المنشور

الإيثانول‮ ‬يدفع أسعار الغذاء إلى أعلى

يتراءى للمرء وهو‮ ‬يتابع التدافع الدولي‮ ‬غير المسبوق للتداعي‮ ‬والاجتماع وعقد المنتديات والمؤتمرات العالمية للتباحث في‮ ‬قضية التغيرات المناخية‮ ‬‭(‬Climate Change‭)‬،‮ ‬وتركيز معظم الاهتمام على الوقود الأحفوري‮ ‬‭(‬Fossil Fuel‭)‬،‮ ‬من حيث توجيه أعمال البحث والتطوير‮(R&D)‬ نحو إنتاج وقود حيوي‮ ‬‭(‬Bio fuel‭)‬‮ ‬بديلاً‮ ‬عنه أو إنتاج مركبات صغيرة تعمل بنظام مزدوج‮ (‬الوقود العادي‮ ‬مع الوقود الحيوي) يتراءى له وكأن العالم تلبسته فجأة حالة من‮ ‘‬الهوس البيئي‮ ‬والمناخي‮’ ‬التي‮ ‬لن تمر دون أن تترك،‮ ‬بدورها،‮ ‬آثارها السلبية على مؤشرات أداء اقتصادات البلدان النامية التي‮ ‬تتعرض لضغوطات هائلة من جانب الدول المتقدمة لدفعها لأخذ التزامات بتخفيض مستوى انبعاثات‮ ‬غازات الاحتباس الحراري‮ ‬لديها أسوة بالدول المتقدمة رغم الفارق الشاسع في‮ ‬مستوى التقدم الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬بين الطرفين‮.‬ ‬وبالفعل فإن أُولى بوادر السياسات الانفرادية لمعالجة قضايا التغير المناخي،‮ ‬قد أطلت علينا بقوة متمثلة في‮ ‬التحول الدرامي‮ ‬في‮ ‬أسواق المنتجات الغذائية بصورة لم‮ ‬يشهدها أي‮ ‬سوق آخر منذ سنوات‮.‬ ‬فلقد ارتفع الطن الواحد من القمح على سبيل المثال من‮ ‬200‮ ‬دولار في‮ ‬مايو‮ ‬2007‮ ‬إلى‮ ‬400‮ ‬دولار في‮ ‬سبتمبر‮ ‬‭,‬2007‮ ‬أي‮ ‬بنسبة‮ ‬100٪‮ ‬في‮ ‬غضون ثلاثة أشهر فقط،‮ ‬وهو ما‮ ‬يمثل ضعفي‮ ‬سعر متوسط الطن من القمح في‮ ‬الخمس والعشرين سنة الأخيرة‮. ‬كما سجل سعر الذرة في‮ ‬العام الماضي‮ ‬ارتفاعاً‮ ‬تاريخياً‮ ‬بلغ‮ ‬175‮ ‬دولاراً‮ ‬للطن قبل أن‮ ‬ينخفض إلى‮ ‬150‮ ‬دولاراً،‮ ‬ومع ذلك فإن هذا السعر‮ ‬يزيد بنسبة‮ ‬50٪‮ ‬عن متوسط عام 2006.
‬ونتيجة لهذا الارتفاع فقد تحول المزارعون إلى زراعة هذه المحاصيل مما أثر بدوره على شحة الزراعة وبالتالي‮ ‬عرض محاصيل أخرى مثل الرز،‮ ‬ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بمتوسط‮ ‬يعادل نسبة الثلث‮.‬ ‬بطبيعة الحال فإن قوى السوق‮ (‬العرض‮/ ‬الطلب‮) ‬لها علاقة مباشرة بهذه الطفرة السعرية للمنتجات الغذائية‮. ‬فمعدل نمو إجمالي‮ ‬الناتج المحلي‮ ‬العالمي‮ ‬يحقق للعام الخامس على التوالي‮ ‬معدلاً‮ ‬كبيراً‮ ‬يفوق‮ ‬4٪‮. ‬كما أن ارتفاع الطلب على اللحوم في‮ ‬سوقين استهلاكيين كبيرين هما الصين والهند‮ (‬نتيجة لتحسن مستوى الرفاه الاجتماعي‮) ‬قد أدى إلى ازدياد الطلب على الحبوب لإطعام الحيوانات اللحمية‮. ‬فعلى سبيل المثال كان معدل استهلاك الشخص الصيني‮ ‬من اللحوم في‮ ‬عام‮ ‬20‭ ,‬1985‮ ‬كيلوغراماً‮ ‬في‮ ‬السنة،‮ ‬ارتفع إلى أكثر من‮ ‬50‮ ‬كيلوغراماً‮ ‬راهناً‮.‬ ‬ذلك صحيح ولكن الشيء المهم هنا هو انتهاج بعض الدول الرئيسية لسياسات تتصل باستحقاقات البيئة والتغيرات المناخية بصورة منفردة للتملص من الاستحقاقات الكبرى،‮ ‬والضغط على منتجي‮ ‬الوقود الأحفوري‮ (‬النفط والغاز‮) ‬بهدف إحداث تحول‮ ‬‭(‬Shift‭)‬‮ ‬في‮ ‬أنماط استهلاك مصادر الطاقة‮.‬ ‬في‮ ‬هذا الصدد،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬قامت الولايات المتحدة في‮ ‬عام‮ ‬2000‮ ‬بتحويل زراعة‮ ‬15‮ ‬مليون طنا من محصول الذرة إلى إنتاج الإيثانول لاستخدامه كمزيج طاقوي‮ ‬في‮ ‬المركبات‮. ‬ويتوقع أن تصل هذه الكمية هذا العام إلى‮ ‬85‮ ‬مليون طناً،‮ ‬علماً‮ ‬بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي‮ ‬إحدى أكبر الدول المصدرة للذرة،‮ ‬وهي‮ ‬الآن تستخدم بصورة متزايدة هذا المحصول لإنتاج الإيثانول بدلاً‮ ‬من تصديره إلى أسواق الاستهلاك العالمية‮.‬ ‬ولذلك فإن الإيثانول هو السبب الرئيسي‮ ‬لارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية والمنتجات الغذائية هذا العام،‮ ‬وذلك لارتباط هذا المحصول بخطوط إنتاج حيواني‮ ‬وغذائي‮ ‬عديدة‮.‬ ‬ومن الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يغري‮ ‬الطلب على الإيثانول المزارعين الأمريكيين لزراعة أراض زراعية بالذرة كانت مخصصة سابقاً‮ ‬لزراعة القمح وفول الصويا،‮ ‬وهو ما‮ ‬يُتوقع أن‮ ‬يرفع إنتاج الذرة في‮ ‬الولايات المتحدة هذا العام بواقع الربع،‮ ‬إلى‮ ‬335‮ ‬مليون طناً،‮ ‬مقارنة بالعام الماضي‮.‬ ‬وقد أدى ذلك إلى تراجع مخزون الحبوب في‮ ‬الولايات المتحدة العام الماضي‮ ‬بواقع‮ ‬35‮ ‬مليون طناً،‮ ‬كاشفاً‮ ‬عن أول مؤشر خام عن تخطي‮ ‬الطلب لجانب العرض في‮ ‬معادلة قوى السوق‮. ‬وفي‮ ‬التفاصيل فإن إجمالي‮ ‬الطلب الأمريكي‮ ‬من جانب برنامج استخدام الإيثانول كبديل طاقوي،‮ ‬بات‮ ‬يشكل أكثر من نصف الطلب العالمي‮ ‬على الحبوب الذي‮ ‬لم تتم تلبيته‮. ‬وبحسب تقديرات البنك الدولي‮ ‬فإن أسعار المنتجات الغذائية ما كانت لترتفع عالمياً‮ ‬بهذا المستوى وهذه السرعة لولا تحويل الذرة في‮ ‬الولايات المتحدة إلى ميثانول ليستخدم كوقود سائل في‮ ‬المركبات‮. ‬واعتبر البنك أن الحبوب المطلوب توظيفها لتشغيل محرك سيارة‮ ‬يكفي‮ ‬لإشباع شخص واحد لمدة عام كامل.
 
صحيفة الوطن
16 مارس 2008