المنشور

وزير الإعلام.. ومعرض الكتاب

لم تعد معارض الكتاب اليوم كسالف عهدها في العقود الماضية من القرن العشرين، وتحديدا خلال السبعة العقود الأولى منه، مجرد سوق بيع وشراء لكتاب بمختلف انواعه فلقد اصبح معرض الكتاب الدولي منذ مطالع السبعينيات بمثابة حدث وعرس ثقافي كبير يحتل مكانة وأهمية فائقة في الحياة الثقافية والعلمية لأي دولة يجرى فيها تنظيم هذا المعرض، ويعكس نجاحه تطور تلك الحياة الثقافية والعلمية للدولة وما تلعبه الدولة والفعاليات الثقافية والادبية والعلمية من دور في هذا التطور يعكس بدوره حضارة البلد الذي يجرى فيه تنظيم المعرض، وقياسا بتجربة البلدان الاوروبية والغربية الديمقراطية في تنظيم معارض الكتاب وبخاصة تجربة ألمانيا في تنظيم معرض فرانكفورت السنوي الدولي الكبير مازالت تجارب البلدان العربية في تنظيم معارض الكتاب متخلفة على الرغم من عراقة تجارب بعض العواصم العربية نسبيا كالقاهرة وبيروت ودمشق. وتتجلى مظاهر تخلف معارض الكتاب العربية عادة في عدة نواح:

1- سوء تنظيم المعرض من مختلف الجوانب كتنظيم الدخول والخروج، وضيق الاجنحة وممراتها وسوء عرض الكتاب، وعدم وجود دليل مطبوع لما هو معروض من كتب في كل الاجنحة ودور النشر مما يرهق معه المشتري او الزبون لدى عملية البحث عن الكتب التي يرغب في شرائها، والأسوأ من ذلك فانه قد برزت في السنوات الاخيرة ظاهرة أجنحة الكاسيتات والسيديات الدينية التي يعمد بائعوها الى رفع مكبرات اصواتها الى أعلى حد في وقت واحد وهي متجاورة.

2- محدودية تنوع الكتب المعروضة، فكثير من الاجنحة ودور النشر يكون هدفها من الاشتراك في المعرض هو الترويج لكتبها البائرة القديمة والقليل منها من يعتني بتقديم الجديد من الاصدارات الجديدة التي تستقطب اهتمام وجاذبية المثقفين والقراء. ولعل مما يسهم في هذه المحدودية تشديد الرقابة على الكتاب.

 3- ارتفاع اسعار معظم الكتب المعروضة وتدني نسبة الخصم حيث لا تتجاوز في أحسن الأحوال 20%، وهي النسبة الشكلية الوهمية المخادعة التي عادة ما يجود بها اصحاب دور النشر والمكتبات حتى في الأيام العادية خارج المعرض.

 4- تشديد الرقابة على الكتاب المعروض ولاسيما في السنوات القليلة الاخيرة. واللافت ان معايير الرقابة على الكتاب أضحت معايير تتسم بضيق الأفق الفكري سياسيا وادبيا ودينيا، ومن ثم طغيان المعايير الشمولية الدينية والاخلاقية والسياسية على المعايير المتسمة بالمرونة وسعة الافق، ومن المفارقات ان هذه المعايير كانت في عصر ازدهار الشموليات العربية اكثر تطورا من عصر الانفتاح السياسي والإصلاحات الراهن وهو ذاته عصر تطور وسائل الاتصال مثل الانترنت والفضائيات والهاتف النقال حيث لا معنى البتة لمصادرة المعلومة أو الكتاب في ظل تمكن القارئ من الحصول عليها من خلال تلك الوسائل الحديثة المتطورة.

5- جمود ورتابة الفعاليات الثقافية والأدبية المصاحبة لمعارض الكتاب العربي، هذا إذا ما تم اصلا تنظيم مثل تلك الفعاليات، اذ تكون الندوات والمحاضرات التي تنظم على هامش هذه المعارض روتينية تقليدية تفتقر الى التجديد والتشويق، كما تكاد وجوه الضيوف التي يتم استضافتها هي هي، وكذا الموضوعات التي يتم اختيارها لتلك الندوات والمحاضرات، وغياب التغطية الاعلامية الكافية والمتميزة للمعرض وفعالياته من قبل وسائل الاعلام الجماهيرية ولاسيما من قبل التلفزيون.

 واذا كانت هذه المظاهر المتخلفة التي تميز معارض الكتاب العربية قد تجلت حتى في المعارض العريقة صاحبة الشهرة كمعارض الكتاب الدولية السنوية في القاهرة وبيروت ودمشق فانها بلا شك أكثر بروزا في معارض الكتاب الخليجية وبضمنها معرض الكتاب البحريني المعروف بعراقته وتميزه بين معارض المنطقة. ولعل مما زاد الأمر سوءا ان الوزارة المعنية بتنظيم هذا المعرض “وزارة الاعلام” تولى حقيبتها في فترة سابقة رجل أبعد ما يكون عن الثقافة والاعلام وتغلب على خلفيته الفكرية النزعة المحافظة مما انعكس على ضيق معايير جهاز الرقابة وتشدده في حظر الكتب، وإذ يتولى الوزارة حاليا رجل عرف بانفتاحه الليبرالي جهاد بوكمال وحيث سيكون معرض الكتاب الجديد أول حدث ثقافي مهم في ظل ولايته الجديدة للوزارة فهل نأمل في ان يكون معرض الكتاب الوشيك الذي سيفتتح بعد أيام عرسا ثقافيا جديدا يستعيد مجد عراقة هذا الحدث الثقافي العلمي الكبير بما يليق بمكانة البحرين الثقافية في المنطقة، وذلك من خلال قدرة الوزير بالتعاون مع الجهة المنظمة “مؤسسة الأيام” على التصدي لمظاهر التخلف الخمسة المذكورة التي ميزت معارض الكتاب العربي جميعها في السنوات الأخيرة؟ ومن ثم هل يمكننا ان نتفاءل بأن يجعل الوزير جهاد بوكمال هذا المعرض الظاهرة الاستثناء بين المعارض العربية في تجاوزه كل او معظم تلك المساوئ الخمسة؟! نأمل ذلك.. ولننتظر لنر.

صحيفة اخبار الخليج
12 مارس 2008