المنشور

أسئلة عن الشباب

ذات مرة قرأت لصحافية عربية شابة تسخر من الندوات التي تقام في العالم العربي تحت عناوين كبرى، ولكنها تتحاشى أن تمس عصب الأشياء والمشاغل الرئيسية التي تقلق المجتمع العربي. وترى هذه الصحافية، مُحقة، أن الشبيبة العربية، من حيث هي معاناة وتطلعات، الغائب الأكبر عن هذه الندوات، فيما هي في الجوهر المحور الحقيقي للأزمة التي نعيشها وللحلول المتوخاة إذا كنا نريد أن نتحدث عن رؤية مستقبلية. وقد اقترحت الكاتبة عددا من المحاور لما أسمته: “نقاط التفجير” في الموضوعات التي يجب أن تناقش. ومن هذه المحاور مثلا: “الشباب والهجرة، الشباب والبطالة، الشباب والفقر، الشباب والأسرة، الشباب والهوية، والشباب والزواج والحب، الشباب والخيارات الثقافية، الشباب والانتماء الوطني”.  لو أردنا “بحرنة” هذه المحاور التي اقترحتها هذه الصحافية، أي أن ننظر إليها من زاوية أوضاع الشباب في بلدنا، لوجدنا أنها كلها، أو في أقل تقدير معظمها، تصلح لأن تكون عناوين لندوات وحلقات بحث ودراسات تمس المفاصل الرئيسية لقضايا الشباب الخليجي.  تلك المحاور كما لاحظنا تغطي أوجها اجتماعية – معيشية كتأثير البطالة والفقر مثلا على الشباب وعلى أمزجتهم وتكوينهم النفسي وطبيعة انخراطهم في الحياة أو المجتمع. كما تغطي أوجها ثقافية – سياسية مركبة كموضوع الهوية والخيارات الثقافية ومسألة الانتماء الوطني. وهذا العنوان الأخير، أي الانتماء الوطني، لا يمكن التعاطي معه تعاطيا رومانسيا أو عاطفيا. فلكي نعمق لدى الشبيبة روح الانتماء للوطن يجب أن تبذل جهود كبرى تجعل هذه الشبيبة تشعر وتدرك أن الوطن معني بأمرها، وانه يقدم لها من الاهتمام ما هي في حاجة إليه، على شكل خدمات في التعليم والتدريب والتأهيل وتوفير فرص العمل والسكن للأسر الشابة التي تلج الحياة وسط ظروف معيشية معقدة. الراصد لبواعث اليأس والإحباط لدى الشباب، لا بد أن يلاحظ غياب أو ضعف الخطط المدعومة من الحكومات في بلداننا الخليجية، التي تفهم الخيارات الثقافية للشباب، التي يمكن أن نعزز من خلالها روح التسامح والتفتح الثقافي والفكري والبعد عن التعصب والتطرف بتجلياته المختلفة، وننمي روح الإبداع والابتكار بتشجيع المواهب الأدبية والفنية والفكرية. في هذا السياق أذكر أني قرأت منذ فترة تقريرا صحافيا عن الشباب الجزائريين الذين استفادوا من قانون الوئام المدني والعفو الرئاسي الذي صدر عن أعضاء الجماعات “الإسلامية” المسلحة.  كان تقريرا لافتا لأنه يتحدث عن الصعوبات التي يواجهها هؤلاء الشباب في صعوبة الاندماج من جديد في المجتمع في ظل انعدام فرص العمل والمتاعب المعيشية الجدية في البلاد. هذا التقرير يلفت النظر ليس لأنه يكشف عن معاناة هؤلاء الشبان، وإنما في درجة أولى يوضح الظروف الاجتماعية الخانقة للشباب الحائر الباحث عن مستقبل وعن أجوبة على أسئلة كبرى تشغل باله وتقلق وجوده وتطلعه إلى حل ما يواجهه من مشاكل. هذا التقرير مهم أيضا لأنه يسلط الضوء على معاناة الشباب إجمالا، لا في الجزائر وحدها وإنما في غيرها من البلدان حيث تحتاج الشبيبة إلى توفير فرص التعليم العالي والتدريب والعمل واكتساب معارف ومهارات جديدة.
 
صحيفة الأيام
11 فبراير 2008