المنشور

آسيا التي‮ ‬لا نعرفها

تشكل آسيا المحيط الجغرافي‮ ‬والسياسي،‮ ‬لا بل والثقافي‮ ‬الذي‮ ‬نتأثر مباشرة أو‮ ‬غير مباشرة بأجوائه وأنوائه،‮ ‬ومع ذلك فإن حدود معرفتنا به ضيقة،‮ ‬بل إننا إلى الجهل بما‮ ‬يدور فيه أقرب من أي‮ ‬قدر من المعرفة‮.‬ وليست الجغرافيا وحدها ما‮ ‬يشدنا إلى آسيا،‮ ‬وإنما التاريخ أيضاً‮ ‬الذي‮ ‬شهد ويشهد،‮ ‬كونه عملية مستمرة،‮ ‬حالاً‮ ‬من التفاعل الثقافي‮ ‬الثري‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكن للعين الراصدة أن تخطئ آثاره ومظاهره‮. ‬ولو أن الأمور تسير كما‮ ‬يجب أن تسير لكان لدينا الكثير من الباحثين والمختصين والمتابعين للشؤون الآسيوية كي‮ ‬نعرف القارة التي‮ ‬نشكل جزءاً‮ ‬منها،‮ ‬ونضع ملامح رؤيتنا المستقبلية لأنفسنا ولبلداننا على ضوء قراءتنا العلمية للأحداث الجارية حولنا في‮ ‬آسيا القريبة منا،‮ ‬وفي‮ ‬آسيا البعيدة كذلك‮. ‬ ولو أن الأمور تسير كما‮ ‬يجب أن تسير لكان في‮ ‬جامعاتنا ومراكز البحث عندنا وحدات مختصة بالدراسات الآسيوية تدرس موقعنا من القارة وتأثرنا بالراهن وبالمقبل من تطوراتها،‮ ‬خاصة أن بلداننا مرتهنة في‮ ‬أوضاعها إلى وجود هذا العدد الهائل من العمالة الآسيوية التي‮ ‬تعيش بين ظهرانينا والتي‮ ‬تؤثر فينا أكثر مما نؤثر نحن فيها،‮ ‬وهو أمر‮ ‬يخلق الكثير من الوشائج القوية بيننا وبين بلدانها سواء تم ذلك برغبتنا أو بعدمها‮.‬ كم نعرف مثلا عن الهند،‮ ‬هذا البلد العظيم في‮ ‬حضارته وتاريخه وفي‮ ‬ثقافته الغنية المتنوعة،‮ ‬وفي‮ ‬تجربة الممارسة الديمقراطية فيه التي‮ ‬هيأت له درجة من الاستقرار ومن العيش المشترك لمكونات شعبه العرقية والدينية والاثنية؟ وجهلنا بالهند لا‮ ‬يقل عن جهلنا بثقافة عريقة أخرى مجاورة لنا،‮ ‬هي‮ ‬الثقافة الفارسية التي‮ ‬تقع على مدى رمية حجر منا،‮ ‬وهي‮ ‬الأخرى حضارة مكتنزة بالثقافة والمعرفة من دون أن نعرف عن واقعها الحديث أية معلومة،‮ ‬ومن دون أن تعوزنا الأسباب لتبرير القطيعة معها،‮ ‬جاعلين من السياسة ونزوعات التعصب سداً‮ ‬بيننا وبينها‮.‬ إننا إذ نتجشم مهام التعرف إلى ثقافات بعيدة عنا ونعد معرفتنا ببعض رموزها وجاهة نتباهى بها،‮ ‬لا نكاد نعرف اسم شاعر أو أديب من الهند أو باكستان أو إيران‮. ‬ونحن إذ نتابع ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬أبعد المناطق جغرافية عنا نكاد نجهل أي‮ ‬شيء عن بلدان آسيوية محورية تقع مباشرة خلف السور الخارجي‮ ‬لبيتنا‮.‬
 
صحيفة الايام
20 فبراير 2008