوبة لموظفي‮ ‬الكمبيوتر الذين‮ ‬يقومون بتحليل هذه المعلومات لنصل إلى أرقام محايدة لا تسمن ولا تغني‮ ‬من جوع،‮ ‬كأن‮ ‬يجيب أفراد عينة البحث عن سؤال من نوع‮: ‬هل تحبون مشاهدة التلفزيون والقنوات الفضائية،‮ ‬فيضع ‮٠٦‬٪‮ ‬مثلاً‮ ‬من أفراد العينة إشارة على الخانة التي‮ ‬تقول‮: ‬نعم،‮ ‬و‮٠٣‬٪‮ ‬على الخانة التي‮ ‬تقول‮: ‬أحياناً،‮ ‬و ‮٠١‬٪‮ ‬على الخانة التي‮ ‬تقول‮: ‬لا‮.‬ نحن لا نستخف بالمؤشرات الرقمية ولا بمدلولات النسب المئوية في‮ ‬قياس ميول الجمهور،‮ ‬وندرك أن الاستبانة هي‮ ‬إحدى وسائل القياس والرصد،‮ ‬لكن حين تصبح‮ “‬البحوث”التي‮ ‬تمنح عليها الترقيات العلمية هي‮ “‬عرض للاستبيانات‮” ‬فإن الأمر‮ ‬يدعو للقلق،‮ ‬عندما تغيب رؤية الباحث أو فلسفته للأمور ورصده وتحليله العميق للظواهر؛ فيعوض عنها بركامٍ‮ ‬من الجداول والأرقام هي‮ ‬في‮ ‬أحسن الافتراضات مشاريع للبحث‮.. ‬لا أكثر‮.‬

صحيفة الايام
27 مارس 2008