­

المنشور

جذور الرأسمالية في الخليج

تعتبرُ أزمةُ دبي المالية لحظةً من لحظات النمو المعقد والصعب للرأسمالية في دول الخليج.
قامت مثل هذه التجربة على نمط هونغ كونغ وماليزيا، وفي حين قامتْ جزرُ جنوبِ شرق آسيا على قوى بشريةٍ كثيفة وذات أجور منخفضة، قامت جزرُ الخليج المالية على تدفقِ الفوائض المالية الواسعة، ولم تجدْ وراءها صينا كثيفة بالبشر بل وجدت الجزيرةَ العربية الصحراوية القليلة السكان نسبياً، والقوى العاملةَ ذاتَ الجذور البدوية والزراعية المنقطعة عن الثورات الاقتصادية العالمية.
عوضتْ المداخيلُ النفطية عواملَ النقص البشري بجلبِ قوى عاملة رخيصة من الهند ودول جنوب وجنوب شرق آسيا، وهو أمر جعل الحياة الاجتماعية لا تقوم على عمال وطنيين ولا على خبرة تقنية محلية متراكمة، ولا على توجه للرساميل نحو الإنتاج، بل على توجه واسع وهائل نحو العقار بكل أشكاله.
تقول صحيفة الديلي تلغراف عن الأزمة: (إن دبي سرعان ما أُصيبتْ بنوبةِ الإفراط في المرفقات السياحية وهوس بناء وتشييد العقارات والأبراج التي تكاثرت وتطاولت لتعانق السماء على مدار العقد الماضي).
كان هذا جزءا من البنية الاجتماعية المحلية الخليجية عامة، المحصورة بين الرمال والبحر، بين قوى عاملة غير يدوية، وغير تقنية، وبين آفاق التطور العقاري وبكل استثماراته وطيرانه.
ورغم هذا التطور في العقار والسياحة والصرافة وغيرها بقيت الرساميلُ غيرُ قادرةٍ على تصنيعِ المدينة أو على تصنيع المنطقة الخليجية، بطريقة الصين، التي تفتقدُ هذه الطاقة النفطية لكن لديها الطاقة البشرية والعقلية الدينامكية التقنية الصناعية.
أوضحت الغارديان جانبي التطور المتناقضين في الإمارة: (فضلاً عن مشاريعها المبهرة التي يراها الكثيرون عبئاً ثقيلاً لا طائل من ورائه مثلَ جزرٍ صناعية على شكلِ سعفِ النخيل وأعلى برجٍ في العالم طورتْ دبي الخدماتَ الصحيةَ والجامعات والمرافقَ الرياضية وتجمعات سكنية نموذجية).
وخلافاً لطريقة البحرين أو الكويت الحذرتين في التوسع العقاري والمشروعات السياحية اندفعت دبي في هذا الجانب، وحولته إلى سياسة ليست مناطقية فحسب بل عالمية.
لكنها لم تكن تقوم على إنتاجٍ نفطي كبير، ثم تهاوتْ أسعارُ النفط واستمرت مع ذلك في المشروعات المبهرة في العقار والسياحة، فتراكمت الديونُ على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، خاصة مع تفجر أزمة الرهن العقاري الأمريكية والعالمية.
(وبينما أعلنت دبي أن قيمة ديونها لا تتعدى 80 مليار دولار، قال محللون إن الحجم الحقيقي لديون الإمارة ربما هو ضعف ذلك الرقم، في ظل كون الشركة العالمية التي تملكها حكومة دبي والتي أشعلت الأزمة الراهنة تئن -هي والشركات التابعة لها- تحت وطأة مسؤولية مالية قانونية تقرب من 60 مليار دولار، وجزء من تلك المسؤولية هو ديون على الشركة).
لم تقمْ دولُ الخليج بالخروج من مأزق المدن – الدول الضيقة المحصورة بين البر والبحر، ولم تستطعْ أن تحولَ السكانَ الموظفين الحكوميين ونساء المنازل والقوى العاطلة والمهمشة اجتماعياً، إلى قوى عاملة صناعية، ولم تتوجه للثورة المعلوماتية الصناعية، بل كرست أنماط البطالات المقنعة والاستهلاكية والبذخية لدى الدوائر العليا المتمتعة بالثروة العابرة، وجلبت عمالةً رخيصة متخلفة، أبرز إنجازاتها هي في تشييد المباني والبُنى التحتية عامة، لكنها لا ترقى لأكثرمن ذلك، وبشكل عام واسع، وجلبتْ عمالةً عربية بدوية متخلفة زادت من تخلف مدنها. وبهذا فإن التناقص النفطي المالي راح يكشفُ هذه العيوب العميقة في البنى الاقتصادية.
إن الكيان الخليجي لم يتطور واستمر في بناه السياسية والاقتصادية الفوقية، عاجزاً عن رفد هذه الدول بقوى عمالية متطورة، وبتعاون وثيق لإنجاز ثورة صناعية عربية خليجية مشتركة، وغدا التعاون فرصاً للاستثمار الاستغلالي المحدود و(لشفط) الثروة وتوجيهها نحو شراء العقارات في المنطقة والغرب.

صحيفة اخبار الخليج
2 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

على صلةٍ بيوم المرأة البحرينية – 1

جميل أن يكون للمرأة البحرينية يوم نحتفي بها فيه، ونجعل منه مناسبة لتسليط الضوء على قضاياها المختلفة، من أوجه شتى: معيشياً واجتماعياً وسياسياً أيضاً، طالما نحن نعيش حالاً من الحراك السياسي الذي تتصدر فيه قضية الشراكة السياسية والمجتمعية، وللمرأة في هذه القضية نصيب كبير، لذا استحق المجلس الأعلى للمرأة التحية والتقدير للتفاتته هذه. وقضية المرأة، لا في البحرين وحدها، وإنما في كل العالم النامي هي على مقدار كبير من التشعب والتعقيد بحيث يصعب الإحاطة بتفاصيل هذه القضية في أنشطة يوم واحد، لكنا حسبنا أن نجعل من هذا اليوم محطة مراجعة دورية لما أنجزه المجتمع على طريق تلبية حقوق المرأة، وما يتعين على النساء أنفسهن أن يبذلنه من جهد في هذا السياق. ورغم أنه لا يجوز الحديث عن تاريخين منفصلين ، واحد خاص بالنساء وآخر خاص بالرجال، لأن التاريخ في نهاية المطاف هو تاريخ واحد وللبشر جميعاً بصرف النظر عن جنسهم، ولكن ثمة خصوصية كبيرة في قضية المرأة هي نتاج قرون من النظرة المتخلفة التي كرسها المجتمع نحو المرأة. وهذه الخصوصية هي بالذات ما يضفي صفة التشعب والتعقيد على قضية المرأة حين الرغبة في فحصها وتحليلها. ففي كل الأحوال لن يكون متيسراً النظر إلى هذا الموضوع ونحن في منجاة من تلك الظلال التي تفرضها الخصوصية المعطاة لقضية المرأة، دون النجاة من شرك التعقيد التي هي عليه، وهما خصوصية وتعقيد استدعيا مئات وربما آلاف الكتب التي تتحدث عن المرأة من الأوجه المختلفة، منذ أن أصبح المجتمع العربي معنياً بسؤال النهضة منذ نحو قرن أو أكثر. وحين طرحت أسئلة النهضة، كان الجزء المتصل بالمرأة أحدها. حتى أنه لن يتأتى الحديث عن المشروع النهضوي العربي، وعن ديناميكية التحديث التي شقت لنفسها طريقاً في المجتمعات العربية والإسلامية دون الوقوف على حجم ذلك التغير الذي أصاب مكانة المرأة ودورها، ووعيها، وعيها بنفسها كقضية ووعيها بالشأن الاجتماعي – السياسي العام. ولست هنا بصدد الوقوف مطولاً أمام الكتاب الذي أطلق الشرارة الأولى في الموضوع النسوي، أعنى به كتاب قاسم أمين “تحرير المرأة” الذي كان قد صدر عام 1899، في خواتم القرن التاسع عشر يوم كانت مصر خاضعة لنير الاحتلال البريطاني، لكن يتعين القول أن أهم ما في هذا الكتاب هي الروح التي أطلقها، المناخ الذي أشاعته، وليس سقف المطالب أو الأهداف التي رسمها للمرأة، فهو على سبيل المثال اكتفى بالمطالبة بحق التعليم الابتدائي للبنات ولم يقترح إلا على النساء الفقيرات ومن لا عائل من الرجال لهن إكمال تعليمهن أو العمل وذلك حتى لا يلجأن إلى الأعمال غير اللائقة حسب قوله. وهذا سقف تجاوزته فيما بعد رائدات الحركة النسوية بين بواكير القرن العشرين ومنتصفه من أمثال هدى شعراوي وسيزا نبراوي وبعدهما بفترة درية شفيق وأخريات، بل أن نساء اليوم، بما في ذلك اللواتي يرتدين الحجاب، أكثر راديكالية من قاسم أمين فيما يخص مواضيع التعليم والعمل، والمشاركة في بعض مناحي المـجـال العام مثل السياسة. للحديث تتمة غداً.
 
صحيفة الايام
2 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

الطائفية لا تبني وطـناً !


لن نقول أو نكتب إن “الوفاق” هي التي تجر قاطرة الطائفية في البلد، وتستخدم الملفات والأحداث وتوظفها طائفياً. حيث هذه قراءة عوراء. ولا تحمل عدلاً أو عقلاً يفتش عن المشهد الحقيقي للواقع السياسي في البحرين.

ذلك لا يعني أن الوفاق ليست جمعية قائمة على الطائفة وتوظف الملفات توظيفاً لا يخلو من الطائفية، إنما يعني أنها ليست الوحيدة التي تقوم بهذه الممارسة الطائفية، بل في بعض الحالات هناك من يزيد عليها!

فمسألة التجنيس مثلاً، تم استخدامها من قبل خطباء ونواب وجماعات دينية سنية (الأصالة، المنبر الإسلامي وغيرهما)، حتى كان الأمر وكأنه صراع سني – شيعي؛ وينبغي التكثير منه.

الوفاق قرأت التجنيس من العين الطائفية المعاكسة. فكان رأي لوفاق يتكئ على أن التجنيس لتغيير التركيبة السكانية لصالح السنة ضد الشيعة، وهذا طرح طائفي خطير، فمن قواعد التفسير قاعدة تفسير النص بالمخالفة. أي أن هذا المنطلق يدعونا إلى القول انه لو كان التجنيس محصورا في الشيعة فإنه يكون ساعتئذ مقبولاً لدى الوفاق، فالاعتراض لم يكن ضد سياسة التجنيس إنما ضد من حصل على الجنسية!

وبالمثل، فإنه لو ان التجنيس طال أعدادا ليست سنية فإن الجمعيات السنية سترفض هذا التجنيس رفضاً باتاً!

ملف التجنيس مثالاً للتردي الخطير الذي تنحدر إليه الساحة البحرينية. الوطنيون قرأوا التجنيس بعين وطنية. وأصدروا في ذلك بيانات تنأى باحتقار من حصل على الجنسية البحرينية، في الوقت الذي عارضت الجمعيات الوطنية (وعد والمنبر الديمقراطي وغيرهما) سياسة التجنيس، ومعارضة السياسة لا تختلف باختلاف المستفيد من هذه السياسة. معارضة سياسة التجنيس تختلف عن معارضة طائفة من حصل على الجنسية البحرينية.

وهكذا تفعل الوفاق والأصالة والمنبر الإسلامي مع بقية الملفات. المنطلق والزاوية الأساسية ليست وطنية، وبالتالي تكون الرؤية غير وطنية، وتتكئ على منظار الطائفة.

الرؤية بمنظار الطائفة لا يؤدي إلى إقامة دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، والحريات والحقوق الأخرى، إذ جميع قيم الخير قائمة على خيريتها للطائفة وليس للوطن، يستفيد منها أبناء الطائفة وليس أبناء الوطن. وقس على ذلك جميع الملفات والحوادث الأخرى في مشهدنا السياسي، وفي جميع الملفات المطروحة في الساحة والبرلمان البحريني، المنطلقات الطائفية لا تبني وطنا للجميع.


 
البلاد 1 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد