المنشور

مجلة “الثقافة الشعبية”

البحرين غنية عن التعريف بعراقتها في الثقافة الشعبية والتراث الشعبي بمختلف ضروبه الثقافية والدينية والاجتماعية والفنية. وليس من قبيل المبالغة القول إنها الأعرق بين بلدان المنطقة في ذلك والأكثر ثراء وتنوعا في هذا التراث، بل ومصدر إلهام إشعاعي لتأثر شقيقاتها بلدان الخليج العربي، بتراثها في حقب تاريخية مختلفة وإن بدرجات متفاوتة، وهو تأثر مازال متواصلا حتى تاريخنا المعاصر، من دون أن ينفي ذلك تأثرها هي الأخرى بمستويات معينة بتراث بلدان المنطقة الذي يشكل كلا واحدا رغم خصوصية كل تراث على الصعيد القُطري. بيد أن البحرين وعلى الرغم من هذه الخاصية والمكانة الريادية التي تتبوأ بها في تراث المنطقة فلعلها أكثر دول الخليج ظلما لنفسها في المحافظة على هذا التراث الحضاري وإحيائه وإبرازه. وعلى الرغم من أن إهمال الثروة التراثية هو سمة عامة تشترك فيها مجمل الدول العربية الخليجية فإن هذه الدول استطاعت على الأقل أن تتجاوزنا بدرجات في محنة التراث والمحافظة على الآثار التاريخية، وبقدر ما كان يحق لنا أن نفتخر بأن واحدا من كفاءاتنا الثقافية التراثية، ألا هو الصديق الأستاذ علي عبدالله خليفة، لعب دورا مميزا في تفعيل مركز التراث الشعبي الخليجي بالدوحة، وكان يقف وراء إصدار المرحومة المجلة الرائدة “المأثورات الشعبية” طوال 20 عاما حتى توقفت عن الصدور مع إغلاق المركز عام 2005م.. نقول بقدر ما كان يحق لنا أن نفتخر بهذه الكفاءة وهي تعمل على إحياء وتوثيق التراث على الصعيد الخليجي العربي المشترك، بقدر ما كان يحز في نفوسنا أن نفتقده سنوات طويلة لغيابه عن العمل في حقل مناجم تراثه الوطني البحريني الزاخر بكنوزه العظيمة، أو على الأقل أن يكون ذلك المركز الخليجي التراثي الذي يعمل فيه مقره البحرين، حيث مكانه الطبيعي الأنسب. محنة ثروتنا التراثية، هي محنة مزمنة مؤلمة متعددة الأبعاد والأسباب يرثي لحالها العدو قبل الصديق، وليس هنا مجال تناولها أو استدرار الدموع حولها إذ يعرفها القاصي والداني على الصعيد الرسمي وعلى الصعيد الشعبي بوجه عام، وعلى الصعيد النخبوي الثقافي بوجه خاص، وعلى صعيد عشاق التراث والمتخصصين فيه بوجه أخص. ولا أخفي عليكم شخصيا أن هذه الحالة المزرية التي بات عليها تراثنا البحريني، العريق في تاريخه والثري في تنوعه، هي التي حفزتني شخصيا ونخبة متميزة من الأصدقاء المتخصصين في التراث أو الملمين بجوانب منه لأن نجتمع قبل نحو سبع سنوات، وتحديدا غداة إطلاق جلالة الملك مشروعه الإصلاحي، للتباحث في المآل الذي آل إليه تراثنا الشعبي وما يمر به من وضع مأساوي دقيق يهدد باندثاره وانقراضه، أو على الأدق انقراض جزء كبير منه لا يعوض. وتبين لنا من خلال تدارس هذا الوضع من جميع جوانبه أنه لا مفر لنا من توفير الأداة التنظيمية المؤسسية المساعدة التي تمكننا من أن نسهم ما يمكن الإسهام به في إحياء التراث الشعبي وانتشال ما يمكن انتشاله من وضعه المزري الحالي حيث يواجه الإهمال المتفاقم، وهذه الأداة ما كانت سوى إنشاء جمعية تعنى بإحياء تراثنا البحريني بمختلف مجالاته من عادات وتقاليد ومعتقدات دينية وثقافة وفنون شعبية.. الخ، وكان من ضمن طليعة هذه النخبة التراثية الفقيد الراحل والبحاثة التراثي الصديق الأستاذ صلاح المدني والبحاثة التراثي المعروف الصديق الأستاذ كريم العريض. وقد قطعنا على مدى نحو خمس سنوات شوطا مهما من الاجتماعات التدارسية والتباحثية المتواصلة، فتمت صياغة مشروع الجمعية، ووضعنا نظامها الأساسي القانوني وتقدمنا بطلب إشهارها لدى وزارة العمل والشئون الاجتماعية (قبل فصل الشئون الاجتماعية عن العمل). لكن ولادة المشروع كانت متعسرة ولم تر النور، وذلك لأسباب متعددة ذاتية وموضوعية ليس هنا مكان ذكرها. ولعل خير عزاء بل أفضل عزاء لنا نتلقاه عوضا عن تلك الولادة المجهضة ما زفه إليّ الصديق الدكتور محمد جابر الأنصاري، المستشار الثقافي لجلالة الملك، قبل فترة وجيزة من خبر وجود مشروع كبير جديد يعنى بإحياء تراثنا الشعبي والعربي بوجه خاص والعالمي بوجه عام، وذلك من خلال مجلة علمية رصينة متخصصة سيرأس تحريرها الصديق القدير الأستاذ علي خليفة وستصدر تحت عنوان “الثقافة الشعبية”، وسيكون إلى جانبه في هذا المشروع هيئة علمية تتكون من نخبة متميزة من الباحثين من عدة دول عربية وأجنبية، بينها البحرين بالإضافة إلى هيئة مستشاري التحرير. وحينما عرض علي الدكتور الأنصاري، بحكم مسئوليته كمستشار ثقافي لجلالة الملك المعروف بولعه وعشقه للتراث الشعبي، الإسهام في هذه المجلة لم أتردد على الفور في إبداء ترحيبي بحماس كبير لهذا المشروع وإبداء استعدادي التام لبذل كل جهد لتقديم ما يمكنني تقديمه للمشروع، ولاسيما أن من يقف وراء إدارة تحرير المجلة صديق ضليع في حقل البحث التراثي ألا هو الأستاذ علي عبدالله خليفة الذي اتصل بي بدوره عارضا عليّ الانضمام إلى هيئة مستشاري التحرير، حيث شكرته وباركت له هذا المولود المنتظر أن يرى النور قريبا، وأبديت موافقتي على الانضمام إلى المشروع بلا تردد. ولا شك في أن سعادتي بخبر مشروع المجلة هي أكبر من سروري بما عرضه عليّ الإخوة للتعاون معهم فيها. وإنني لعلى ثقة كبيرة بأن هذا الصرح الثقافي التراثي الجديد سيكون هذه المرة قابلا للاستمرار والديمومة والتطور وذلك لأنه كما هو واضح قد شيد على أسس ودعائم متينة راسخة وتتوافر فيه كل مقومات النجاح، كما بينت سلفا. وإذ أوجه من هذه الزاوية لكل المخلصين والغيورين على تراثنا من الباحثين والمثقفين الدعوة إلى التعاون مع هذا المشروع الجديد لإحياء تراثنا الشعبي بوجه خاص فإني أتمنى لكل القائمين على المشروع وفي مقدمتهم الأخ الصديق علي خليفة كل التوفيق والنجاح وخالص التهاني القلبية بصدور المجلة الجديدة.
 
صحيفة اخبار الخليج
23 فبراير 2008