المنشور

نهب الأشياء الصغيرة لمن نحب

هناك جدل قديم أو مقابلة بين مفهومين هما: الخاص والعام، لو طبقنا ذلك على مجال العلوم الاجتماعية مثلا لأعدنا السؤال: هل هناك ناظم واحد من القوانين العامة التي تحكم تطور كل المجتمعات، كما ذهب ابن خلدون مثلا ومن بعده بعض المذاهب الفلسفية الكبرى، بحيث ما علينا سوى أن نفتش عن أشكال تجلي القانون العام في تضاعيف البنى المحلية الخاصة، أم أن هناك قواعد خاصة تحكم تطور كل مجتمع أو مجموعة مجتمعات يحب اكتشافها والاسترشاد بها، عوضاً عن الاتكاء على قوالب وأحكام جاهزة؟ هذا سؤال وجيه، لأن الاحتفاء بالعام كثيرا ما جاء مسطحاً ومصاباً بفقر الدم، حيث أغفل الخصوصيات التاريخية والثقافية وأشكال الوعي الاجتماعي، الذي يتطلب الأمر في حالات كثيرة نقل مركز الثقل في البحث إليها، على غرار ما فعل غرامشي مثلاً أو على غرار ما تذهب إليه بعض مذاهب الانثروبولوجيا الحديثة التي تتوجه نحو دراسة نظم القرابة ومكانة البنى التقليدية والعائلة وسواها، خاصة في مجتمعات العالم النامي التي لم تستطع الحداثة أن تفكك فيها هذه البنى. هناك مقابلة أخرى بين الخاص والعام في مجال مختلف هو مجال الاقتصاد، وقد ازداد العالم انشغالاً بهذه المقابلة أو المقارنة منذ أن ظهرت في الثمانينات الميول الريجانية – التاتشرية لإعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في الاقتصاد، وهو الميول الذي وجد له رواج في كل مكان. والملاحظ أننا حين نتحدث عن القطاع العام نقرنه غالباً بالفوضى والإهمال وبسوء الأداء والعجز.. الخ، أما القطاع الخاص فهو قرين التنظيم والسرعة والخدمة الممتازة. لاحظ ذلك في علاقتنا المعلنة أو المضمرة مع التعليم الخاص أو مع الطب الخاص. وبعد أن كانت الحكومات مطالبة بأن تنجز وأن تقدم الخدمات، أصبحت الأصوات ترتفع مطالبة بأن تسلم مفاتيح ما أنجزته للقطاع الخاص.  لكن سيظل السؤال قائما حول القدرة على تحقيق المعادلة الصعبة بين رغبة القطاع الخاص في تحقيق الربح ولو بأداء اقتصادي وخدماتي أفضل وبين واجب الحكومات في تحقيق الضمانات الاجتماعية لمواطنيها. وثمة مقابلة أخيرة بين الخاص والعام، تتصل بعلاقة الفرد مع الجماعة. ما هو الخصوصي وما هو العمومي في حياة المرء؟ هل يكفي القول إن حرية المرء تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين كما هو شائع؟ ما نفعل، إذاً، إذا كانت حرية الآخرين هي من الاتساع بحيث تصادر ذلك الهامش المتواضع من حرية الفرد؟ وألا يحتاج المجتمع لكي يكون أكثر انسجاماً واتساقاً بأن يدرك أن هذا القول، حتى لو كان صحيحاً بشكل عام أو مجرد، فإنه بحاجة لتحديد متى يستطيع المرء الموازنة بين واجبه الاجتماعي وبين حقوقه كفرد. في هذا السياق يحضرني بيت من الشعر للشاعر الهندي الكبير طاغور يقول: “أهب الأشياء الصغيرة لمن أحب، أما الأشياء الكبيرة للجميع”.. ألا يكفي ذلك؟
 
صحيفة الأيام
14 فبراير 2008