المنشور

دروس حل البرلمان الكويتي

كما هو متوقع لجأ أمير الكويت إلى خيار حل البرلمان حلا دستوريا للخروج من الأزمة البرلمانية والمتمثلة في استمرار المجابهات الحادة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية داخل مجلس الأمة وتعذر إيجاد أدنى أرضية ممكنة من التفاهم والتقارب المشترك بين الطرفين مما حدا بالوزراء إلى تقديم استقالة جماعية احتجاجية إلى رئيس الحكومة. والسؤال الذي بات مطروحا: هل يفضي هذا الخيار، أي حل البرلمان، إلى تفادي أزمات برلمانية مقبلة متوقعة مع مجيء البرلمان القادم المنتخب؟ وهل يفضي هذا الحل أيضا إلى حل الأزمة السياسية والديمقراطية برمتها على الساحة السياسية الكويتية عموما؟ مما لا شك فيه بداية ليس ثمة مخاوف من تعطيل السلطة التشريعية في البلاد على نحو يذكرنا بفترتي الحل الطويلتين في السبعينيات والتسعينيات واللتين تأثرت بهما الحياة السياسية والديمقراطية تأثيرا سلبيا، حيث نجم عنهما تغييب الحريات العامة وتضييق هامش حرية التعبير والحرية الصحفية وقيود واسعة على مجمل أشكال وأطر ومجالات الحقوق الديمقراطية والسياسية، ذلك بأن الحل الأخير، كما ذكرنا، هو حل دستوري ينص على الدعوة الى انتخابات جديدة بعد شهرين (مايو القادم). بيد ان ثمة شكوكا قوية أن يفضي هذا الحل الى حل للأزمة السياسية والديمقراطية الكويتية العامة الكبرى، فمع ان الديمقراطية الكويتية هي من أفضل الديمقراطيات العربية الى حد ما، والبرلمان الكويتي هو واحد من أقوى البرلمانات العربية، كسلطة تشريعية مستقلة وندة للسلطة التنفيذية، إلا أن دوامة أزمات حل البرلمان وكثرة تشكيل الوزارات المتعاقبة تكشف جانبا مهما من الثغرات الخطيرة التي تعتور النظام الديمقراطي الكويتي، والمتمثلة في المعوقات الكابحة لانطلاقته ونموه لتتناغم مع التطورات الديمقراطية التي يشهدها العصر، فلم يعد سرا ان هذا الشكل من النظام الديمقراطي المستمر منذ استقلال الكويت قبل 46 عاما أضحى غير ملائم لتطور الحياة السياسية الكويتية نفسها، ولعل أفضل شهادتين تحليليتين تؤكدان ما نذهب اليه نجدهما فيما ذكره كاتب سياسي يساري كويتي هو أحمد الديين وكاتب سياسي سعودي ليبرالي يميني مقرب الى الدوائر الرسمية العليا السعودية هو عبدالرحمن الراشد. فعلى الرغم من تباعد فكر واتجاه كلا الكاتبين فإنهما التقيا موضوعيا كلا على نحو مستقل وعلى طريقة توارد الخواطر في تحليل أبعاد الأزمة الديمقراطية الكويتية الراهنة. فكلاهما يذهبان الى ان غياب تشكيل الاحزاب وعدم وجود آلية لتداول السلطة (الحكومة)، كحكومة منتخبة تمثل الاغلبية المنتخبة يسهل طرح الثقة فيها أو في أحد وزرائها.. كل ذلك يفضي الى الأزمتين السياسية والديمقراطية معا. وفي هذا الصدد يقول الراشد: “في الكويت الانتخاب مسموح لكن الأحزاب ممنوعة، ومسموح للبرلماني ان يستجوب أي وزير، لكن الوزير لا يعطى فترة كافية لتنفيذ سياسات حكومته”، ويضيف: “يفترض في الحكومة أما أن تعكس نتيجة الانتخابات البرلمانية فتمثل الأغلبية الفائزة، وإما تمثل النظام السياسي كما في الأردن أو المغرب، أي ان تكون صناعة الباب العالي بصلاحيات واضحة وفترة محددة. لهذا ستستمر الكويت رهينة حالة الباب الدوار، يدخل ويخرج منه الوزراء وتشكل حكومات ويحل البرلمان من دون أي تغيير عملي على الأرض، وهذا يلغي الهدف الأساسي لكل العملية السياسية أي التطور والإصلاح وتلبية توقعات الناخب الكويتي”.. (عبدالرحمن الراشد الشرق الأوسط 19/3/2008). واذا كان هذا كلام الراشد عشية يوم الحل فهو تقريبا هو نفس مضمون كلام الديين الى اذاعة الـ “بي. بي. سي” مساء يوم الحل مع اختلاف بعض التفاصيل والإضافات. والحال اننا أمام افرازين متناقضين ناجمين عما يمكن تسميته، اذا جاز القول، بالنظم الديمقراطية العربية المفصلة، في النمط الأول نجد حكومات يدوم أغلب وزرائها فترات طويلة ولا يغيرون الا بألف حساب وتفكير وتبعا لموازين دقيقة في صراع مصالح وقوى داخل السلطة نفسها في مقابل حكومات عربية تعمد للخروج من أزمات أطرها الديمقراطية الدستورية المفصلة على مقاسها الى تعديلات أو تشكيلات متعاقبة في الوزارة. مهما يكن فثمة دروس مهمة يمكن استخلاصها كويتيا وخليجيا وعربيا من الازمة البرلمانية الكويتية الاخيرة. أولا: ان القيادة الجديدة للكويت المتمثلة في أميرها الشيخ صباح الأحمد مازالت تعكس درجة من النضج والحنكة في التعامل مع الازمة القائمة بلجوئه الى الحل الدستوري والدعوة الى الانتخابات في أجل قريب، بدلا من اللجوء الى الحل البرلماني التعسفي الطويل أو الى تعديل الصيغة الدستورية الديمقراطية المتعارف عليها منذ عام 1963 بتنزيل سقفها كما تلجأ دول عربية عديدة. ثانيا: ان رئيس البرلمان المحلول جاسم الخرافي أثبت تمتعه بقدر معقول من الحيادية والاستقلالية في الازمة والصراع الذي نشب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية داخل البرلمان، وبخاصة من خلال ابعاد نفسه قدر المستطاع عن التجاذبات الطائفية والقبلية. وكان ان رفض نزع الجنسية أو رفع الحصانة عن النائبين عدنان عبدالصمد واحمد لاري على خلفية أزمة تأبين عماد مغنية (القائد العسكري بحزب الله)، وهو لم يتوان عن تحميل السلطة جزءا من المسئولية في الازمة البرلمانية.  ثالثا: اذا كانت كل من الحكومة والصيغة الدستورية المتقادمة تتحملان مسئولية أساسية لنشوء الازمة الاخيرة، فان سوء الأداء البرلماني وغياب النضج الوطني النيابي الكافي، بسبب التركيبة التي تغلب على البرلمان المحلول، كل ذلك له نصيب مهم في الازمة أيضا. ويبقى القول انه آن الأوان للأنظمة السياسية الخليجية والعربية ذات الديمقراطيات “المفصلة” ان تقتنع بالحاجة الملحة الى تطوير هذه “الديمقراطيات” الصورية المتقادمة لا ابقائها على حالها أو اضافة المزيد من القيود عليها، هذا اذا ما أرادت حقا الخروج من أزماتها السياسية الراهنة المزمنة، ناهيك عن أزمة تآكل شرعياتها السياسية الناجمة عن تلك الأزمات ذاتها. 

صحيفة أخبار الخليج 
 22 مارس 2008