المنشور

إيران إلى أين.. من خلال انتخابات البرلمان؟

من الصعب أن يختلف شخصان حول ‘فرادة’ الديمقراطية الإيرانية بل غرائبيتها، وان اختلفا حول محتواها وآلية تطبيقها .. فالمناهضين والمعادين – الكُثر- للنظام الإيراني، ابتداءً من الدول الغربية وجزء كبير من الرأي العام الدولي والإيراني مرورا بالأغلبية الصامتة من المواطنين الإيرانيين وانتهاءً بالمعارضين السياسيين الإيرانيين في الداخل والخارج، لايترددون أبدا في طمغ النظام الإيراني، الخاضع أساسا لمركزية ‘ولاية الفقيه’، بعدم الديمقراطية -من حيث المبدأ- بل بالاستبداد القمعي الذي يندر أن يكون مثله نظام سياسي آخر. أما مؤيدوه- الكُثر أيضا- فإنهم يعتبرونه مثالا يجب أن يُحتذى به في العالم الإسلامي (خاصة الإسلاميين الشيعة) وان اختلفوا في مبدأ حاكمية ‘ولاية الفقيه’! يستدعي الإنصاف الموضوعي القول إن هناك في إيران’ تجربة جديدة/قديمة’، نعني بها الثيوقراطية أوالدولة الدينية، المبنية على المؤسسات الديمقراطية المنضبطة والموجِّهة، تتمثل في انتخابات وبرلمان ومؤسسات وان كانت كلها خاضعة للمراقبة والتصريح والكلمة الفصل من قِبَل ‘لجان عليا معيّنة’ تستمد قوتها من الشرعية الإسلامية ومرجعية الاثني عشرية! لكن دعنا نرى كيفية تطبيقها والمسار التي رأتها تلك التجربة منذ انتصار ثورة بهمن في سنة 1979 والتعرجات التي سارت والاصطفافات والتجاذبات التي تخطاها المجتمع الإيراني .. نوجزها هنا -نبذة مختصرة- مع القارئ الكريم، حتى يتسنى له الحكم- إيجابا أو سلبا- على تجربة هذه الثورة، التي وعدت المستضعفين الكثير..الكثير! هيمنت الثيوقراطية/ الدولة الدينية الحالية في إيران بعد ثورة شعبية عارمة، هزت أركان المنطقة الإقليمية مع تأثيراتها الدولية،عرفت بثورة 22 بهمن(الشهر ال11 في التقويم/ الروزنامة الإيرانية) 11 فبراير 1979 وكانت نتيجة تحالفات واسعة شملت سائر القوى السياسية، من اليمين الليبرالي والديني إلى اليسار المعتدل والمتطرف مرورا بالإسلام الماركسي(مجاهدي خلق) الذين اعتبروا- في حينه- أقوى تنظيم يساري وان كانت الحركة الدينية المتمثلة في خط الإمام الخميني تمثل أقواها وأوسعها جميعا(كانت عبارة عن تحالف فضفاض من القوى الدينية، الليبراليين الدينيين والحوزات الدينية). والحق يقال انه، منذ مئات السنين كانت توجد في إيران قوتان آيديولوجيتان وسياستان مهيمنتان هما الإسلام (منذ القرن ال7) والشاهنشاهية (من 2500 سنة)، التي هُزمت -أخيرا- على يد الأول شر هزيمة بالرغم من تحالفهما عبر التاريخ المديد للمجتمع الإيراني، كما حدث، على سبيل المثال، أبان الثورة الدستورية في مطلع القرن العشرين في التاريخ البشري قاطبة وتاريخ الثورات يندر أن نجد ثورة قد حققت كل شعاراتها وأهدافها بما فيها الثورات الدينية، من الثورة المحمدية حتى يومنا هذا.. ومن المؤكد أن التجربة الإيرانية ليست استثناء! يقول أحد كبار المفكرين في التاريخ أن الثورة تأكل خيرة أبنائها ولكن يبدو الآن أن تجربة الثورة الإيرانية، بعد أن حصدت خيرة أبنائها ردت – الآن – لتأكل نفسها! ومؤشرات ما نقصدها واضحة تتجسد في استعمال القسوة وخرق القوانين المستمدة من الدستور الإيراني نفسه في محاربة خصوم الرأي، شاملة الإصلاحيين الإسلاميين الذين لا يختلفون كثيرا عن المتشددين فيما يتعلق بقناعتهم لمبدأ ولاية الفقيه وإن اتسموا بالواقعية السياسية والتوازن الاقتصادي والمحتوى الاجتماعي/الثقافي لقيم الإسلام تشكلت في المجتمع الإيراني المعاصر في السنوات الأخيرة تمايزات طبقية حادة، واستقرت على مفارقات غرائبية عديدة يجب الإشارة إلى أهمها، قبل محاولتنا من تحليل الأرقام الإحصائية التي لا تقدم ولا تؤخر:
* دولة نفطية (زراعية) صناعية غنية ذات دخل خيالي من النفط ومشتقاتها ومصادر الدخل المتنوعة مقابل شُحّ في البنزين وارتفاع أسعاره ناهيك عن أسعار السلع الاستهلاكية /الحياتية الأساسية
* نظام إسلامي راديكالي يعتمد -نظريا على الأقل-على العدل في توزيع الثروة يقابل 20 مليون -على الأقل- يعيشون تحت خط الفقر
* مدرسة شمولية في الوعظ الأخلاقي /الديني (ليلا ونهارا) تقابلها – حسب الإحصاءات الرسمية – على الأقل 2 مليون من المعتادين على المواد المخدرة وعدد ضخم من المومسات قد يصل إلى المليون (حسب مصادر وبحوث السوسيولوجيين الإيرانيين)،عدى مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية والمظاهر السلبية الأخرى، المنتشرة عادة في بعض بلدان العالم!
* استقطاب طبقي يتكون من شرائح عليا من البرجوازية التجارية الجديدة(بازار بعد الثورة)،التي اغتنت في المرحلة الأولى من عمر الثورة والبرجوازية البيروقراطية/الطفيلية، التي اتسعت وتمركزت في السنوات الأخيرة( تكونت أساسا من كبار مسؤولي حرس الثورة)، وهما الشريحتان اللتان تعتبران الآن العمادان المركونان للنظام ،الذي نجح في إعادة إنتاج قوته بشكل غير مسبوق وبآليات وأنماط مبتكرة على الصعيد الاقتصادي/التمييزي (خليط من الاقتصاد الخاص والكُلياني )، حيث تحولت قادة ومسؤولي وبعض أفراد المتميزين وحتى العاديين من’منظمة حرس الثورة'( سباه باسداران) إلى حملة أسهم في قطاع تجاري صناعي/حربي، لتكون هذه المنظمة العسكرية والاقتصادية المليونية ،الدرع الحصين للدفاع عن جمهورية إيران الإسلامية!
 
صحيفة الوقت
23 مارس 2008