المنشور

حينما اعتلى الزعيم كاسترو بقراره قمة المجد

“لا أطمح ولن أقبل.. أكرر إنني لا أطمح ولن أقبل بتولي مهام رئاسة مجلس الدولة وقيادة القوات المسلحة”.. هذه العبارة التاريخية كتبها الزعيم الكوبي فيدل كاسترو بخط يده بتاريخ 28 فبراير 2008م.. حينما أعلن استقالته من منصب الرئاسة، بعد أن قاد بلاده (جمهورية كوبا الاشتراكية) طوال نصف قرن من الزمان.. جاءت مليئة بالتحديات والتضحيات. إن إعلان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو تقديم استقالته هو قرار شجاع، قد تميز به صاحبه القائد والمناضل عن سائر القادة والرؤساء بأنظمتهم الاستبدادية لدى العالم الثالث، والرازحة تحت أمرة البنتاجون الأمريكي بمهانة وإذلال.. استقال الزعيم الكوبي من مناصبه الرئاسية، بعد أن ضرب النموذج الوطني المقدس في تسجيل أروع التاريخ النضالي والبطولي، منذ اللقاء التاريخي الأول ما بينه وبين الثائر الأرجنتيني (ارنستو تشي جيفارا) في المكسيك عام 1956م، وتتويج ذاك اللقاء بإشعال الثورة الكوبية الاشتراكية التي أطاحت بنظام العميل الأمريكي الديكتاتور (باتيستا) عام 1959م.. وبعد أن أقام القائد الكوبي كاسترو، هو ورفاق دربه، وعلى رأسهم جيفارا وراؤول كاسترو، دعائم النظام الاشتراكي، كشوكة في خاصرة “السي. اي. ايه”.. وقلعة للمبادئ الماركسية الاشتراكية في وجه الامبريالية الأمريكية والرأسمالية الطفيلية. ولعل ما يبعث على القول فخرا انه مثلما استشهد المناضل الثائر أرنستو تشي جيفارا من أجل حرية الشعوب في دول افريقيا وآسيا، ومن أجل تحرير دول أمريكا اللاتينية، وذلك على خطى ودرب المناضل (سيمون بوليفار).. فان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو كان يستشهد في كل يوم عبر أعوام ثورته.. حاملا راية المسحوقين والمحرومين والطبقات الدنيا من المجتمع.. وذلك من أجل بناء المجتمع الاشتراكي بأيديولوجيته وأركانه ومفاهيمه، مدعوما بمبدأ العدالة الاجتماعية والأفكار الاشتراكية، وصون الكرامة الإنسانية للشعب الكوبي.. بحسب ما واجه الزعيم الكوبي بمؤازرة من شعبه، السياسة الأمريكية الغازية، والسياسة الأمريكية الامبريالية الاوليجاركية ابان الصراع الأيديولوجي والحرب الباردة، وكذلك خلال نهاية الحرب الباردة.. وخرج عبر خضم وقسوة المعارك منتصرا ضد كل دسائس وحياكة المؤامرات التي دبرتها “السي. اي. ايه” ضد نظامه الاشتراكي الصامد، رغم الحصار الاقتصادي ضد كوبا وشعبها، ورغم تحريض العملاء من الكوبيين المنفيين، وعملية إنزال القوات الأمريكية في خليج الخنازير عام 1961م، وحياكة الكم الهائل من المؤامرات لاغتياله، ورغم سعي عشرة رؤساء أمريكيين في البيت الأبيض من أجل القضاء على الزعيم الكوبي، والقضاء على الحزب الشيوعي الكوبي، والقضاء على النظام الاشتراكي الكوبي.. فإن تلك المؤامرات الدنيئة كافة قد باءت بالفشل مفعمة بنقطة سوداء في النظام السياسي الأمريكي، ووصمة عار على جباه رؤسائها الذين تساقطوا جميعهم مهزومين أمام النظام الكوبي الاشتراكي، في الوقت الذي ظل رئيسه شامخ القامة والقوام، وشامخ البأس والجبين. غني عن البيان انه بقدر ما تخلى الثائر ارنستو تشي جيفارا عن الكرسي والسلطة، وعن منصبه مديرا عاما للمصرف المركزي، ومن ثم منصب الوزير للصناعة في كوبا، وتنازله عن كل الألقاب والامتيازات والأضواء والشهرة.. فان الزعيم فيدل كاسترو عاش حياة متواضعة ونزيهة، لا يمتلك من رصيدها سوى قيم المبادئ الماركسية والإنسانية التحررية النبيلة، القائمة على منهجية مبدئية وثورية، وقيم أممية وأخلاقية، كانت تمثل قدوة مضيئة رائعة للشعب الكوبي، بل لشعوب دول أمريكا اللاتينية قاطبة، التي أكدت هذه الدول بدورها، أن الأفكار الاشتراكية الأممية لا تموت، وإنما هي حية جدليا في وجدان الشعوب، ماثلة ديالكتيكيا في ضمير التاريخ، بحسب ما تجدد مفاهيمها وحقائقها (نوعيا وكيفيا) في مختلف دول أمريكا اللاتينية (تشيلي ونيكاراجوا وفنزويلا والبرازيل وبوليفيا والاكوادور وبيرو والمكسيك).. ولعل تلك المبادئ الماركسية التي بقدر ما تسلح بها الزعيم فيدل كاسترو ونظامه الاشتراكي.. التي لولا هذه النظرية الفلسفية الثورية لما استطاع مواجهة هجوم الولايات المتحدة المسلحة بأحدث الترسانة التكنولوجية والنووية، طوال نصف قرن من الزمان.. ولولا مؤازرة الشعب الكوبي ودعمه لقائده الذي آمن هذا الشعب بنظامه، وآمن بقيادته، لما استطاع النظام الاشتراكي في كوبا مواصلة الصمود خلال فترتي الحرب الباردة، ونهاية الحرب الباردة.. ومن هنا كان لزاما أن يواصل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو مهماته الوطنية ومسئولياته المبدئية في تسلم قيادة البلاد، من أجل البناء في الداخل والنهوض بالمجتمع الاشتراكي، ومن أجل مواجهة وصد العدوان وحياكة المؤامرات الأمريكية من الخارج. ورغم تخلي الزعيم الكوبي كاسترو عن مناصبه الرئاسية في 28 فبراير 2008م فإنه رسخ مقومات الشخصية الكاريزماتية التاريخية، لإنسان أكد انه مناضل ثوري وأممي شجاع، ومناضل ماركسي أصيل تجسدت مقومات هذه الشخصية، بمقولته بعد استقالته من الرئاسة “لا أقول الوداع لأنني أرغب في الكفاح كجندي يحمل أفكارا، وأواصل الكتابة تحت عنوان أفكار الرفيق فيدل.. وسيكون ذلك سلاحا من ترسانة يجب الاعتماد عليها وبما سيسمع صوتي.. سأكون حذرا.. شكرا”.. ولعل هذا ما يرعب “السي. اي. ايه” والبنتاجون الأمريكيين، وخاصة إن هذا التصريح صادر عن زعيم ماركسي فرض نظامه الاشتراكي أمام أعتى دولة امبريالية وعسكرية تهيمن على العالم في ظل أحادية القطبية، بقدر ما أكد مبادئه وأفكاره الأممية على الساحة العالمية خلال نصف قرن من الزمان، ومثلما لاقى الدعم والمؤازرة من المعسكر الاشتراكي وفي مقدمته الاتحاد السوفيتي آنذاك، بحسب ما كسب احترام زعماء دول عدم الانحياز (جمال عبدالناصر وتيتو ونهرو وسوكارنو) بقممها المتعددة.. وآخرها القمة التي انعقدت في هافانا في سبتمبر عام 2006م.. بحيث انتخب الزعيم فيدل كاسترو رئيسا رمزيا لها تقديرا لنضالاته وتضحياته وتاريخه.. وتجسيدا لعلاقته الحميمة مع أولئك الزعماء العظام.
 
صحيفة أخبار الخليج
7 مارس 2008