المنشور

اغتيال البيئة‮..!‬

الأمر الذي‮ ‬يتجاهله كثيرون،‮ ‬أن هناك من لا‮ ‬يزال‮ ‬يصر على جعل البلد كله عقاراً‮ ‬معروضاً‮ ‬للبيع والاستثمار من دون أدنى مراعاة أو اعتبار للبعد البيئي‮..‬
وكم هو مخيب للآمال أن من نظن أنهم مسؤولون ومعنيون بالشأن البيئي،‮ ‬وأننا منهم نستفيد ونستزيد لا‮ ‬يرون بأن البيئة السليمة حق أساسي‮ ‬من حقوق الإنسان،‮ ‬وأنه لا‮ ‬يمكن أن تنفصل تدابير ورعاية البيئة عن التنمية العادلة المتوازنة،‮ ‬فالبيئة السليمة تعني‮ ‬نوعية الحياة،‮ ‬وإمكان الاستمرار في‮ ‬العيش دون منغصات في‮ ‬آن واحد،‮ ‬وسيكون من الخطأ الفادح تجاهل الثمن الباهظ من إهمال الاعتبار البيئي‮ ‬في‮ ‬أساس المعادلة التنموية والاقتصادية،‮ ‬فالخسائر الاقتصادية عن التدهور البيئي‮ ‬يمكن أن تفوق معدلات أي‮ ‬نمو في‮ ‬المسارين التنموي‮ ‬والاقتصادي‮.‬
ورغم كل العناوين والشعارات نفاجأ بأنه لا توجد لدينا حتى الآن رؤية استراتيجية تصوّب الوضع البيئي‮ ‬الراهن،‮ ‬وتحدث عملية اقتحام جريئة وواعية وعلمية ومدروسة لمشكلة البيئة،‮ ‬وتضع الملف البيئي‮ ‬برمته في‮ ‬صدارة أولويات الدولة،‮ ‬وبحيث لا‮ ‬يختزل الاهتمام بهذا الملف كما هو حاصل الآن ببرنامج،‮ ‬أو إجراءات،‮ ‬أو ندوات،‮ ‬أو تصريحات،‮ ‬أو وعود وتطمينات‮ ‬يفهم منها كل صاحب عقل رشيد أنها عديمة الجدوى والفاعلية،‮ ‬ولذلك فلن نستغرب ولن نفاجأ من استمرارية ما‮ ‬يجري‮ ‬أمامنا من تعديات ومخالفات صارخة على البيئة،‮ ‬ولعلنا في‮ ‬هذا السياق نستشعر‮ ‬غصة أمام نوعية من الأخبار التي‮ ‬نشرت في‮ ‬الأيام الماضية فقط والتي‮ ‬تعبر عن أحد أوجه المشكلة البيئية،‮ ‬ودونما الدخول في‮ ‬التفاصيل،‮ ‬فإن هذه الأخبار والتعليقات تشير على سبيل المثال إلى قيام مستشفى خاص بإلقاء نفايات طبية خطرة في‮ ‬حاويات النفايات المنزلية،‮ ‬كما تتطرق إلى عجز الجهات المعنية الاعتراض على مشاريع تنسف الثروات البحرية،‮ ‬وأن هناك مشاريع استثمارية تقدر بعشرات المليارات من الدنانير تستثمر على حساب ثرواتنا البحرية،‮ ‬وتجعل البحر والهواء والماء والموارد الطبيعية عرضة لأنواع ومستويات مختلفة من الملوثات‮.‬
نعلم أنه لا‮ ‬يمكن معالجة المشكلات البيئية دفعة واحدة،‮ ‬ولكننا نعلم أيضاً‮ ‬أهمية وضع الشأن البيئي‮ ‬في‮ ‬سلم الأولويات،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمة محاور الرؤية والاستراتيجية الاقتصادية والتنموية المستقبلية للبحرين التي‮ ‬نفترض بأن مجلس التنمية الاقتصادية قد انتهى من وضعها،‮ ‬وعلى جهات الاختصاص أن تباشر دون تلكؤ تحديد حجم المشكلة البيئية بكل جوانبها وأبعادها وبكل شفافية،‮ ‬وعلينا معرفة الضرر الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكن إصلاحه جراء هذه التعديات الحاصلة على البيئة،‮ ‬والأثر على صحة الإنسان،‮ ‬وعلى نوعية الحياة،‮ ‬والسياسة البيئية المتبعة حالياً‮ ‬إن وجدت،‮ ‬وإمكانات التوقف فوراً‮ ‬عن أي‮ ‬عمل‮ ‬ينتج ضرراً‮ ‬بيئياً،‮ ‬حتى لو أدى هذا التوقف إلى تأخير في‮ ‬مشاريع اقتصادية أو إلغائها طالما تلحق ضرراً‮ ‬فادحاً‮ ‬بالبيئة،‮ ‬كما علينا معرفة مدى جاهزيتنا في‮ ‬التوصل إلى خطة تفصيلية عاجلة تعتمد على سياسات ومعايير ومؤسسات وأدوات وتدابير تنفيذية ومدعومة قانونياً‮ ‬وتشريعياً‮ ‬حتى نكون قادرين ومؤهلين على إدارة الملف البيئي‮ ‬بكل كفاءة واقتدار،‮ ‬دون أن ننسى دعم الجهاز المعني‮ ‬بالبيئة وتقويته بالكفاءات والخبرات‮.‬
هناك العديد من الأفكار التي‮ ‬يمكن بحثها اذا انوجد الاهتمام الفعلي‮ ‬الذي‮ ‬يأخذ مداه الحقيقي‮ ‬بالشأن البيئي،‮ ‬فعلينا ضمن هذه الأفكار أن نبحث تعزيز دور الجمعيات الأهلية في‮ ‬مجال حماية البيئة،‮ ‬خاصة جمعية حماية البيئة،‮ ‬كما ندعو الى تفعيل دور المعاهد العلمية والجامعات والشركات والمنظمات في‮ ‬مجال حماية البيئة ونشر تقارير دورية حول وضع البيئة في‮ ‬البلاد،‮ ‬بالإضافة إلى تدارس فكرة إنشاء مجلس أعلى للبيئة كهيئة سياسية مكلفة بمهمة حماية البيئة والتنسيق البيئي‮ ‬بين الوزارات والأجهزة المختلفة ومخولة باتخاذ قرارات ملزمة،‮ ‬كما‮ ‬يمكن في‮ ‬إطار هذا المجلس بحث تشكيل هيئة طوارئ بيئية من أبرز الاختصاصيين والخبراء وذوي‮ ‬العلاقة،‮ ‬تكون مهمتها أن تنجز في‮ ‬أسرع وقت ممكن مسحاً‮ ‬لجميع المشاريع والبرامج البيئية لتقييم نتائجها ومراحل تنفيذها وتقرير إمكانات الاستفادة المثلى منها،‮ ‬وتحدد الأولويات البيئية التي‮ ‬يجب معالجتها خلال سنة مثلاً‮ ‬لتخفيف حدة التدهور البيئي‮ ‬إلى حين بدء تنفيذ برامج الإدارة البيئية المتكاملة التي‮ ‬تتيح إجراء المحاسبة وتحديد مواقع النجاح والفشل،‮ ‬إلى جانب إنشاء أجهزة بيئية فنية لمتابعة الملوثات والقضايا البيئية في‮ ‬مجالات وقطاعات مثل البلديات،‮ ‬الكهرباء،‮ ‬النفط،‮ ‬الصناعة،‮ ‬والانبعاثات الغازية المسموحة من المصانع والآليات والسيارات وغيرها،‮ ‬وفرض تطبيق معايير صارمة بالمراقبة والتفتيش والغرامات والجزاءات‮.‬
أخيراً،‮ ‬لابد أن نعي‮ ‬جيداً‮ ‬أن حماية البيئة هو استثمار في‮ ‬المستقبل‮ ‬يقوم على حس بالانتماء المجتمعي،‮ ‬وأن تدهور البيئة هو خسارة للموارد‮ ‬يقود حتماً‮ ‬إلى مسارات تنموية‮ ‬غير سليمة‮. ‬والسؤال الكبير والمهم ليس ما اذا كان هناك اهتمام أو نوايا صادقة في‮ ‬مجال حماية البيئة،‮ ‬أو أن مشروع قانون بشأن حماية البيئة المعروض على السلطة التشريعية والذي‮ ‬بشرنا بأنه‮ ‬يتماشى مع متطلبات حماية البيئة‮ ‬يترجم هذا الاهتمام،‮ ‬ويعكس تلك النوايا،‮ ‬وإنما هو ما اذا كانت ارادة حماية البيئة الحقيقية متوافرة أم لا؟‮!‬

صحيفة الايام
15 فبراير 2008