المنشور

نقلق من أجل الوطن


يبدو الوطن مرهقاً بتساؤلات مقلقة مشروعة، بسبب شواذ وممارسات انطلقت ممتطية شعارات كبيرة، ما لبثت أن أدت بنا إلى صراع مع المنطق، ومع الضمير، ومع الواقع. وهذا ما كنا بغني عنه لو لم نسمح بأمور كثيرة منها ما قد يدخل في صميم الاستعصاء على الفهم، ومنها ما هو واضح لمن يتعمق في طياتها ويدخل في لب متاهاتها، وتبقي تبريرات من يقفون ورائها ويغذونها مخجلة باستمرار ، ولا أحد منهم مسئول .. !! أنه شيء مخيف ، أو يستوجب الخوف ، الخوف من عدم فهم أو استيعاب ما يجري في حاضرنا من ممارسات وأمراض تفتك بواقعنا ومجتمعنا ، والخوف من عدم وجود رؤية حقيقية واعية لمستقبلنا تنبني عليها المواجهة، ونبني عليها الآمال ، وأمام هذا الوضع نظل نعيش أجواء شديدة القلق:
•  نقلق حينما نعجز عن تجاوز آفة الطائفية بكافة وجوهها، وعندما نجد من يغذي هذه الآفة باستمرار في المجتمع وفي وعي الناس، لتكون الطائفية سوقاً سوداء للتداول والتنافس على المنافع والسلطة والمصالح الشخصية والولاءات الضيقة .    
• نقلق أمام اتساع قاعدة المتاجرين بالقيم والمبادىء يستثمرونها وفق مصالحهم، يعززون مواقع التسلط والتفرد على حساب المجتمع والمؤسسات .
• نقلق حيال حقيقة بعض من ينادون بالديمقراطية والحرية وحقوق الشعب، ولكن بمفهوم تراث الغنيمة، وعقلية العشيرة، ومصلحة الطائفة.
• نقلق حينما نتلكأ في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات ونصر على أن تكون حقوق الناس مجرد هبات ومكرمات .
• نقلق حينما يصبح مفهوم المصلحة العامة مفهوماً مطاطاً يركبه كثير من أصحاب السلطة والنفوذ والمصالح الخاصة ممن هم بعيدين عن التفاعل مع حيثيات ومرامي المصلحة العامة بل ومارسوا تجاوزاتهم باسم وشعار المصلحة العامة.
• نقلق حينما نجعل الكثير من الأعمال والمشاريع العامة مجرد ” بروباجندا ” مقابل تدني الاهتمام الفعلي بأمور أكثر قيمة للمواطن والوطن، وحينما تكون هناك مشاريع ورقية ، أو مشاريع أخرى مجمدة بسبب مصلحة فلان واعتراض علان، أو نرى مشاريع شراء الود أو الولاء السياسي، مما يسرب المال في غير قنواته أو يوجهه في مشاريع تنفيعية أو غير مجدية .
• نقلق من مستقبل لا يعرف التخطيط ، ولا يحسن استخدام الموارد الطبيعية ، ولا يجيد غير الاستمتاع العبثي بالثروة .
• نقلق من إمعان بعض أصحاب السلطة والنفوذ في ازدراء القانون وينصبون له المشانق في كل مكان، وجعل القوة فوق القانون، ولازالوا يستفزوننا حينما لا يجدون لغة يتحدثون بها غير شعار يرفعونه: دولة القانون.
• نقلق حينما يتربع أناس على مقاعد لا تناسبهم، وعندما نجد طوابير من الكفاءات الحقيقية تنعي حظها العاثر فقط لأنهم ليسوا من أهل الثقة.
• نقلق حينما يرتبط مصير الناس بانفعالات البعض ومزاجيتهم التي لا تتوقف عن التهاون ولا تقود إلى بر  الأمان الوطني والاجتماعي .
• نقلق عندما نجد بأنه ليس هناك من هو أكثر حديثاً عن الإصلاح من الذين خربوا ولوثوا وأفسدوا .
• نقلق حينما نجد أنفسنا بين فريقين أحدهما الغالب المهموم إلى حد الاكتئاب لا يمتلك شيئاً لا في الحاضر ولا المستقبل ، والآخر مبسوط إلى حد السفه يملك الحاضر والمستقبل .
• نقلق بوجود علاقات وممارسات تدمر كل القيم وتأخذ في طريقها القضايا الكبيرة، وتجعل شعارات الوطن شعارات مبتذلة أو مكاسب شخصية أو فئوية أو طائفية .
• نقلق من هؤلاء الذين يسعون حثيثاً إلى أن يزداد التخلف تعاظماً وأن يبتعد عنا التقدم نوعاً ومسافة .
• ونقلق من علاقات تحولت إلى أدوات استنزاف ونهب وفساد، وفتحت أبواباً كثيرة لاستثناءات وامتيازات مفرطة غير مشروعة لأناس بعينهم، وفتحت طرقاً مفروشة بالرشاوي من كل شكل ولون.
• نقلق من استمرار إعطاء الفرص تلو الفرص لفاشلين وعديمي كفاءة ومتسللين وأدعياء ليقتحموا كل مجالات حياتنا دون خجل أو حياء، وفرض وجوه بعينها تكاد تتكرر في كل مشهد.
• ونقلق من هذه الحالات الكثيرة من الشك والارتياب على جدية مسارات الإصلاح والتنمية لأنها جندت ضعاف النفوس من البشر الذين انخرطوا في موكب المصالح والمغانم والمطامع الشخصية.
• نقلق عندما لا نستطيع أن نستبعد بعض ممن هم محسوبين على القوى السياسية الأهلية، ومع مؤسسات أهلية دينية من الفساد. وعندما يصبح بعض دعاة الإصلاح فرسان الفساد.
• نقلق لأن مكافحة الفساد المستشري لم يصبح هو العنوان الأبرز في برنامج عمل الحكومة، ونقلق حيال إصرار البعض على إقناعنا بضرورة مكافحة الفساد كما لو أنه يبرئ ذمته . 
• وأخيراً وليس آخراً، نقلق من استهلاك قدرات أفراد المجتمع إبتداءً بالوقت ومروراً بالطموح وانتهاءً بالمستقبل . 

ذلك غيض من فيض مما يبعث على القلق، فاللائحة لو أردنا تطول وتطول ، أليس كل ذلك كافٍ ليثير فينا قدرٍ عميقاً من القلق الذي يتعاظم أمام شعورنا بأننا مثل سفينة تبحر بدون خطة مرسومة في عالم مليء بالتناقضات والتحديات، والله يستر.
 
خاص بالتقدمي