­

المنشور

أزمة المرور والاقتصاد


غالباً ما نأخذ المشكلات العامة من دون ربطها بالبناء الاقتصادي، لكن هذا البناء يترك بصماته على كل ظاهرة.
فتعودُ أزمةُ المرور إلى توجه كل من القطاع العام (الرأسمالية الحكومية)، والقطاع الخاص(الرأسمالية الخاصة) إلى جلب سيارات بكثرةٍ هائلةٍ للحصولِ على فوائد مالية، مرةً بشكلِ رسوم، ومرةً بشكل أرباح.
وتُجلبُ هذه السيارات الكثيرة من دون أي خطة، أو رؤية لحجم التناسب بين حشودِها المتدفقة بلا توقف وبلا تنظيم وبين إمكانيات الشوارع المحدودة التطور والمرتبطة بإنشاءات حكومية شديدة البطء.

الخطة الحكومية لو كان يمكن أن تظهر لحدث تفكير مستقبلي ودراسات للطرق ولمواصلات عامة. لكن الرأسمالين العام والخاص ينزعجان من وجود قطار أو مترو، مرةً لأنه “يشفطُ” أموالاً ومرة لأنه “يشفطُ” أرباحاً.
لكن هذا العَصرَ المستمرَ لجيوبِ المواطنين والمقيمين، لا يمكن أن يستمر، لأن للدخول مستواها، ولأن للشوارع إمكانياتها، وهذا كله ينعكس على بطء الأعمال، وتدهور الإنتاج، وكثرة الأمراض.

مستوى الرأسماليتين الحكومية والخاصة مستوى محدود ضيق، بمعنى أن وجود السوق الضيقة، يقود إلى تفكير أكثر ضيقاً، وتغدو الرأسمالية الحكومية بيروقراطية، تعمل بشكل بطيء، لا توجد لديها خطط عميقة تفهم ما هو البناء الاقتصادي الذي تعمل فيه، فتهدرُ موارد وإمكانيات من جهة، وتتوجه للحصول على الأموال بطرائق تؤدي إلى نضوبها المتصاعد من جهة أخرى.
تحاول مراعاة الرأسمالية الخاصة في ضيق تفكيرها، لكون مراعاة ضيق التفكير هذا تعطيها دخولاً كبيرة خاصة الرسوم على البضائع الاستهلاكية، وهي رسوم عالية، وأرباح الرساميل خاصة عالية، لكنها تقعُ على حساب دخول المستهلكين.
ونمو شراء البضائع الاستهلاكية المتسارع يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بدلاً من أن يكون رفاهاً متطوراً، لأن الرفاه المتطور يقوم على إنتاجية متطورة في المجتمع، وليس على بيع الغاز والبنزين وخامات الألمنيوم والحديد، وبيع الخامات عمليات مرتبطة بالسوق العالمية وأسعارها ونزولها الراهن ذي الانعكاسات المخيفة.

للحصول على أرباحٍ من البضائعِ الاستهلاكية مرتفعة بشكل مستمر يجرى جلب العمالة الأجنبية الرخيصة بتوسع وتجميد الأجور، وعدم القيام بمشروعات حكومية رأسمالية كبيرة، وعدم حصول رقابة دقيقة على الأرباح وعلى تسربات البيروقراطية الحكومية، هذا كله يقودُ إلى تضعضعِ دخولِ الغالبية الساحقة من السكان، وهي دخولٌ ليست كبيرةً بشكلٍ عام، وإلى عدمِ قدرتِها المتزايدة على شراء تلك البضائع الاستهلاكية، لأنها يجب أن تدفعَ لبضائع كبيرة أخرى أيضاً مثل الأرض والسكن والأكل المتصاعدة الأسعار، وتصاعدها بغرض نمو الأرباح للرأسماليتين الحكومية والخاصة.

هذا كلهُ يعيدُنا إلى أزمةِ المرور، فالحراكُ الاقتصادي السابق ذكره، يقودُ للمزيدِ من شراءِ السيارات بمختلفِ أنواعها، بغرض غير استهلاكي بدرجة أساسية، أي هو للوصول إلى الأعمال غالباً، وللمستلزمات الأخرى، ولكن هذا الوصول نفسه يغدو مشكلة، فتتشكل حلقةٌ مفرغة.
إن مشكلةَ عدمِ تطورِ الرأسماليتين الحكومية والخاصة، تتجلى في ضعفِ علاقتهما المشتركة لحل مشكلات الاقتصاد والبنية الاجتماعية عامة، فالرأسمالية الحكومية تستغلُ الرأسماليةَ الخاصة، التي تستغلُ بدورها الجمهورَ، ولا تقومُ بتصويبِ نشاطها للمزيد من تطورها الاقتصادي وتطور الاقتصاد الوطني، ومشكلة الرأسماليتين تقومُ كذلك بسببِ ضعفِ تكوين الرأسمالية الخاصة، وتوجه أغلب رساميلها للتجارة وللعقار والصرافة، مما يعطي بنيةً ضعيفةً وتوجهاً للبضائع السريعة الدخل والمرتفعة الربح.

إن التحول من هذا الضعف، بأشكالٍ اقتصادية جديدة، لن يجعل تكوينات الرأسمالية الخاصة تجاريةً بشكلٍ شبه كلي، وتقومُ على بيع الاثاث والسيارات وغيرهما، بل يدخلها في العصر التقني المنفجر، والصناعات الحديثة، عبر تعاونها وتداخلها وتنامي عقولها، وكذلك برؤيةِ بلدها على أنه ليس حقلاً مستنزفاً محروقاً في نهاية المطاف.



صحيفة اخبار الخليج
12 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

العربي والعربي الآخر

ما زلت أذكر ورقةً قدمها أحد الأساتذة العرب في ملتقى أكاديمي أقيم في الإمارات منذ سنوات خلت، عن “نظرة العربي إلى أخيه العربي”، وان لم تخنِ الذاكرة فان الورقة كُتبت على قاعدة استطلاع ميداني قام به الباحث لعينة من المواطنين العرب من بلدان عربية مختلفة. لا أذكر التفاصيل الآن، ولكن ما اذكره أن النتيجة التي خلص إليها الباحث ليست متطابقة مع الحديث الرومانسي السائد في خطاباتنا عن الأخوة العربية، وهي على كل حال أخوة حقيقية مُسببة بعوامل موضوعية وتاريخية راسخة. ولكن التطور “ المستقل” أو المنفرد لكل بلد من بلداننا بمعزل عن بقية البلدان العربية قد أقام ما يشبه الحواجز من الريبة والحذر والحساسية، التي يمكن أن تتحول في فترات الأزمات والخلافات التي يدخل فيها أي نظام عربي مع نظام عربي آخر إلى شكل من الكراهية، خاصة حين تتوجه وسائل الإعلام إلى تغذيتها والتحريض عليها وتجييشها. أعرف أن هذا واحد من الموضوعات المسكوت عنها لأسباب عدة، بينها أن الحديث حولها حديث مؤلم، لأنه ينبهنا إلى ما أحدثته التجزئة في عالمنا العربي من عوامل فرقة بغيضة، باتت تتطلب جهوداً جبارة من النخب المثقفة والمفكرين ممن يتحلون بالشعور بالمسؤولية إزاء ظاهرة مثل هذه، ويمتلكون من وسائل التأثير في تشكيل الرأي العام ما يؤهلهم لتوجيه الأمور في اتجاهات صحية. نقول هذا، ونحن نعلم أن بعض من يدعون وصلاً بالثقافة والفكر في بلداننا العربية أصبحوا هم أيضاً ملوثين بداء الإقليمية والتعصبات الضيقة العمياء، على حساب المشتركات والجوامع الكثيرة التي يفترض أنها تجمع العرب على اختلاف بلدانهم. هذا كلام أكتبه على خلفية الجو المشحون الذي رافق المنافسة الكروية بين مصر والجزائر للتأهل لمونديال جنوب أفريقيا، والتي شغلت لا جمهور البلدين فقط، وإنما الجمهور العربي كله. وليس في الحماسة التي ترافق المنافسات الكروية ما يعيب، فهي ظاهرة تحدث حتى بين جمهور فريقين مختلفين في بلد واحد. لكن هناك فرقا بين هذه الحماسة المشروعة والمفهومة، وحتى الصحية، وبين ذلك التجييش الاعلامي والنفسي المحموم والعدائي الذي صاحب التنافس الجزائري – المصري للتأهل للمونديال، والذي انخرطت فيه نخب وقادة، كأن ليس لدى شعوبنا ما يشغلها أكثر ممن يُمثلها من المنتخبات الكروية في جنوب أفريقيا. فليست غوغاء الشارع وحدها هي المنخرطة فيه، وإنما النخب السياسية وكذلك بعض الفنانين وحتى “المثقفين”، الذين كان منتظراً منهم أن يتحولوا إلى رجال إطفاء للفتنة، فاختاروا دور من يصب الزيت على نارها. هل البلد الذي يبلغ فريقه المونديال، سيصبح قادراً على حل مشكلة البطالة وضعف الإنتاجية وتفشي الفساد والبيروقراطية واستفحال التطرف والتعصب والعنف، لتضحي “القضية المركزية” للعرب هي من يمثلهم فيه؟ هناك من يريد أن يدفعنا إلى هذا المآل، فيجري التمويه على الأمراض العضال في البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لمجتمعاتنا العربية، التي تعاني من النقص الفاضح في العدالة الاجتماعية وفي الشراكة السياسية وفي برامج وخطط التنمية ومن غياب البيئة الصحية السليمة، والعافية النفسية للمجتمعات، عبر إشغال الناس بأمر تافه ومفتعل، مثل تداعيات مباراة لكرة القدم لن تقدم ولن تؤخر مقدار خردلة من أوضاعنا العربية البائسة، فحُولتْ إلى مسألة كرامة منتقصة. لنعد إلى رشُدنا، ونوقف هذا العبث.
 
صحيفة الايام
12 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

حقوق المرأة والتحولات النوعية في الخليج

الدراسة التي أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية تحت عنوان “المرأة الخليجية ومزيد من الحراك الاجتماعي تشير الى عدة تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية شهدتها المجتمعات الخليجية في العقود الاخيرة ومن المؤكد ان هذه التحولات كلما تعمقت وتجذرت بما ينسجم مع تطورات العصر من حريات وديمقراطية وحقوق دستورية وسياسية كلما حظيت المرأة على حقوقها المشروعة فهي حجر الاساس في تطور المجتمع ومع اهمية كل هذه التحولات المتفاوتة بين مجتع خليجي وآخر فان المرأة لا تزال تعاني من قوانين تكرس عزلها وتهميش دورها السياسي ناهيك عن تلك العقليات والموروثات الاجتماعية التي لا تزال تنظر اليها كما لو أنها قطعة من اثاث البيت أو كمخلوق ناقص!! وتزداد اهمية هذه الدراسة عندما ركزت باهتمام واضح على تقدم هذه المجتمعات التي شهدت ومن وجهة نظر بحثية او كما تستخلص هذه الدراسة اتجاها واضحاً يؤسس لرابطة وثيقة بين عملية التنمية وادماج المرأة في الحياة العامة، ومشاركتها في سلطات الدولة الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية باعتبارها جزءاً من المجتمع يحق له الاسهام في اتخاذ قراراته وتنفيذها وتقييم آثارها الامر الذي يجعل من الحضور الفاعل ليس مطلباً اخلاقياً فقط بل مطلباً تنموياً ايضاً باعتباره إحدى ركائز التنمية الشاملة والمستدامة في المجتمعات المعاصرة التي تحتاج الى فكر وجهد الرجال والنساء معاً. وفي اطار هذه الرؤية التي لا يمكن ان تتم او تتحقق من دون مساواة المرأة في الحقوق فان ابرز ما توصلت اليه على صعيد تلك التحولات هو ان الساحة الخليجية شهدت حدثين فارقين في الحياة العامة للمرأة الخليجية بوجه عام: الاول شهدته الكويت وهو الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الدستورية في 20 اكتوبر 2009 الذي حققت المرأة الكويتية على اثره انتصاراً جديراً عندما اجازت للمرأة استخراج جواز سفر مستقل من دون الحصول على موافقة الزوج وهذا يؤكد مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات العامة فيما كان الحدث الثاني في السعودية عندما اعتمد مجلس الشورى السعودي في الدورة الحالية اثنتي عشرة مستشارة غير متفرغة يحملن تخصصات متنوعة وبذلك فان الفرصة اصبحت متاحة للمرأة السعودية للمشاركة في العمل البرلماني من خلال استعانة المجلس بالمستشارات غير المتفرغات او من خلال تقديم مقترحاتهن في اي موضوع يهم الصالح العام عبر لجنة الانظمة والموارد البشرية والعرائض التي تستقبل مقترحات المواطنين كافة. واما بالنسبة لردود الفعل حول كل ذلك نقول على الرغم مما أثاره هذان القراران من جدل واسع حيث اعتبرهما البعض ولاسيما اصحاب التيار الاسلامي “مفسدة لا توافق الشرع “بينما رأى البعض الاخر المتمثل في منظمات المجتمع المدني والجمعيات النسائية والناشطات في مجال حقوق المرأة انهما يشكلان انتصاراً عادلاً للحريات الانسانية والشخصية. وتقول ايضاً: لعل هذين الحدثين وما سبقهما من فوز للمرأة الكويتية باربعة مقاعد في البرلمان من دون تطبيق نظام “الكوتا” ومن دون الحصول على اي دعم بعد معاناة استمرت سنوات عديدة وقف خلالها المحافظون في البرلمان ضد وجودها السياسي في تكرار للمشهد الحاصل في السعودية وباقي دول مجلس التعاون من قبل السلفيين – يعدان بمثابة مؤشر على حدوث تغير في عادات المحافظين الذين عارضوا حق المرأة في الانتخابات بالكويت بل قد يكونان نقطة انطلاقة لرد فعل مماثل في باقي دول الخليج قد يصل مداه الى ابعد من ذلك. ومن تلك الجوانب الهامة والاساسية التي وقفت عندها هذه الدراسة هي: ان الاحداث تبرهن على مدى اهتمام دول الخليج بقضايا المرأة من خلال الحملة الجديدة التي صاغتها ابجدية المشاريع الاصلاحية في البلدان الخليجية التي تعيد صياغة ثنائية المرأة – المجتمع على قاعدة “مشروعية الحق” التي تعني اعتراف المجتمع للمرأة بحقوقها على درج الحراك النوعي القائم على اساس المساواة في الحقوق والواجبات للمواطنين من دون تمييز على اساس الجنس”. كما وقفت ايضا عند زيادة وعي المرأة من خلال المطالبة بحقوقها المهدورة والعمل على اثبات انها تمثل احدى ركائز بنية اي مجتمع خاصة ان هذه المسيرة واجهت مع مراحل الخفوت السياسي والثقافي الكثير من التحديات والعوائق حيث ادى الانحسار الحضاري الذي شهده العالم العربي فترة طويلة من تاريخه الى سيادة نمط الموروثات الثقافية يغلب عليه طابع الانغلاق وعزل المرأة عن المشاركة في الحياة العامة. مما حال دون الاستفادة من امكانياتها وجعل نصف القوى البشرية العربية معطلاً عن تنمية المجتمع وتحديثة.
 
صحيفة الايام
12 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

رجل ضـد النسيان


“مات رجل/  لم يكن يملك ما يدافع به عن نفسه/ غير ذراعيه الممدودتين للحياة/ مات رجل / لم يكن له طريق آخر/ غير ذلك الذي يكره فيه الإنسان البنادق / مات رجلٌ / ضد الموت.. ضد النسيان/ مات/ لأن كل ما يريده/ كنا نريده نحن أيضاً”

حين يحاول المرء أن يرثي شهيداً كالشهيدين محمد غلوم وسعيد العويناتي لا يملك سوى هذه الكلمات الرائعة التي رثا بها الشاعر الفرنسي الكبير بول ايلوار، الشهيد جبريل بيري، بطل المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي. فلم يكنا يملكان ما يدافعا به عن نفسيهما أمام سياط الجلادين سوى ذراعيهما الممدودتين للحياة، واستشهدا لأن ما كانا يريدانه نريده نحن أيضاً.

لم يكن قد مضى شهر واحد فقط على استشهاد الشاعر سعيد العويناتي، حين صحا الناس في صبيحة احد الأيام في قرية جدحفص ليقرأوا على الحيطان عبارات بالخط العريض:”يعيش البطل سعيد العويناتي”، وجن جنون المتورطين في قتل سعيد بحثاً عن الفاعل، وفي الثالث من يناير 1977 اعتقل ستة أطفال من القرية ذاتها لا يتجاوز سن أكبرهم الرابعة عشرة، وضُربوا ضرباً مبرحاً، بعد أن فُتشت منازلهم وصُودرت كتبهم الدراسية.

كان المطلوب نزع اسم سعيد ورفيقه محمد غلوم من ذاكرة الناس، والتعتيم على الجريمة، وإخراس صوت من يتكلم عنها، ولكن الشهيدين يحضران في كامل ألقهما وبهائهما في ذكرى استشهادهما الفاجعة من كل عام، ليؤكدا لمن أمر بالقتل ونفذه، إننا قد نغفر، لكننا لا ننسى أبداً كما قال الزعيم الكبير نيلسون مانديلا.

لم يصدر للشهيد سعيد العويناتي سوى ديوان شعر وحيد هو:”إليك أيها الوطن.. إليك أيتها الحبيبة”، لأن القتلة عاجلوه بالقتل في بدايات مشروعه الشعري وهو لما يزل شاباً في منتصف العشرينات من عمره. وفي أكثر من موضع من مواضع الديوان ثمة هجس بالمصير الدامي الذي ينتظره، حيث تحضر بكثافة إشارات الموت والسجن والمطاردة والتعذيب، كأن الشاعر كان يتوقع تلك النهاية البطولية لحياته القصيرة:

“هذا شرطي آخر يحمل إيقاع الموت / وفي عينيه قرار القتل السري”، أو في هذا المقطع الذي يحمل فاجعة النبوءة وجلالها:”هنا أدخلوني السجون/ ولم أمض شهراً كي أستريح”.

لم يكن شهراً يا سعيد، أنها أربع وعشرون ساعة فقط فصلت بين اعتقالك وقتلك.لكن هل قتلوك؟.. لقد شُبه لهم فقط، يا صديقي ورفيقي، فمثلك لا يموت.

 

اقرأ المزيد

الشـهــيــــدان…!

حلت يوم الاثنين الماضي الموافق 2 ديسمبر وتحل اليوم السبت 12 ديسمبر 2009 الذكرى الثالثة والثلاثون لاستشهاد الشهيدين محمد غلوم وسيعد العويناتي وهي مناسبة مهمة للذاكرة الوطنية، فالاستشهاد الفاجعة لكل منهما سينزرع في عقول شعبنا تضحية وصمود، وسيثمر شجرة التحدي التي ستظلل طريقه ضد الظلام وضد النسيان وفي سبيل وطن حر وشعب سعيد.
فمحمد وسعيد كما يرثيهما  شاعرنا المبدع عبدالصمد الليث ضجا بنور الحب والحياة وعاشا وما زالا معا نحو غد حيث صباحات الرؤى بلحنها الرغيد. 
 

 

 



الشـهــيــــدان…!

 

مـِن ْشَرََفـات ِبـَحـرِِِنــا…
حـِيــن َأَطـَـلاّ…
وَجـَـدا…
– لـِنــاظِـر ٍحـَديـــد ْ–
فـي أرخـبـيــل ِالـشـمـس.ِ..
يـَزهـو فـجـرُنــا الـجـديـــدْ
فــآثــرا…
أن يـَنــزِلا..
عـن كـَتـِف ِالـصـمـت ِإلـى…
أغـنـيــة ِالـمــريـــدْ
فـَـارتـَمـســا…
فـي غـَمْــرَة ِالـشـوق ِالـذي…
يـَفـْعــل ُمـا يــريـــدْ
صـــارا…
جـنــاحـا طـائـر ٍيـحـتـرف ُالـتـغـريـــدْ
ولـيــلـُنـا الـدامـي يـصـيــد ومـضـة َالـشـروقْ…
وآهــة َالـزنــابـقْ…
وصـرخـة َالـنـخـيــل ِفـي مـَواسـم ِالـعـطـشْ
فـَأُلْـقـِي َالـقـَبـضُ عـلـى شـبـيـبـة ِالـنـشـيـــدْ
بـتـهـمـة ِالـغـنـاء ِلـلـمـطــرْ:
فـواحـد ٌيـقـتـرح ُالآمـــالْ
ويـشـعـل الـيـقـظـة َبـالـسـؤالْ
بـدأبـه ِالـعـنـيـــدْ
وآخـرٌ يـجـتـرح ُالـمَــوّالْ
ووجـهـه ُنـجـمـة ُصـبـح ٍ..كـَفـْـّه ُقـصـيـــدْ
يـرسـم ُبـالأحـرف ِشـهـقـة َالـحـقـــوقْ…
ووثـبـة َالـمـَطــارقْ
وفـرحـة َالـطـيــور ِعـنـد سـدرة ِالـغـَبـَشْ
فـيـُثـْقـَل ُالـصِـنـْوان ُبـالـقـيـــودْ
ومـِدْيـَة ُالـواتـر ِتـُدمـي نـبـضـة َالـوريـــدْ
تـَوَهـّج ّالـقـلـبـــانْ…
ســال دم ُالأحـــلامْ…
فـعـانـقـا أرضَـهـمـا…
أم ٌرؤوم ٌثــاكـل ٌتـحـتـضـن ُالـولـيـــدْ
مــحــمـّـدٌ..ســعــيــدْ
كـلاهـمــا شــهــيـــدْ
مــحــمـّـدٌ..ســعــيــدْ
ضَـجـــّا بـنـورِالـحـب ِوالـحـيـــاةْ
مــحــمّــدٌ..ســعــيــدْ
عــاشـا ومـا زالا مـعــا ً:
روحـيــن فـي فـريــقـنــا
نـجـمـيــن فـي طـريــقـنـــا
عـَبـْرَ مـَفـازات ِالـجـَـوى
نـَحــوَ غــَـد ٍ…
ٍحـيـث ُصَـبـاحــات ِالــرؤى
بـلـحـنـهــا الـرغـيـــد:
مــحــمّـــدٌ..ســعــيـــدْ 


 



 عبدالصمدالليث 
10ديسمبر2009


 

اقرأ المزيد

في إحياء ذكرى استشهاد غلوم والعويناتي… المحامي حسن إسماعيل يؤكد – إنتهاكات حقوق الانسان لا تسقط بالتقادم


في الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين لاستشهاد المناضلين محمد غلوم وسعيد العويناتي، نستذكر في وعد والتقدمي بكل الفخر والإجلال تلك التضحيات الجسام التي قدمها الشهيدين و قدمتها قوافل الشهداء والمعتقلين والمنفيين والمتضررين من أبناء شعب البحرين، جراء السياسات القمعية التي تميزت بها حقبة امن الدولة  وما يسبقها وما تلاها من ممارسات قمعية وبوليسية، حيث الانتهاكات الصارخة  والقمع لأبسط قيم العدالة، والتي مورست بحق أبناء  وبنات شعب البحرين عبر عقود طويلة ومظلمة. 
   



  مداخلة المنبر التقدمي
في الذكرى الثالثة والثلاثين
لاستشهاد الرفيقين محمد غلوم وسعيد العويناتي
مقر جمعية وعد 9 ديسمبر 2009
 
المحامي / حسن إسماعيل 
 




في الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين لاستشهاد المناضلين محمد غلوم وسعيد العويناتي، نستذكر في وعد والتقدمي بكل الفخر والإجلال تلك التضحيات الجسام التي قدمها الشهيدين و قدمتها قوافل الشهداء والمعتقلين والمنفيين والمتضررين من أبناء شعب البحرين، جراء السياسات القمعية التي تميزت بها حقبة امن الدولة  وما يسبقها وما تلاها من ممارسات قمعية وبوليسية، حيث الانتهاكات الصارخة  والقمع لأبسط قيم العدالة، والتي مورست بحق أبناء  وبنات شعب البحرين عبر عقود طويلة ومظلمة.

وبهذه المناسبة ينبغي أن نؤكد على المسائل التالية :

أولا :  علينا أن نتفق على أن  مبادئ ميثاق العمل الوطني والتصويت عليه من قبل شعب البحرين شكل الأساس لما سمي بالمصالحة بين الحكم والمعارضة في البحرين  بعد صراع دامي طويل حدث قبل الاستقلال وبعده ، خلال هذا الصراع طالبت المعارضة بالعدالة الاجتماعية ، وبضرورة وجود تحول ديمقراطي حقيقي في البحرين ينقلها من حال إلى حال ، تتعزز فيه الحقوق والحريات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ،.وقد تم بموجب هذه المصالحة أن تنازلت الدولة عن ممارستها الأمنية فأطلقت سراح المعتقلين السياسيين من السجون ووافقت على عودة المنفيين ، وفسحت المجال نسبيا لحرية التعبير وتأسيس الأطر السياسية تحت مسمى الجمعيات السياسية ، في مقابل ذلك وافقت قوى المعارضة على أن تعبر عن حقوقها بالوسائل السلمية وقبول إقامة مملكة دستورية على غرار الممالك  الدستورية ذات النظام الديمقراطي وقبول الدولة والتعايش معها .

وقد أكدت القوى السياسية في البحرين ومؤسسات المجتمع المدني على أن إقامة مثل هذا النظام السياسي الديمقراطي بالمواصفات التي يتحدث عنها ميثاق العمل الوطني كان يتطلب وبمسئولية مشتركة بين الدولة والمجتمع  تعزيز أسس العدالة الاجتماعية توسيع المشاركة الشعبية ، احترام حقوق الإنسان ، وما يتطلب ذلك من إزالة ارث القوانين والتشريعات الثقيل الذي ورثناه من الحقبة السابقة ، ووضع تشريعات وقوانين جديدة تساعد على تطور المجتمع نحو الديمقراطية المنشودة تمكنه من خلق مؤسسات المجتمع المدني المختلفة التي تتلاءم والنظام الديمقراطي .
 
كما تم التأكيد على انه لتعزيز التحول الديمقراطي في البحرين لابد من معالجة ملف الشهداء وضحايا التعذيب على أسس عادلة ومنصفة ، وقد عقدت لهذا الغرض العديد من الفعاليات وتشكلت اللجان وتم رصد الحالات وتم وضع الأسس التي بموجبها معالجة هذا الملف وقدمت العرائض بشأنه ، وتم نقله للمحافل والمؤتمرات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، غير الجانب الرسمي الدولة ظلت وما زالت تتجاهل جميع الدعوات الخيرة من أجل معالجة ملف الشهداء وضحايا التعذيب شأنه شأن جميع الملفات العالقة الأخرى .
 
ثانيا : يعد المرسوم بقانون العفو الشامل رقم 10 الصادر بتاريخ 5 فبراير 2001 من أهم الأدوات التي أصدرها جلالة الملك لحظة تدشين المسيرة الإصلاحية ومن أهم الخطوات لتحقيق المصالحة الوطنية نحو تحقيق الوئام والاستقرار الاجتماعي والسياسي في البحرين ، إذ ترتب على هذا العفو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين .

 غير أن إصدار المرسوم بقانون رقم 56 لتفسير مرسوم العفو الشامل  في 23 أكتوبر 2002  على انه  لا يشمل عفوا عن الضحايا فقط بل يشمل أيضا عفوا عن أولئك اللذين ما رسوا التعذيب وقتلوا الضحايا قد شكل صدمة كبيرة لعدد غفير من أولئك الذين ناضلوا من أجل العدالة أولئك اللذين فقدوا عائلهم شهيدا في تظاهرة أو في السجن إذ وجد هؤلاء في أحكام هذا المرسوم حماية للجلاد فيما ارتكبه من تعذيب خلال حقبة أمن الدولة ، فنال وما يزال من المسيرة الإصلاحية  ومن تحقيق المصالحة الوطنية المنشودة ، وقد كشف الواقع منذ تاريخ صدور هذا المرسوم  أن الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البحرين الذي كان ينشده مرسوم العفو الشامل لم يتحقق ولن يتحقق دون حل عادل ومنصف يشمل جميع الشهداء وضحايا التعذيب وفي إطار وطني .  ودون التقيد  بأحكام المرسوم 56 لأنها تخالف أحكام الدستور والمواثيق والاتفاقات الدولية و تعتدي عليها ، وقد تناولنا في أكثر من لقاء ومناسبة  أوجه هذه  المخالفة في دراسة تقدم بها المنبر التقدمي بعنوان (ما مدى دستورية المرسوم بقانون 56 )، ولنا أن نشير هنا للدليل على أن المرسوم بقانون لا يمكن الركون اليه في المصالحة بما جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1984 وانضمت إليها البحرين سنة 1998 فصارت جزءاً من التشريع الوطني لمملكة البحرين ، إذ تؤكد هذه الاتفاقية على :
 
1-  حق كل من تعرض للتعذيب في أن يرفع شكوى إلى السلطة المختصة في المادة 13على انه 
   ( تضمن كل دولة طرف لأي فرد يدعى بأنه قد تعرض للتعذيب في إقليم يخضع لولايتها القضائية ،
     الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وأن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه
     السرعة وبنزاهة …. ) . والمرسوم بقانون 56 لا يضمن هذا الحق بل يعتدي عليه .
 
2- إنصاف من يتعرض للتعذيب  بتعويض عادل وإعادة تأهيل في المادة 14 البند أ على إنه تضمن
    كل دولة طرف في نظامها القانوني ، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق
    قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه …. ) . 
   والمرسوم بقانون 56 يتجاهل مثل هذا الحق .
 
 
ثالثا : في الوقت الذي تسعي فيه القوى السياسية ومؤسسات حقوق الإنسان المدنية لمعالجة هذا الملف ، يستمر فيه الاعتقالات ويمارس التعذيب بكافة أشكاله البشعة وانتهاك الحريات العامة في عهد الإصلاح وتتمادى الدولة في إنكار وجوده وتتباهى بذلك أمام محافل حقوق الإنسان الدولية ففي تقريرها الرسمي الأول بشأن المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في البحرين والمقدم لمجلس حقوق الإنسان التابع إلى هيئة الأمم المتحدة في 25 فبراير 2008 تجاهلت الدولة ما أحدثه المرسوم بقانون 56 من شرخ في المشروع الإصلاحي ومن مفهوم العفو الشامل وتمييز ضد ضحايا الحقبة الماضية كما يتجاهل إعادة استخدام وسائل التعذيب ولا يعترف  باستمراره  في البحرين ، الذي كشفت عنه أحداث ديسمبر 2007،  وقد سجل المتهمون في الجلسة الثانية أمام المحكمة الكبرى الجزائية كيف استخدمت أجهزة الأمن مختلف وسائل التعذيب ضدهم بما فيها الاعتداء الجنسي أو التهديد به لحملهم على الاعتراف ولا ينال من صحة ما أفاد به المتهمون أمام المحكمة من تعرضهم للتعذيب ما ورد في التقرير الرسمي من قول بأن ( المسؤولين بوزارة الداخلية أكدوا أن الموقوفين أحيلوا للطب الشرعي الذي اثبت عدم تعرض أي منهم للتعذيب وأن الإجراءات الخاصة بهم تمت في إطار القانون )
  
 كما يمكن أن نلاحظ في أن التقرير الرسمي ، على الرغم من أهمية مناقشة ظاهرة التعذيب باعتبارها ظاهرة تنال من السلامة البدنية والمعنوية للإنسان ، فإنه يتجاهل وضع الحلول والوسائل اللازمة للخروج منها ويتجاهل ما كانت تطالب به القوى السياسية والحقوقية في البحرين والهيئات الدولية من ضرورة إنصاف الضحايا وأسر الشهداء وإلغاء المرسوم بقانون رقم 56 ، مكتفيا فقط بالإشارة إلى ما قامت به بعض المنظمات الدولية من امتداح البحرين للإجراءات التي اتخذتها مثل إلغاء قانون أمن الدولة ومحكمة الدولة، كما امتدحت سحب تحفظ البحرين على المادة 20 من الاتفاقية ، وهو امتداح في محله ، غير أن ذلك لا يكفي ، ولا يكفيه ما أشار إليه التقرير الرسمي من أن مملكة البحرين رحبت بزيارة المقرر الخاص بمكافحة التعذيب التابع للمجلس. وإنها تطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة المعاونة في ما تسعى له البحرين في تطوير وتدعيم المناهج التعليمية والدورات التدريبية ذات الصلة بحقوق الإنسان ، بل على مملكة البحرين أن تستجيب لما تطلبه منها المفوضية السامية للأمم المتحدة .
 ولا يشفع لمملكة البحرين ما جاء في تقريرها في بند وسائل الانتصاف الفعالة  من قول ( بأن النظام القانوني في البحرين على النحو السابق إليه  يتضمن سبل الانتصاف القضائية والإدارية وغيرها، ومع ذلك هناك حاجة لزيادة الوعي بوجود هذه السبل وآليات استخدامها ) فهذا القول فضلا عن عموميته ويهدف للهروب من معالجة المشكلة  فأن النظام القانوني وسبل الانتصاف القضائية والإدارية لا تحتاج إلى تذكير ولا يحتاج لزيادة الوعي بها ، بل تحتاج إلى احترامها  وتفعيلها في الممارسة العملية .
 
غير أن حكم المحكمة الكبرى الجزائية الصادر فيما عرف بقضية قتل الشرطة في كرزكان شكل صفعة لما جاء في هذا التقرير وكشف عن عدم مصداقية ما ورد به إذ جاء في أسباب الحكم ما يلي (






وكانت المحكمة ترى ان تقريرات المتهمين بجميع محاضر جمع الاستدلالات واعترافاتهم امام النيابة العامة قد صدرت تحت شبه الاكراه وقد عدلوا عنها في اول جلسات المحاكمة وانكروا ما نسب اليهم ودفعوا بتعرضهم للاكراه البدني والتهديد من قبل التحقيقات الجنائية بايذائهم في حالة عدم الاعتراف امام النيابة العامة وقد ثبت للمحكمة من تقرير اللجنة الطبية التي ندبت بقرير الكشف الطبي على المتهمين ان بهم بعض الاثار لسحجات على الرسغين وقد ذهب المتهمين على ان تلك الاثار ناتجة عن تعليقهم بالسقف، هذا فضلا عما اثبت بتقرير تلك اللجنة لوجود اثار لكدمات وندبات اسفل الظهر للمتهم السابع ومن ثم فان المحكمة لا تطمئن الى ان هذه الاعترافات المنسوب صدورها الى المتهمين قد صدرت عنهم طواعيه واختيار ويتعين عليها اهدارها جمعيا بما فيها الاعترافات التي صدرت عنهم بالمعاينة التصويرية والتي اجريت لهم بمعرفة النيابة العامة )
 

رابعا : في ظل هذا الوضع المرتبك والمعقد وفي ظل صمت وعدم تجاوب الدولة يحق لنا ولغيرنا من الضحايا واسر الشهداء أن نتساءل ما هو الحل كيف السبيل لمعالجة هذا الملف ؟


نسارع إلى القول أن معالجة الملفات العالقة والتي تلامس هموم وقضايا المواطنين بما فيها ملف ضحايا التعذيب والشهداء لن تتأتى دون قوة مجتمعية ضاغطة أي رأي عام شعبي ضاغط وان هذه القوة المجتمعية لن تكون فاعلة مؤثرة بدون وحدة وتوافق القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والكتل البرلمانية  على اختلاف مشاربها وتوجهاتها ، وأدراك هذه القوى أهمية وضرورة الحل بطريقة عادلة ومنصفة وان تكون الدولة طرفا فيه  .

ولعل وجود التحالف البحريني من أجل الحقيقة والإنصاف والمصالحة من 11 مؤسسة أهلية هو خطوة هامة وضرورية في هذا الاتجاه ، غير أن تحرك هذا التحالف يتعين لا يكون موسميا يقتصر على المناسبات المتعلقة بالضحايا كما هو الحال في اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا التعذيب والذي يصاف 26 يونيو من كل عام .


وفي هذا الإطار فأن المنبر التقدمي يدعم ويساند عزم التحالف الإعلان عن تشكيل هيئة أهلية للحقيقة تكون من مهامها توثيق الانتهاكات والعمل على نشر الحقيقة في سبيل المزيد من العطاء نحو الوصول لإعطاء هذا الملف الكبير حقه وأهميته، وهي خطوة هامة للغاية ووسيلة لعلها تجعل الدولة  تستجيب لإنشاء هيئة وطنية للحقيقة والإنصاف والمصالحة.


وإذا كنا ثمن صدور المرسوم الملكي بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ونظامها الأساسي فأننا نتطلع أن يكون رئيسها وأعضاءها من شخصيات نزيهة لها علاقة بحقوق الإنسان و تاريخ حقوقي ووطني، ولا يمنع أن يكونوا من المناضلين الذين ذاقوا عذابات السجون والتعذيب والمنفى، كما حدث في المغرب إذ تولى رئاسة هيئة الإنصاف والعدالة  أقدم المعتقلين السياسيين كما نتطلع إن تكون أولى خطوات هذه المؤسسة إنشاء هيئة وطنية للحقيقة والإنصاف والمصالحة.
 
محكمون نحن بالأمل ، وان هذا الملف لن يطويه الزمن وان التعذيب والقتل وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها ضباط وموظفو جهاز أمن الدولة ووزارة الداخلية لا يمكن أن تسقط بالتقادم مع الزمن حسب المواد 13 و 14 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدقت عليها البحرين في العام 1998، ولا يمكن أن تمحى آثارها الوخيمة دون علاج حقيقي ودونما جبر للضرر. وان الحقيقية لا يمكن حجبها مهما علا صوت الجنود ، ولنا فيما قاله الشهيد سعيد العويناتي رفيق الشهيد محمد غلوم في الفكر وفي النضال ما يقوى من عزيمتنا يقول الشاعر الشهيد في قصيدته التفتيش :


في تمام العاشرة
دخل الجندُ الحديقة
فتشوا عن بقعةَ الضوء
ولكن الحقيقة
وقفت متحدة
وقفت كل أزاهير الحديقة

اقرأ المزيد

لكن الجوع صناعة رأسمالية (3-3)

ختمنا حلقة يوم أمس بالقول انه بالرغم من الدور المحوري الأساسي للدول الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة في التسبب في ظاهرة الجوع الذي وصفناه بأنه صناعة رأسمالية بامتياز ليس على الصعيد الداخلي للدول الرأسمالية فحسب بل على الصعيد العالمي، فإنه يحسب لتلك الدول الكبرى على الأقل انها تعترف بوجود هذه الظاهرة في مجتمعاتها وتعمل على رصدها ونشر مؤشراتها واحصائياتها بقدر معقول من الشفافية يفوق الحد الادنى من المصداقية بصرف النظر عن عدم اعترافها بمسؤولية انظمتها السياسية الرأسمالية عن خلق ازمة الجوع محليا وعالميا ومفاقمة كوارثها، في حين ان الدول العربية لا تجرؤ على الاعتراف بالظاهرة وان اعترفت بها فانها تصورها محدودة، وبالتالي فكيف لها ان تتبنى خططا واستراتيجيات لمكافحة الجوع والقضاء عليه في بلدانها؟
والحال ان الدول الرأسمالية لا تتميز عن الدول العربية والعالمثالثية عامة بنشر مؤشرات واحصائيات الجوع دوريا فحسب، بل لا يعدم المرء في هذه الدول مبادرات فردية وجماعية كبرى بعضها ذو طابع مؤسسي دائم لمساعدة الفقراء واطعام الجائعين وطرح مشاريع وافكار للتقليل مما يمكن تقليله من اعدادهم ان على الصعيد الداخلي وان على الصعيد الخارجي.
ومع ان المبادرات والمشاريع التي تتبناها شخصيات من الاثرياء والمليارديرية أو حتى شخصيات عالمية واجتماعية عادية هي تتم في إطار فلسفة وآليات النظام الرأسمالي القائم، الا انه تظل الحاجة إليها على الدوام قائمة ووجودها مهما يشوبها من عيوب أو كونها لا تحل المشكلة من جذورها افضل من عدم وجودها بالمرة، وهذا ما يميز الدول الرأسمالية الكبرى الديمقراطية عن دولنا المعروفة بأنظمتها الرأسمالية الطفيلية غير المنتجة والتابعة لتلك الدول الرأسمالية الكبرى، ناهيك عن احجام الغالبية العظمى من رجال الاعمال الكبار والاثرياء في بلداننا عن تبني مشاريع كبيرة مؤثرة لمكافحة الفقر والجوع وحيث يكتفون في الغالب بمبادرات مؤقتة شكلية لرفع العتب ولا تسمن ولا تغني من جوع.
ثمة شخصيات عديدة غربية كرست ونذرت نفسها وكرست حياتها لمكافحة الجوع بشتى الوسائل السلمية الممكنة وبذلت كل ما في مقدورها لمساعدة جياع بلدانها والعالم، ولعل من ابرز هذه الشخصيات التي لعبت دورا ملموسا في هذا الصدد داخل الولايات المتحدة اكبر دولة رأسمالية وأكبر دولة مسؤولة عن صناعة الجوع في بلدها وفي العالم نورمان بورلوغ عالم النباتات الامريكي الذي رحل عن عالمنا في سبتمبر الفائت عن عمر يناهز 95 عاما بعد حياة مديدة كرسها من أجل انقاذ حياة مئات الملايين من الفقراء والجياع من خلال الانكباب على ابتكار الافكار والمخترعات والتجارب الزراعية التي من شأنها زيادة الطعام في دول أمريكا اللاتينية وآسيا وبفضل ما حققه من انجازات في هذا الصدد لقب في الستينيات بـ “الاب الروحي للثورة الخضراء” وتم بفضل اكتشافاته جعل العديد من المحاصيل ذات انتاجية عالية ومتنوعة التي أسهمت حينذاك في التخفيف من المجاعات التي كان يتوقع ان تحدث على نحو كارثي واسع النطاق، ومن هذه المحاصيل القمح من الاسمدة الكيماوية.
واعتبر البعض نجاحاته في هذا الشأن غيرت مسار التاريخ وبفضلها تمكنت الهند والمكسيك من ان تحققا الاكتفاء الذاتي في مجال الحبوب النباتية بعدما كانتا تعانيان نقصا في الغذاء، وحينما منح جائزة نوبل للسلام عام 1970 بررت لجنة نوبل منحه الجائزة بالقول إنه “ساعد على توفير الغذاء للجياع في العالم كله أكثر من أي شخص آخر في هذا العصر، وقد اخترناه أملا في ان يعمل توفير الطعام على اتاحة السلام أيضا”.
وإذا كان واحدة من ابرز علامات العار الكبير الذي ارتكبته الولايات المتحدة بتغيب رئيسها باراك اوباما عن قمة روما المخصصة لمواجهة كارثة الجوع في العالم وهي التي تعد أكبر واقوى واغنى دولة في العالم والمتسبب الاول في الجوع فان واحدة من المفارقات الاخرى لذلك الغياب انه جاء بعد وقت قصير من وفاة واحد من اعظم رجالاتها في الجهود والمبادرات التي كرس حياته لها لانقاذ جياع العالم في حين لم تفكر حكومته ولو احترام ذكراه وذكرى المبادئ التي كرس حياته لها بحضور مثل هذه القمة البالغة الاهمية انسانيا وتخليد ذكراه بكلمة أمام هذا المؤتمر.
ومن دون التقليل من الجهود العظيمة والمنجزات التي حققها نورمان بورلوغ فلعل ما لم يدركه انه وفي ظل جرائم الرأسمالية بحق جياع وفقراء العالم والناجمة عن طبيعتها الاستغلالية المتوحشة تغدو جهودها حينذاك اشبه بمن يحرث في البحر وان بحصاد قليل.
أما على صعيد العالم الثالث و من ضمنه عالمنا العربي والاسلامي فلعل ابرز اسم في هذا المضمار البنغالي محمد يونس الذي فاز بجائزة نوبل للسلام عام 2006 لجهوده الكبيرة لمكافحة الفقر في بلاده التي تعد واحدة من افقر دول العالم والتي كللها بمشروعه الكبير الرائد في نجاحه في بتأسيس “بنك جرامين للفقراء” وكان يونس قد وجه انتقادا شديدا للرأسمالية الحالية واعتبرها هي المسؤولة عن الانهيار المالي الذي ضرب العالم بأسره ووصف عمليات المضاربة التي سببت الانهيار اشبه بعمليات في نادي قمار، هذا في الوقت الذي دافع فيه عن آليات السوق وفلسفة السوق الحر وهو من خريجي الولايات المتحدة نفسها، والسؤال لماذا الرأسمالية الامريكية يخرج من تحت نظامها رجال انسانيون يعملون في إطار حتى الفلسفة الرأسمالية ما بوسعهم من مشاريع لمكافحة الجوع ولا يظهر أحد من أمثال هؤلاء في الدول العربية؟ لماذا حتى بنغلاديش الفقيرة انجبت شخصية فذة عالمية كانت رائدة في تأسيس مشروع كبير لمكافحة الفقر والجوع وفي دولة فقيرة ذات موارد مالية محدودة ولم تظهر مثل هذه الشخصية في أي من دولنا العربية؟

صحيفة اخبار الخليج
10 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

الأزمة العقلية للثورة (3)

كانت الأزمة السياسية لجمهورية الإسلام التأسيسية تظهر على شكل وامض، لا يُلاحظ على السطح. قدرة الجمهور الشعبي على حشد القوى وإيجاد التوزيع العادل للخيرات قدرة نسبية، فهي من دون تقاليد عريقة، ومن دون مؤسسات سياسية متجذرة في الأرض، وقوى الاستغلال لا يحد تاريخُها حد، والأنانية أقوى من التضحية في البشر بكثير.
نلاحظ الأزمة العقلية لقوى التغيير في ظهور حالات فكرية سياسية غريبة، فلأول مرة يظهر متصوف، يغرقُ في العبادة، وينأى عن العمل. وظهر ذلك في البداية، تعبيرا عن ضياع سيطرة العقل على اللامعقول السياسي المتصاعد!
هناك حكمُ السماء وهناك التوجيه الإلهي المصون ولكن الدنيا تخرجُ عن السيطرة وتنفلتُ الغرائزُ وكلٌ يهتمُ بنفسهِ ومصالحهِ بعد عقود من النضال المشترك والتضحيات، فيظهرُ الملأُ الاستغلالي مجدداً!
تباينُ طرق الخلفاء الراشدين تعبرُ عن عدم القدرة المتصاعدة على السيطرة على الوضع السياسي المنفلت من عهد الثورة إلى عهد (الاستقرار) الاجتماعي، أو قل عهد الأنانية، أي عهد المَلكية، عهد الأغنياء الكبار المسيطرين!
الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يفرضُ سيطرةً قويةً على هذا الانفلات، على الانبعاث التدريجي لحكم الملأ، ويشعر في نهايةِ حكمهِ بالتعب من هذا الجهد الهائل.
لدى الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) تتضحُ عمليةُ الانفلاتِ الأولى، وصعود قوى الاستغلال.
في عهد الخليفة علي بن أبي طالب (رضي اللهُ عنه) تتفجرُ العمليةُ وتصيرُ حروبا، ولا ينفعُ العدلُ والقوةُ في السيطرة على قفزة قوى الاستغلال إلى السلطة.
لقد قام الإسلام بتغيير، مثلما قام بالفتوح، وتبدلت خريطة القوى الاجتماعية، وصار الكثيرون أغنياء بعد أن كانوا فقراء، ولم يعد توزيع الثروة بالشكل القديم ممكن الاستمرار، وصار الحجاز مركز الثروة ونجد استمرت مركز الفقر!
إن تبدلَ السلطةِ هو ذروةٌ لتراكم طويل، وليس حدثا عجيبا غريبا!
وظلت كلمةُ (الخلافة) الغامضة تجمعُ بين من ارتفعوا إلى السلطة بسواعدِ الناس، ومن ارتفعوا إلى السلطة بسواطير وسيوف!
نلاحظُ أزمةَ اليسار والثورة هنا في (الخوارج). فدائما يبقى للنصوصيةِ الثوريةِ تلاميذها المخلصون، ومَنْ يَحاكمون تحولات التاريخ بالجملِ وشعيراتِها الدقيقة، ويَزِنون القادةَ والفترات بميزان الملموسية الشديدة، ولا يفهمون السببيات ولا قوانين التاريخ، ويظلون معلبين في الجملة (الثورية). إن ظروف نجد وفقرها في ذلك الحين وارتداداتِها عن الإسلام وحروب الردة التي أنهكتها، كلها أوجدت من بعضِ قبائلِها مادةً مناسبةً للتمردِ المعاكس للتاريخ، ووجهاً آخر من الإخلاص الحرفي للثورة، وقتلِها في آنٍ واحد.
لم يعطها الفقرُ تعليما مهما، وظل إنتاجُها العقلي قائما على الشفاهية والحفظ، ولذا تعاملت مع القرآن بشكل نصوصي حفظي، وغرقتْ في تلاوته بإيمان عاطفي شديد، وصار لديها تقطيعُ النصوصِ وغيابُ التاريخية، وفقدانُ الدراسة الفكرية أمورا متلازمة، وعبر هذا الوعي الذي رُكب على تمردِ القبائل وصعود الزعامات الذاتية وقوة الجماعية والمشاعية في هذه التكوينات العشائرية البعيدة عن بضائع المدن ونقودها، خاضتْ حروبا سالت فيها الدماءُ أنهارا وكلها من دون فوائد مهمة!
ظلت لدى الخوارج الفكرة الجنونية المطلقة التي تمثل الانفصام عن الواقع، بأنهم النسخة الحقيقية المستمرة والدقيقة للإسلام الأول، فهم يرون النصوصَ تنطبقُ عليهم تمام الانطباق، فهم العبادُ الزاهدون الذين يقرأون القرآن آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار، وهم الذين يبكون حين يسمعون عذابَ النار، ويبتهجون أشدَ البهجة حين تذكر الجنة ولو من خلال غابات السيوف، وهم الفقراء يتلحفون السماءَ في حين غيرهم (من الكفار!) يعيشُ في الرفاه والقصور ويتحدث عن الإسلام! وحاول الكثيرون إقناعهم بأن هذه الآيات تنطبق على ظرف، وان لها معاني كثيرة متعددة، وهناك مستويات عديدة في فهم القرآن، أي حاولوا نقلهم للمستوى المركب المتعدد الدلالات للقرآن، لكنهم كانوا أصحاب منهج نصوصي حرفي أوجده فيهم وضعُهم الاجتماعي، وظروفُ الفقر الهائل الذي يعيشون فيه. وهذان المستويان، مستوى فهم الحضارة وقوى الرفاه، ومستوى فهم أهل البداوة البسطاء، فهمان يعودان لمستويين من مستويات المسلمين لا يجتمعان، وحين يحدث تقاربٌ بين الغنى والفقر، وتزول تناقضاتهما الرهيبة، تتقارب رؤى مشتركة. لكن النص الحرفي موجود لدى هؤلاء البسطاء وينقلونه مباشرة للحياة ويرفعون السيوف ويذبحون!

صحيفة اخبار الخليج
10 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

ماذا يريد قطاع رجال الأعمال؟

كنا خلال الأسابيع القليلة الماضية شهوداً على حملة انتخابية حامية الوطيس خاضها المتنافسون على عضوية مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين. ولا يمكن المرور أمام السخونة التي رافقت التنافس الانتخابي في الغرفة مرور الكرام، حيث نظر إليه الكثيرون على انه نقطة تحول في اهتمامات ما بات يعرف اليوم بـ «بيت التجار» في اتجاه أن يكون له موقف إزاء خيارات التنمية للبرامج المطروحة في هذا السياق من قبل أكثر من جهة من جهات الدولة. لكن رغم ذلك نقول إن قطاع رجال الأعمال في البحرين، ممثلاً بدرجة أساسية في غرفة التجارة والصناعة، مازال يُقدم رجلاً ويؤخر أخرى فيما يتصل بانخراطه في الشأن السياسي العام. إن الحذر والتردد هو الطابع الغالب على سلوك هذا القطاع الذي لا نعرف بالضبط ماذا يريد سياسياً واقتصادياً. وللتدقيق نقول إن أرباب هذا القطاع ربما يعرفون ماذا يريدون، لكن المجتمع لا يعرف هذا الذي يريدونه، لأنهم حتى الآن لم يتقدموا برؤية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية – اجتماعية – سياسية. وما زال هذا القطاع محكوماً بالذهنية الحذرة، لكي لا أقول الخائفة، التي وسمت أداءه العام قبل الإصلاحات السياسية، حين كان ممثلو هذا القطاع يخشون رد الفعل الرسمي من مطالباتهم أو مواقفهم، وبذا فإنهم لم يفعلوا ما فعلته قطاعات شعبية أخرى في المطالبة بما تحسبه حقوقاً لها، لأنه لم يكن لديها ما تخسره، فيما كانت حسابات رجال الأعمال مختلفة بالنظر لخشيتهم على مصالحهم من الضرر. في البلد اليوم آلية حراك سياسي – اجتماعي نشطة، وها نحن قاب قوسين أو أدنى من الاستحقاق الانتخابي النيابي في العام القادم الذي نريد أن نعرف كيف سيتعاطى قطاع رجال الأعمال والتجار معه: هل يفكر هذا القطاع بالدفع بممثليه مباشرة إلى أتون هذا الاستحقاق مع ما يتطلبه ذلك من تقديم برنامج انتخابي بمفردات واضحة على الأصعدة الاقتصادية – الاجتماعية كالموقف من برامج إصلاح سوق العمل مثلاً وكالموقف من أجندة التيارات الإسلامية من تفاصيل الأداء السياحي في البلد، وكالموقف من الحركات المطلبية للنقابات والحركة العمالية ومن الاحتجاجات السلمية والتظاهرات والاعتصامات وسواها؟ وقبل هذا كله: ما هي رؤية القطاع الخاص لدوره السياسي في العلاقة مع الدولة والمجتمع؟ ما هي تفاصيل هذه الرؤية على صعيد المطالبة بتقاسم الثروة والسلطة بين الدولة والمجتمع؟ خاصة وإن مثل هذه المطالبة إذا أتت من قطاع نوعي صاحب تأثير مثل قطاع رجال الأعمال سيكون لها وقع وتأثير مختلف. وليست واضحة كذلك علاقة هذا القطاع مع مكونات التيارات السياسية في البلد، خاصة منها تلك التي تلتقي معه في الرؤية الاجتماعية وفي الحريات الشخصية وفي التعاطي مع الطابع المنفتح المتسامح للمجتمع البحريني، وهو طابع يتعرض لمخاطر تقويضه أو الحد منه من قبل بعض التيارات المحافظة التي بحجة تقليم الأظافر يمكن أن تقطع الأصابع. لقطاع رجال الأعمال دور لا يمكن لأية قوة سياسية أو اجتماعية أخرى أن تؤديه بالنيابة عنه، لأن للقوى الأخرى قاعدة تمثيلها المختلفة اجتماعياً وسياسياً وتقاليدها الخاصة بها، وبرامجها المعبرة عن طموحات ومطالب وآمال قطاعات جماهيرية أخرى، ونحن بانتظار هذا الدور.
 
صحيفة الايام
10 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

لكن الجوع صناعة رأسمالية (2-3)

لأن قادة الدول الرأسمالية الكبرى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، يشعرون في قرارة أنفسهم ليس فقط بالمسؤولية الاخلاقية والتاريخية التي تتحملها دولهم تجاه عار العصر المتمثل في مأساة مليار ومائتي مليون جائع في العالم، بل لعدم استعدادهم الجاد لتقديم أدنى مساعدة ممكنة لإنقاذ حياة أولئك الجياع الذين يمثلون خمس البشرية، فقد تغيب معظم أولئك القادة عن حضور قمة روما لمكافحة الجوع الأخيرة، ولم يجد معظم قادة الدول العربية بدورهم حرجاً من التغيب أيضاً عن هذا المؤتمر بالرغم من أهميته لبعضهم لوجود نسبة من الجياع ما بين سكانهم ولوجود شريحة من الفقراء متفاوتة النسب في كل الدول العربية واكتفى أغلبهم بالمشاركة في القمة على مستوى أقل من زعماء دولهم.
وكان ابرز المشاركين من الزعماء العرب الزعيم الليبي معمر القذافي الذي انتهز فرصة تغيب قادة الدول الكبرى الرأسمالية ليخطف الاضواء مجدداً، كما خطفها قبل ذلك بفترة وجيزة في الامم المتحدة، وذلك بأن انتقد بشدة تغيبهم معزياً اياه إلى أنهم قرروا عدم المساهمة في حل مشكلة الأمن الغذائي العالمي، وأضاف ما مفاده ان ذلك يحدث في الوقت الذي يشرف على الموت جوعاً ملايين الاطفال في افريقيا وآسيا وامريكا الجنوبية.
ولم يقتصر الأمر عربيا على غياب معظم الاقطاب العرب المفترض حضورهم الى قمة الجياع في روما فحسب بل غاب عن المؤتمر أي حضور عربي شعبيا مدنيا على هامشه بصفة مراقب او مستمع متابع لمداولاته للتأثير والضغط من قرب على المؤتمرين للخروج بأدنى ما يمكن من قرارات تخفف من حدة كارثة جياع العرب والعالم أجمع.
وفي الوقت الذي أسهم فيه بابا الفاتيكان بكلمة امام المؤتمر حث فيها على بذل المزيد من الجهد للقضاء على ظاهرة الجوع وواضعاً يده على جرح مسبباتها بأنها تكمن “في الطمع والمضاربات وليس زيادة عدد السكان” ومع انه لم يسم الدول الرأسمالية الا انه أضاف مؤكداً ان “الارض قادرة على انتاج غذاء يكفي كل البشر” بدليل النهج الذي دأبت عليه الدول المتقدمة من تدمير للسلع الغذائية لجني الأرباح بغية ضبط العرض في السوق لكي لا تتدنى الاسعار.. نقول في الوقت الذي تأتي فيه كلمة البابا هذه فإن مؤتمر روما خلا تماماً من أي كلمات أو رسائل لرموز اسلامية كبيرة لدولنا العربية، هذا على الأقل ما نستنتجه من غياب أي ذكر لمثل هذه الكلمات في التقارير الاخبارية العالمية.
واذا كان بابا الفاتيكان قد عرى دور الرأسمالية في صناعة الجوع من دون ان يسميها فإن مما له دلالته ومغزاه ان يعبر الشعب الافغاني بوعي معمق بالتزامن مع انعقاد قمة روما عن السبب الجوهري في استمرار صراعاته الاهلية موعزاً اياها الى الفقر والبطالة حسب نتائج دراسة استقصائية لمنظمة اوكسفام الدولية للإغاثة، هذا الى جانب الفساد الحكومي. واللافت ان نسبة قليلة هي التي ارجعت السبب الجوهري لحروب افغانستان الى التدخل الخارجي او طالبان او القاعدة وهذا يعني ان الافغان يعون جيداً جوهر مأساتهم المتواصلة منذ 30 عاماً، فلولا هذه المأساة (الفقر والجوع) لما انشغل الافغان بكل هذه المنازعات ولما تورطوا فيها أو غرر بهم من قبل تجار ومشعلي الحروب في الداخل والخارج على السواء.
قلنا يوم أمس ان الآفة لا تسعف ضحاياها بمعنى ما كان ينبغي من أحد أن يعجب لغياب قادة الدول الرأسمالية عن قمة روما حول الجوع لان هذه الدول هي التي تسببت في الكارثة فكيف لها ان تنقذ ضحاياها منها؟ ولعل واحدة من ابرز المفارقات التي تؤكد هذه الحقيقة ان الكارثة لم يعد يكتوي بنيرانها شعوب بلدان العالم الثالث فحسب بل الدول الرأسمالية نفسها، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ففي الوقت الذي تغيب رئيسها اوباما عن حضور القمة كانت وزارة الزراعة الامريكية تعلن أن عدد “الجياع” الامريكيين قد وصل الى 49 مليون شخص وهو أعلى معدل خلال 14 عاماً، واعترف المحللون الامريكيون بأن ازمة الرأسمالية الاقتصادية الاخيرة التي اصطلحوا على تسميتها بـ “الازمة المالية”، وبالرغم من محاولة وزارة الزراعة الامريكية تحاشي ان تسمي الظاهرة بـ “الجوع” وتحاول ان تصنف الجائعين الى درجات من حجم او حدة الجوع، فإن الرئيس اوباما نفسه لم يجد مناصاً من تسمية الاسماء بأسمائها حينما استنكر استفحال الظاهرة قائلا: “لقد ارتفعت معدلات الجوع الى حد كبير خلال العام الماضي”.
أكثر من ذلك فإن محللين امريكيين يرجحون بأن عدد الجائعين يتجاوز 49 مليونا لأن وزارة الزراعة لم تأخذ بعين الاعتبار وقت المسح الاحصائي معدل البطالة الحالي الذي بلغ 2،10%. ومن أين تأتي البطالة؟ أليس من الرأسمالية؟ أليست هذه الظاهرة صفة لصيقة بها منذ بدايات صعودها وهي ستلازمها طالما بقيت على الحياة واستمرت بطبيعتها الاستغلالية المتوحشة؟
واذا كانت واحدة من أبرز مفارقات قمة روما المخصصة لإنقاذ جياع العالم انها انعقدت ليس في ظل غياب رئيس أكبر واقوى دولة رأسمالية في العالم بل بالتزامن مع اعتراف وزارة الزراعة بالعدد المخيف للجياع الامريكيين فإن مكتب الاحصاء قبل ذلك بفترة وجيزة اعترف بأن نحو 40 مليون امريكي يعيشون تحت عتبة الفقر هذا بخلاف اعداد الجائعين.
وعلى الرغم من ظاهرة الجوع المتفاقمة المرعبة، كواحدة من افرازات أزمات الرأسمالية وما يترتب عليها من نتائج وظواهر اجتماعية اخرى خطيرة كانتشار الجرائم والعنف والسرقات والاعمال الارهابية، فإنه يحسب للولايات المتحدة على الأقل انها ترصدها وتوثقها احصائيا بحد ادنى معقول من الشفافية في حين ان الدول العربية مازالت ترى ان انشاء اجهزة رصد حكومية من هذا القبيل يعد ضربا من العيب الذي يمس كرامتها ويفقد بريق ارقام انجازاتها الفلكية في التنمية البشرية بل هي لا تعترف اصلاً بوجود ظاهرة اسمها الفقر والجوع في مجتمعاتها.
لكن يظل الجوع هو بامتياز صناعة رأسمالية في البلدان المتبوعة والتابعة على السواء.

صحيفة اخبار الخليج
9 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد