المنشور

دلالات الحكم بإعادة غزوان وسهراب

يكتسب الحكم الذي أصدره القضاء البحريني ممثلا في المحكمة الصغرى العمالية الاولى بإرجاع النقابيين المفصولين فصلا تعسفيا فيصل غزوان وماجد سهراب الى عمليهما.. يكتسب هذا الحكم دلالات ومعاني عميقة المغزى سياسيا ونقابيا يمكننا ان نبرز أهمها فيما يلي: أولا: ان الحكم القضائي الصادر هو علامة مضيئة من العلامات التي تعكس أو تجسد السلطة القضائية كسلطة مستقلة. ثانيا: ان قرار المحكمة بعودة النقابيين المفصولين على خلفية ممارستهما لأنشطتهما وحقوقهما النقابية هو على الارجح أول حكم من نوعه في تاريخ القضاء البحريني يقضي بإعادة مفصولين بسبب عملهما النقابي الى عملهما بشكل قاطع وفوري وخاصة لما لقرار المحكمة من صفة الالزام كحكم قضائي عمالي. فلم يسبق في تاريخ الحركة العمالية والنقابية البحرينية التي قضت الشطر الاعظم من عمرها الطويل الذي يناهز نحو ستة عقود ان انتزعت قضائيا مثل هذا المكسب الكبير وهو مكسب لم يأت إلا بعد تشريع حق العمل النقابي العلني وكفالته قانونيا ودستوريا. ثالثا: ان الحكم القضائي بإلغاء فصل غزوان وسهراب ما كان ليتم لولا وحدة الموقف النقابي أو الحركة النقابية معهما سواء في اطار الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين أم في خارجه، هذا على الرغم من الانقسامات الراهنة التي يشهدها الجسم النقابي. ولا شك ان الحكم يكتسب مغزاه ودلالته ــ كدرس وكقدوة ــ كونه صدر عشية مؤتمر هذا الاتحاد، ليعطي بذلك أطراف هذا الاتحاد دفعة قوية للتمسك بالوحدة النقابية بعيدا عن تسييس العمل النقابي، والصراعات الفئوية والحزبية والشخصية التي تضر بمصالح الحركة النقابية البحرينية الجديدة الوليدة. رابعا: ان الحكم القضائي إذ يكتسب جانبا من دلالاته كونه صادرا عن واحدة من اكبر وأقدم الشركات في البلاد، وتتميز تقليديا بوجود رموز نافذة في ادارتها، فانه من صالح هذه الشركة وسمعتها التجارية والاهلية ان تقبل به بروح رياضية وغض النظر عن فكرة الاستئناف، ولاسيما في ضوء ما هو مرجح بأن يسفر الاستئناف عن تثبيت ذات الحكم القضائي وذلك نظرا لحساسية القضية وأبعادها السياسية ووضوح مظلومية الطرف المغبون فيها. خامسا: ان الحكم القضائي الصادر لصالح غزوان وسهراب لهو درس عميق على الشركات والمؤسسات استيعابه جيدا وذلك من خلال ترويض النفس وسعة الصدر في قبول الانشطة والحقوق النقابية وعدم مصادرتها عمليا، ذلك ان عصر تجاهل هذه الانشطة وازدراء الحقوق النقابية، والذي ساد ردحا طويلا من الزمن قد ولى وينبغي للشركات ان تفهم ذلك جيدا، هذا اذا ما رامت حقا الى تحقيق بيئة عمل مستقرة ودائمة تسهم في زيادة الانتاج وتحقيق الارباح ليس على حساب شقاء العاملين فيها بل بإشراكهم ولو بأدنى القليل من تلك الارباح وتفهم أدنى حقوقهم البسيطة، ولاسيما ان شركة النقابيين المفصولين هي من أكثر الشركات «الوطنية« مدرارا للأرباح الخرافية من دون ان يشعر العاملون فيها بشيء من عوائد تلك الارباح، أو ينعكس على افادة المواطنين المستهلكين في أسعارها وتحسين خدماتها اللهم أدنى القليل. سادسا: لما كان فصل النقابيين غزوان وسهراب جاء بسبب أنشطة نقابية مشروعة تتصل بالمطالبة بالزيادة في الرواتب ومطالب أخرى، فان الحكم القضائي الاخير يكتسب دلالاته البعيدة بأن تتعظ كل الشركات والمؤسسات الخاصة من خطورة تجاهل مطالب عمالها وموظفيها بتحقيق زيادة ولو بأدنى القليل المقبول وخاصة في هذه اللحظات حيث موجات غلاء أسعار السلع الاساسية المتعاقبة التي تعصف بحياتهم المعيشية. سابعا: لئن كان من اللافت في قضية النقابيين غزوان وسهراب انتهاؤها بوقوف السلطتين التشريعية (مجلس النواب) والقضائية الى جانب حقهما النقابي المشروع، فمن اللافت أيضا وقوف واحد من رموز السلطة التنفيذية الى جانبهما منذ البداية حتى النهاية وعلى نحو قاطع وحازم ألا هو وزير العمل مجيد العلوي، الذي اعتبر منذ بدايات الازمة ان الفصل غير قانوني، وطالب بإعادة المفصولين الى شركتهما قبل رفع القضية الى القضاء، وهو ما أكده الوزير بعد صدور الحكم مشيدا بحكم القضاء البحريني وداعيا الى وقف برنامج التدوير وتسريح البحرينيين وإحلال العمالة الأجنبية محلهم. ولا شك ان هذا الموقف النزيه إذ يحسب لصالح هذا الوزير، فإنه سيعزز من سمعة البحرين ومصداقيتها في المنظمات الدولية المعنية، من حيث التزاماتها القانونية بمعايير ومستويات العمل التي صدقت عليها المملكة.
 
صحيفة اخبار الخليج
23 مارس 2008