المنشور

للأبواب حالات،‮ ‬وللبشر أيضاً‮!‬

الباب انتقال من عالم إلى آخر،‮ ‬دخول من خارج أو خروج من داخل‮. ‬ويبدو أن الباب هو في‮ ‬الأصل امتداد للجدار،‮ ‬لأن القاعدة فيه أن‮ ‬يكون مغلقاً،‮ ‬يفتح فقط للضرورة،‮ ‬عند الدخول والخروج،‮ ‬كأن ما خلفه‮ ‬يبعث على الأمان،‮ ‬وكل ما كان خارجه‮ ‬يبعث على الترقب والخوف والحذر‮. ‬الباب بهذا المعنى حافظ للسرية وللخصوصية ولحكايات الناس‮ ‬غير القابلة للتداول‮.‬ لغز الغرفة المُغلقَة،‮ ‬في‮ ‬الأدب البوليسي،‮ ‬هو نوع معين من قصص الغموض،‮ ‬بحيث لا أحد‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يكون قد دخل أو‮ ‬غادر مسرح الجريمة،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون موت الضحية انتحاراً‮.‬ ازدهرت ألغاز الغرفة المغلقة مع كتاب أمثال جون ديكسون كار،‮ ‬كلايتون راوسون،‮ ‬وأغاثا كريستي،‮ ‬حيث تدور أحداث مملوءة بالغموض خلف الأبواب،‮ ‬وللباب حالات‮.‬ الباب المفتوح‮ ‬يدعوك للدخول،‮ ‬فكونه مفتوحاً‮ ‬ينطوي‮ ‬الأمر على دعوة للولوج إلى ما ورائه،‮ ‬وفتح الباب دلالة على أن لا شيء خطر‮ ‬يجري‮ ‬خلفه،‮ ‬أو انه ليس هناك ما‮ ‬يستحق أن‮ ‬يخفى‮. ‬ أما الباب المغلق فيوحي‮ ‬بالقطيعة بين الداخل والخارج،‮ ‬ويخلق لديك الإحساس بأن شيئا‮ ‬غامضا ما وراءه‮. ‬هل حدث لأحدكم أن جاور بيتاً‮ ‬مهجوراً،‮ ‬أبوابه مغلقة على الدوام،‮ ‬وهل لاحظ أن ثمة شعورا بالوحشة والرهبة‮ ‬يبعثه في‮ ‬نفسه منظر الأبواب المغلقة التي‮ ‬لا تفتح؟ على ان أكثر حالات الباب إثارة للفضول هو حال الباب الموارب،‮ ‬فهو ليس مفتوحا‮ ‬يمكن الولوج عبره بسهولة،‮ ‬وليس مغلقا ليحثك على فتحه أو اقتحامه إذا اقتضى الأمر‮.‬ إن كونه نصف مفتوح أو ربع مفتوح بشكل لا‮ ‬يسمح لك بالدخول ولا برؤية ما وراءه،‮ ‬يبعث على الحيرة،‮ ‬ويجعلك في‮ ‬حال ترقب خروج أحد من خلفه في‮ ‬أية لحظة‮.‬ للبشر،‮ ‬كما الأبواب،‮ ‬حالات‮. ‬ الإنسان الواضح‮ ‬يمكنك التعاطي‮ ‬معه بيسر وسهولة،‮ ‬والإنسان المغلق،‮ ‬إن عجزت عن اقتحام عالمه،‮ ‬ولّيت عنه الأدبار‮.‬ لكن أصعب أنواع البشر هم الناس المواربون‮. ‬إن عالمهم‮ ‬ينطوي‮ ‬على شيء من الخديعة،‮ ‬لا تعرف أهم‮ ‬يدعونك للإقبال أم للإدبار‮.‬ إنه الغموض في‮ ‬أبغض تجلياته،‮ ‬لا‮ ‬يقبلونك ولا‮ ‬يرفضونك،‮ ‬لا‮ ‬يحبونك ولا‮ ‬يكرهونك،‮ ‬وتحار كيف السبيل للتعامل معهم،‮ ‬فهو أشبه بالمشي‮ ‬على خط السيرك الرفيع الذي‮ ‬يهددك بالوقوع عنه في‮ ‬كل لحظة.
 
صحيفة الايام
23 فبراير 2008