­

المنشور

هل البحرين دولة فقيرة؟!


فلنقرأ معاً تلك العناوين..

 4000 منزل – في المحافظة الشمالية وحدها – عصفت بها الأمطار.. 39 قرية بلا بنية تحتية.. مواطنون يهجرون منازلهم.. مواطنون يفترشون الشوارع خوفاً من تهاوي السقوف على رؤؤسهم..  تماسات كهربائية في مناطق متفرقة من البلاد.. 95 موقعاً في البحرين تتعرض لتجمع أمطار غزيرة..  احتراق مولدات كهرباء في مجمعات عدة..  شوارع تغرق بالمستنقعات ومجمعات تغرق في الوحل..  يا ترى، ما منسوب الأمطار التي هطلت لتفعل كل هذا؟! على حد علمنا لم نواجه سيولاً ولا فيضانات ولا زلازل لنعيش هذا الوضع المزري الذي يجعلنا مصداق المثل الشعبي القائل «يغرقون في شبر ميه»!

البحرين، دولة نفطية تتوسط إقليماً جغرافياً حباه الله بالثروة والرفاهة، وخلافاً لكثير من دول الخليج لا تملك البحرين رقعة جغرافية شاسعة ممتدة ذات طبيعة جغرافية جبلية أو صحراوية تجعل التأسيس لبنى تحتية تحدياً.. وليست – رغم التشويه الديموغرافي – ذات تعداد سكاني قاصم للظهر معوق للتنمية.. ورغم أن الحكومة ضخت على مدار عشرات السنين أموالاً للتأسيس للبنى التحتية، إلا أن الأيادي «الطويلة» لبعض المتنفذين نالت منها وأبقت لنا على بنى تحتية هشة لا تصمد أمام زخة مطر ولا حتى أمام الزيادة الطبيعية للمركبات والمباني والبشر والمركبات.. لاحظوا أن المدن، وحتى الجديدة نسبياً منها، تحتاج إلى إعدادات كهربائية إضافية أحياناً لتحتمل إضافة عمارة واحدة على المجمع؛ وإن الشوارع تهترئ بعد 4 سنوات من الاستخدام أحياناً، وهي التي يجب أن تصمد 3 أضعاف تلك المدة.. وإن دل ذلك على شيء فيدل على متانة بنائها وسلامته!

نعم..  لا تشبه البحرين باقي الدول النفطية المرفهة..  هناك مناطق تصقل بشكل جيد، ولكن نسبتها لا تقارن بتلك المهملة والساقطة من الحسابات.. وإن كان هذا الحال بالنسبة للأسمنت والحجر.. فلنتأمل قليلاً حال البشر.. لن ننّظر هنا ونتحدث عن حذاء الفقر الذي يدوس على شرائح الشعب.. ولن نفجعكم بالحديث عن الرواتب ولا عن التضخم ولا عن تفجر أسعار العقار من جراء سياسات فتح الباب للتملك لغير البحرينيين.. بل سنتحدث عما كشفت عنه معونة الغلاء «المعونة التي ساء صيتها بالشكل الذي أوجب حتى تغيير اسمها»، عندما أُقرّت علاوة الغلاء نقول، ورغم شروطها الصعبة، كان هناك في البدء 98 ألف رب عائلة مستحق لها! ولأن الرقم شكّل صدمة للقائمين خُفض – بطريقة أو بأخرى – إلى 69 ألفاً، ثم إلى 40 ألفاً، ثم تناقص إلى 20 ألفاً، ولا نعرف إلى أين وصل الرقم الآن!

إلى ذلك، كشفت لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة حقائق كثيرة عن ملكية الأراضي العامة والخاصة في البلاد، والتي – ووفقاً للجنة – لم يبق منها سوى 2454 عقاراً في ظل ضياع بعض الأملاك ومصادرة بعضها الآخر.. هذا ومازال هناك إشكال عالق بشأن الأراضي المدفونة، وهل هي أملاك خاصة أم عامة، وإن كانت خاصة فما مدى مشروعية وقانونية تخصيصها كما هو جار الآن؟! أعتقد أننا، من خلال ما أسلفنا نريد أن نقول: إنّ هناك مكامن خلل في البلاد قادت إلى ما نحن فيه من حياة تشبه الفقر أكثر مما تشبه الرفاهة التي يتوق لها الشعب.. في البحرين، مشكلتنا الأولى اقتصادية معيشية، وما المشكلات السياسية التي نغرق فيها إلا تبعات للمشكلة الاقتصادية الأم.. وليس الفساد وحده الملام في ذلك، بل هو أيضاً تخبط الرؤية بشأن الأولويات، والناظر إلى موازنة البلاد للعام 2009/2010 يستطيع أن يرى بجلاء سوء توزيع المصروفات والموازنات بين وزارات الدولة.

وحتى تتبع الحكومة مكامن النزف في موازنتها ومشروعاتها.. وحتى تقرر أن الفقر لا يناسب شعباً خليجياً مطوقاً بكل مظاهر النعمة والثراء.. فلن تحل مشكلاتنا ولن نذهب إلى أي مكان.

الوقت 14 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

الثورات والاقتصاديات المشوهة

يسمي الدينيون أعمالهم السياسية بالجهاد والانتفاضة وغيرهما من الأسماء، لكنها ليست ثورات، بل هي خلل في العمل السياسي وتشويهات للفعل الثوري الحقيقي، ويعود ذلك لطابع الأبنية الاقتصادية التي وجدوا أنفسهم ضحايا لها، وغير مدركين لطبيعتها، ويقومون بطرحِ شعاراتٍ لا تعي ما هي قوانين (بمعنى العلل الكبرى) لهذه الأبنية المطلوب فهمها والسيطرة عليها.
هناك ثلاثُ قوى لما يُفترضُ أن تكونَ طبقةً متوسطة تقودُ عمليةَ تبديلِ البُنى الاجتماعية المحافظة التقليدية في العالم الإسلامي، وسبق أن رأيناها في البُنية الاجتماعية المصرية، كبنيةٍ عربيةٍ نموذجية تعكسُ هذا التطور، وهي الفئةُ البيروقراطية الحاكمة، المهيمنةُ والمسيطرة على تشكيلِ الفوائض الاقتصادية وتوزيعها، ويجري التوزيع من خلالِها بأشكالٍ لا تقودُ إلى ثورةٍ صناعية تحولية للمجتمع وتقفز به إلى مصافٍ نوعي جديد، بل للتوجه إلى المحافظ النقدية الخارجية وأشكال اقتصادية طفيلية غالباً، وهناك الفئة المكونة من أرباب العمل الذين لا يستطيعون النمو بشكلٍ كبيرٍ وحرٍ بسببِ المافيات الحكومية المتحكمة في الأسواق، وهناك الرأسمالية الدينية التي تتشكلُ من أقطاب الجماعات الدينية وتحتها البروليتاريا الرثة خصوصاً.
وتشكلتْ هذه البرجوازيةُ المتعددة الفئاتِ على تدهورِ الأرياف والحرف وعلى شَللِ ومحدودية الصناعات، وعلى جمودِ التعليم، وعلى منزليةِ العمل النسائي المتخلف، وعلى تكلسِ وسحرية الثقافة.
وكما قلنا كذلك من كون العواصم السياسيةِ المتكونةِ عربياً قامت على غزو البوادي والأرياف المتخلفة، على شكلِ انقلاباتٍ عسكرية، وبعد سنواتٍ من التحولاتِ خلالَ العقود الأخيرة، نقلتْ هذه القوى الاجتماعيةُ المسيطرةُ، تخلفَ البوادي والأرياف ولاعقلانيتها وفوضاها إلى العواصم العربية، لتكونَ مركزَ البوليس والفوضى واللاعقلانية بدلاً من قيادة العقلانية الرأسمالية والتحديثية.
الآن نشهدُ الموجةَ الأخيرة من هذا التدافع الرعوي والانزياح القروي على المدن وعلى العواصم، سواء جاءت قذائفهما من منطقةِ القبائلِ في افغانستان وباكستان، أم من المناطقِ الصحراويةِ والريفيةِ الداخليةِ البائسة في أسيوط وصعدة ومنطقة البربر وغيرها.
وسواءً أكان ذلك هجرةً كثيفةً من صعيد مصر للقاهرة، أم كان نزوحاً كثيفاً من عمال مصر القرويين وعمال باكستان والهند الريفيين للسعودية ودول الخليج العربية.
هذا التدهورُ يعكسُ خرابَ الأرياف العربية الإسلامية وتصحرَ البوادي واجتثاث سكانِها، من دون وجود مشروعات تصنيع ريفية، واستقرار اقتصادي، ومن خلال قياداتِ طبقاتٍ برجوازية مدنية مُفككةٍ، غيرِ قادرةٍ على تكوينِ سياسةٍ تحديثية نهضوية وطنية في كل بلد، بسبب تناقض مصادر ثرواتها، وبسبب التضادات اللاجدلية لتكويناتها الايديولوجية السطحية.
التكوين الثلاثي للطبقات الحاكمة هي حصيلة لتفكك أسلوب الإنتاج. فهو تعبيرٌ عن الخلل الاقتصادي، والهيمنة السياسية غير الرشيدة، والشديدة الأنانية، وضعف الفئة البرجوازية التحديثية العلمانية التي هي تعبيرٌ كذلك عن الضعفِ الساحق للصناعيين، ولخرافية التعليم، مثلما يعبرُ التكوينُ الكبيرُ للبرجوازيةِ الدينية عن أحشاءِ الأرياف والبوادي المقذوفة في المدن والمتوجهة للاقتصاد الطفيلي ومختلف أشكال التسلق.
تمتلك (البرجوازيةُ) الدينية المحافظةُ الجمهورَ الريفي أو الجمهور الرعوي المتخلف الوعي الذي تقذفهُ في المدن ليطالبَ بـ (أسلمة) الحكم، أو ليقومَ بسلخ البشر بالقنابل والسيارات المفخخة في بغداد، أو لينشرَ الحرسَ (الثوري) كي يقطفَ رؤوسَ المفكرين والأحرار في طهران والمدن الأخرى، أو ليزرعَ الموتَ والدكتاتورية بذات السيارات في بيروت ولاهور، وليرفع القرآنَ والآيات على طريقةِ رفع المصاحف في حرب صفين كخدعةٍ للسيطرة على الحكم وليس لتطوير الإسلام والمسلمين، في عملية استيلاء للريف على المدن بأشكالٍ إرهابيةٍ وشمولية تجاوزتْ كلَ المقاييس.
لا أمل في أن تعي (البرجوازيات) الدينية المتخلفة الهوةَ التي تسقطُ بها المسلمين في أغوارٍ سحيقةٍ من الخراب، كما أن البرجوازيات البيروقراطية الحاكمة أبعد من أن تُنقذَ الحال، وهي ناقعةٌ في المكاسب والملذات، وتهريب الأموال، وهي لا تواجه شعوباً متحدة، وقوى لطبقاتٍ متوسطة متماسكة، تفصلُ الشعارات الدينية المفتتةَ لصفوفِها، وتتحدُ بكلِ طوائفِها ومللها، من أجلِ توزيع الثروة على التطور الصناعي والتحول الزراعي وعلى رفع أحوال الطبقات العاملة وانتشال الأرياف من جنونها الاجتماعي.
هذا البرنامجُ هو من فعلِ نضالِ اليسار الديمقراطي بدرجةٍ أولى، لأنهُ قادر على تحريك مختلف الطبقات من أجل مشروع التغيير. علينا أن نقرأ خرائط البلدان الإسلامية وصراع التوجهات هذه في حالات ملموسة محددة لاحقاً من أجل تحديد هذه الجمل العامة.

صحيفة اخبار الخليج
15 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

لماذا لا تنتشر ثقافة اليابان؟

لا ينقص بلد مثل اليابان كبار الكتاب والفنانين والمهندسين المعماريين أو مصممي الرقص والسينمائيين، مع ذلك فانهم غير معروفين في الخارج، ولا تمارس القلة منهم المشهورة عالمياً الا تأثيراً ضئيلاً. هذه الملاحظة كانت موضع وقفة من المفكر اللافت “الفين توفلر”، فحظت بمناقشة في كتابه: “تحول السلطة”، حين رأى أن الصادرات الثقافية تمثل أكبر نقاط ضعف اليابان، رغم أن الشعب الياباني أكبر قارئ للصحف في العالم، والأكثر اهتماماً بمعرفة سلوكيات الآخرين، والأكثر نهماً لرحلات السفر. اليابان، ولموازنة نفوذها في العالم، شنت هجوماً ثقافياً واسع المدى بدءاً من المجالات ذات الأهمية الاقتصادية المباشرة مثل الموضة والتصميم الصناعي، مروراً بالفنون الأكثر شعبية كالتلفزيون والسينما والموسيقا والرقص، وكذلك الأدب والفنون الجميلة، الا أن هذا الهجوم مازال يواجه عقبات. من بين أهم الأسباب لتعذر انتشار الأفكار والثقافة اليابانية، حسب توفلر، سبب اللغة، التي هي عائق ضخم، وفي هذا السياق يشار الى أن بعض النخب المثقفة اليابانية ذات النزعة القومية تتحدث عن عنصر روحاني تنطوي عليه اللغة اليابانية تجعل من المستحيل ترجمته ونقله إلى اللغات الأخرى، وهذا العنصر يضفي، برأيهم، نوعاً من الفرادة على اللغة اليابانية. لكننا نحسب أن كل اللغات وكل الثقافات تنطوي على فرادةٍ من نوعٍ ما، وأن الأمر لا يتصل بالثقافة اليابانية وحدها، لكن يبقى أن ملاحظة توفلر تسترعي الانتباه، لأن الأمر هنا يتعلق بقوة حضارية ذات نفوذ اقتصادي عالمي نلمس تجلياته في كل مكان، وكان هذا النفوذ ومايزال موضع صراع مع قوى اقتصادية عملاقة في مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وغالباً ما يقترن النفوذ الاقتصادي الجبار كذاك الذي تتمتع به اليابان، بنوع من النفوذ الاقتصادي الذي يخترق الحدود، فالسلعة حين تعبر الحدود لا تعبر وحدها، مجردة أو محايدة، وانما تعبر محملة بقيمٍ وأفكار ذات طابع ثقافي، وهي تروج لها من حيث أرادت إن لم ترد. ويمكن في هذا الصدد أن نسوق أسباباً مختلفة خاصة باليابان التي عانت طويلاً من عزلة دامت ثلاثة قرون، ولم تبدأ في كسر طوق العزلة هذا الا مع ثورة عصر “الميجي”، للتعويض عن آثار تلك العزلة، الا ان اشارة توفلر الى موضوع اللغة تظل اشارة شديدة النباهة، شأنها في ذلك شأن بقية اطروحاته وملاحظاته العميقة في مؤلفاته. تحيلنا هذه الملاحظة الى موضوع هيمنة اللغة الانجليزية بوصفها لغة كونية تشق طريقها الى غرف الدراسة بدءا من الروضة وانتهاء بالجامعة وما بعدها، عدا عن هيمنتها على المعاملات التجارية والاستثمارية والمصرفية، فضلاً عن الثقافة والفنون. ان “الهيمنة” الأمريكية على العالم ليست آتية فقط من التفوق الاقتصادي أو الجبروت العسكري أو من النفوذ السياسي الذي تكرس بسقوط الثنائية القطبية في العلاقات الدولية، انما هي آتية أيضاً من هيمنة اللغة، التي هي أكثر تعبيراتها بداهة وشيوعا، وعاء للتفكير، وحين يفكر المرء بلغة بعينها فان الأمر يتصل بنسق تفكيره وحتى نظام سلوكه. لن يمكن التمعن في ظاهرة العولمة بمعزل عن هذا السياق اللغوي.
 
صحيفة الايام
15 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

أغنية الحرية في شوارع طهران!

بمناسبة يوم الطالب الإيراني (في السابع من ديسمبر) اتضح للعالم ان مشروع وملامح الثورة آت، وان لم تستكمل ملامحه بالكامل، ولكن خيوط الانتفاضة ليست إلا استجماعا وتحضيرا، فذلك وحده هو التمرين العام للثورة، وهي تستعد لخوض فصولها الدرامية الأخيرة تحت شعار شكسبيري والذي بات اليوم في كل زاوية في إيران ماثلا للعيان: “نكون أو لا نكون ذلك هو السؤال”. هذا الفصل التاريخي من حياة الشعب الإيراني ليس إلا جزءا من فصول عالمية كثيرة عرفتها حركة التاريخ الصاعد للامام، وان تعرضت تلك المسيرة –أحيانا للانكسارات– لكنها في النهاية تشهد نهوضا عاصفا يطيح بكل أركان البيت القديم المتآكل، فقد شرخت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية نظام الجمهورية الإسلامية وعافيته في العمق وشاخت كل شعاراته العتيقة، هذا النظام الجاثم أمامنا في الجمهورية الإسلامية مصاب بالعقم السياسي وعاجز عن التغيير والتجديد، بل وفاقد لكل إمكانية الإيمان بتسليم السلطة للآخرين، وهذا ما بات في انتفاضة يونيو 2009 واضحا، وبصورة عمودية وأفقية، تفجرت فيها كل الحناجر الصامتة، فمرحلة ما بعد الانتخابات انتهت ولن يقبل الشارع الإيراني بمجرد تبادل السلطة وتدويرها مع هذا النمط من الأنظمة التاريخية، التي تحاول ليّ عنق التاريخ وإخراجه من وقائعه الموضوعية. اليوم نسمع ليس هديرا طلابيا وإنما هديرا للشعب فقد أصبح طلبة جامعات وكليات إيران لسان حال معبر عن تلك الاختلاجات السياسية الشعبية المستمرة، اختلاجات كانت تارة خافتة وتارة تتحول إلى أصوات أعلى من سقف الغيوم والأفق المغلق. ها نحن نراهم اليوم الفتيان الشجعان، فتيان وفتيات شبابية، ينتفضون بسخط عميق ولا متناه وهم يكسرون حاجز الخوف والقمع، الذي شيّده النظام لنفسه وسيّج نفسه به منذ لحظات انتصار الثورة ضد الشاه. ما تشهده اللحظة التاريخية في إيران ليست إلا تعبيرا حقيقيا عن عجز النظام لمعالجة أخطائه المتجذرة، ولرؤية الخيار التاريخي الجديد الأكثر انسجاما مع المتغيرات العالمية، المتغيرات التي تطالب بها الشعوب من اجل الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فالثورة ليست تسويقا للشعارات وليست تزييفا للحقائق وتدليسا للمفردات الكلامية الوهمية، مثلما الثورة ليست قلعة للاستبداد والاستفراد والهيمنة، وإنما المكان الطبيعي في حق الشعب كله في المشاركة والتغيير. هستيريا النظام القمعي مع الطلبة في عواصم إيران وجامعاتها سواء في غربها أو شرقها، جنوبها ووسطها وشمالها، فكلها في لحظة انصهار وتلاحم واحد وصوت جماعي جديد لا ينتمي للماضي وإنما يهرول نحو المستقبل، لهذا هتافات يا أيها النظام »ارحل« صارت نغمة واحدة في شوارع البلاد طولا وعرضا، ففي ساحة انقلاب يتردد صوت ينادي بإطلاق سراح السجين السياسي، فهل تجدي تغطية أكشاك الهواتف العامة في محيط جامعة طهران؟! وصفوف الشبان في طهران يجترحون العجائب ويبدعون لمنطق الانتفاضة. تنتج الانتفاضة صوتها الطلابي كمقدمة لمشروع ومخاض قادم لا يمكن أن تخطئه العين، ولن ينفع كبح جماح أمواج المد العاتي لبحر الانتفاضة الملتهبة والاعتقالات الواسعة في صفوف الشبان في طهران وجامعاتها، لن يصمت صوت وأمواج هدير جامعة أمير كبير «جامعة أهواز»، مظاهرات الطلاب في زنجان، ايلام وبندر عباس، وسيستان وبلوشستان »تبريز« جامعة مازندران «مدينة ساري» طلاب وجامعات مشهد ورشت وكرج واورميه ومريفان وبروجرد، وبهبهان وكرمان وياسوج وهمدان وكرمنشاه وقزوين واراك وجامعات نجف آباد وهرمزكان ومراغه ومريفان وسفز، ومدن وجامعات أخرى في سلسلة المحتجين والغاضبين، حتى وان ازدحمت مراكز الشرطة بالمعتقلين الشباب. أمامنا اليوم مشهد من مشاهد زمن أمريكا اللاتينية والانقلابات العسكرية القديمة، حيث زج النظام بقواته العسكرية في الشوارع، فيما راحت قوات الباسيج تلاحق الطلبة من بيت إلى بيت ومن جامعة إلى جامعة، وتفتش في الهويات والهواتف النقالة، بل وتفتش في ضمير الإنسان الإيراني فربما يخفي تحت قشرة الرأس كابوسا من رجال المقاومة الوطنية ومجاهديها، وزهور نسائها المنتشيات برائحة النصر. شعب يحتضن بين ضلوعه امرأة من نمط زهراء أسد بور جرجي وابنتها فاطمة وابنها المعتقل رضا، حتما سينتصر، فسيرة عائلة معتقلة بأكملها تذكرني بحكاية رواية الأم الروسية، فقد وضعت زهرا لمدة عامين في المعتقل لمجرد انها زارت ابنها في مدينة اشرف! شعب بتلك الروح القتالية لا بد وان يخصب جيلا من المتعطشين للحرية وأغنيتها الصادحة في شوارع طهران. في يوم الطالب الإيراني صار فضاء إيران المزدحم بالأسـئلة إلى أين تمضي مسيرة الغضب والى متى تبقى المشاعل مضيئة؟
 
صحيفة الايام
15 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

القمة الثلاثون لمجلس التعاون الخليجي

عن المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الراحل صدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1980 دعوته لإخوانه حكام الدول الخليجية الخمس الأخرى لتشكيل تكتل إقليمي لهذه الدول. وقد أعلن عن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة أبوظبي العام .1981 واليوم، الاثنين، تنطلق القمة الثلاثون للمجلس على أرض الكويت الشقيقة. وبهدف متابعة أعمال القمة وتغطيتها عن كثب سأكون هنا من بين أكثر من 300 إعلامي خليجي وعربي وأجنبي تمت دعوتهم من قبل اللجنة الإعلامية المنبثقة عن اللجنة الخاصة للإعداد للقمة.
الأهمية الاستثنائية لهذه القمة أنها تأتي وسط تلاطم أمواج أزمة اقتصادية عالمية حادة انطلقت موجتها الأولى من مركز النظام الرأسمالي العالمي، وها هي مقدمات الموجة الثانية تنطلق من أطرافه. كما أنها تأتي وسط أوضاع داخلية غير مستقرة في كل من اليمن والعراق وإيران، وهي دول كبيرة في منطقة الخليج والجزيرة العربية، لكنها خارج إطار المجلس.
الموجة الثانية للأزمة الاقتصادية العالمية والتي شهدنا أول علائمها في دبي ترسل إلى القمة رسالة قوية مفادها أن تجربة التعامل مع هذه الأزمة والتي جرت لحد الآن على هيئة قرارات سياسية من قبل كل كيان خليجي بشكل انفرادي يجب أن تنتهي. فالعالم من حولنا يخوض معركة مواجهة الأزمة عبر جبهات تشكل كل منها تكتلا اقتصاديا إقليما. وبما أن عنوان الأزمة مالي في الأساس، لذلك فإن السعي لبناء نظم إقليمية مالية ونقدية على أنقاض النظام المالي- النقدي العالمي ذي المركز الواحد يشكل العنوان الرئيسي للخروج من الأزمة ببدائل مسبباتها. بالنسبة لمنطقة الخليج المصدرة لأهم سلعة استراتيجية في مبادلات التجارة الدولية، وذات العوائد المالية المتراكمة في شكل ‘’فوائض’’ دولارية، فإن مسألة بناء هرمها النقدي والمالي الإقليمي تعتبر حيوية للغاية. وفي الأيام الأخيرة قبيل انعقاد القمة الثلاثين تتسارع مؤشرات التوجه نحو إقرار مشروع الاتحاد النقدي والعملة الخليجية الموحدة على نحو إيجابي. ففي الأسبوع الماضي صدَّق برلمانا الكويت والبحرين على هذه الاتفاقية ليصبح عدد الدول الموافقة أربعا. كما أذاعت ‘’كونا’’ خبراً عن مساع كويتية من أجل عودة الإمارات وعمان إلى خطة العملة الموحدة. بقي أن ننتظر بتفاؤل أن تسجل القمة الثلاثون إعلان الاتحاد النقدي والعملة الخليجية. وسواء تضمنت الخطة نقلة جماعية مباشرة أو اعتمدت الآلية المرنة التي اقترحتها الكويت قبل ثلاث سنوات والتي تسمح بالانتقال بسرعات مختلفة، فإن آمال شعوبنا بهذا الصدد يجب ألا تخيب. أما مسألة الارتباط بالدولار من عدمه، رغم اعتقادنا بأهميتها الحيوية وانتمائها إلى مستوى الاقتصاد السياسي فلا ضير من اعتبارها حاليا مسألة ‘’فنية’’ يمكن إرجاؤها إلى ما بعد القمة.
إن عددا من التحولات التكاملية الطابع يخلق حاضنة طبيعية لقرار إيجابي بشأن الاتحاد النقدي والعملة الموحدة. ففي يوم الافتتاح نفسه سيجري حفل تدشين مشروع الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الذي انتهت مرحلته الأولى بربط البحرين والسعودية والكويت وقطر. وستضم المرحلة الثانية ربط الإمارات وعمان. أما الثالثة فهي ربط الشبكتين في شبكة خليجية موحدة تشكل قاعدة للدعم المتبادل بين دول المجلس في مجال الطاقة الكهربائية عصب الصناعات لبلدان المنطقة وتلبية الحاجات الاستهلاكية لشعوبها. كما ستشهد الفترة الأولى من العام 2010 بدء العمل في تنفيذ الجسر الاستراتيجي الموصل بين الشقيقتين قطر والبحرين ومعه القطار السريع. وكذلك مد طرق السكك الحديد داخل وعبر دول التعاون. كما سيناقش المجلس دعوة قطر لتأسيس بنك إقليمي خليجي استثماري لتمويل المشروعات التنموية على غرار البنك الأوروبي للتنمية.
وإذا كان هدف هذه المشاريع التكاملية النهائي هو وحدة شعوب دول المجلس وتلبية حاجات تطورها، فإن مسألة إشراك هذه الشعوب في صنع وتنفيذ القرار على مستوى كل دولة وعلى مستوى المجلس أصبحت تطرح نفسها بإلحاح في ظل التطورات السياسية التي يشهدها العالم.
وبما أن دول ‘’التعاون’’ تقع في محيط الخليج والجزيرة الأوسع من إطار الدول الست، فإن علاقة ‘’التعاون’’ بكل من ثالوث إيران، العراق واليمن سيعتبر من أهم محكات اختبار السياسية الإقليمية المشتركة لدول التعاون. إن تحييد العامل الأيديولوجي المذهبي الديني في التعامل مع بلدان هذا الثالوث يعتبر الحاسم للانتقال بالعلاقات نحو ترسيخ دعامات قوية لبناء الأمن والاستقرار والتعاون من أجل التنمية في عموم المنطقة. ولعل دعوتا نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد صباح السالم ووزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في افتتاح مؤتمر ‘’حوار المنامة’’ السادس الجمعة الماضية تشكلان ملمحا مهما للسياسة الإقليمية المقبلة لمجلس التعاون.
لقد لعبت دول ‘’التعاون’’ كلا على انفراد أدوارا مهمة في التعامل مع الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط عامة والقضية الفلسطينية خاصة. وواضح أن هذه الأدوار لم تأت متناغمة في كل الأوقات. وبينما لا يمكن لمجلس التعاون أن يضمن استقراره وتطوره بمعزل عن الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية حلا عادلا على أساس قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، فإن المصلحة الذاتية والقومية تقتضيان صياغة سياسة خليجية واضحة على هذا الصعيد.
وبينما سيكون من مصلحة بعض الدول الكبرى الاستفراد بدولنا الخليجية في اتفاقيات اقتصادية أو أمنية ثنائية على غرار اتفاقيات مناطق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن مصلحة مجلس التعاون في نسج علاقاته المتعددة الجوانب بدول العالم وتكتلاته الإقليمية بشكل جماعي في إطار المجلس. وهذه أيضا إحدى أهم القضايا التي ينتظر الرأي العام الخليجي فيها رأيا من القمة التي نتمنى لأعمالها كل النجاح.
 
صحيفة الوقت
14 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

الحرس: عقدة المشكلة

ليست المشكلة في الاثني عشرية وليست في الشعب الإيراني، المشكلة في الحرس الثوري الذي يريد “الثورة” في زمن إيران لم تعد فيها ثورةٌ إلا ضده.
الذين يريدون حرفَ المشكلة إلى الشيعة، فإنهم يسكبون مزيداً من الزيت على النار، الإيرانيون ونحن والعالم بأسره مشكلتنا هي مع قيادة الحرس الثوري غير المتبصرة، وغير الحكيمة.
بل لنقل ان بعض رجال الدين الشيعة الكبار اتخذوا مواقف تجاوزوا فيها رجال الدين من المذاهب الأخرى.
حتى قيادة الإمام الخميني كانت تجري في ظرفٍ مغاير عن الآن، كانت فيه ولاية الفقيه مُبررة بعض الشيء في ذلك السياق المؤقت، حيث استولى على إيران نظامٌ قمعي دموي فاسد، لم يعطِ أي مجال لنمو خيارات دينية و”نهضوية” ويسارية عقلانية سلمية وديمقراطية، وشكل قوة سافاك بمئات الآلاف من البشر، اتخذت أساليب تصفيات دموية مروعة يومية.
قادت مجازرُ السافاك إلى أنماطٍ سياسية مضادة كليا، أي إلى اتخاذ العنف والارهاب بديلاً، لكن ولاية الفقيه بعد مضي سنوات على استقرار النظام لم يعدْ لها مبررٌ البتة ولكن العسكريين والبيروقراطيين والدينيين السياسيين الذين آلت إليهم الكراسي والثروة، تشبثوا بها، وكونوا سافاك آخر أكثر اتساعاً وشمولية، وتدخلاً في شؤون المواطنين الأسرية والمظهرية والروحية.
كانت الدكتاتورية إنسانيا مرفوضة في الفكر الغربي الديمقراطي لدى اليمين واليسار، لكن بعد مجازر كومونة باريس سنة 1870 بحق الآلاف من العمال ظهرت في الفكر الاشتراكي عبارةٌ خطيرةٌ هي “دكتاتورية البروليتاريا”.
لكنها ظهرتْ كفترةٍ سياسيةٍ مؤقتةٍ يقرُها برلمانٌ منتخبٌ لمدة معينة استثنائية، وليس كحكمٍ مطلق، ولكن الساسةَ الشموليين الشرقيين حولوها إلى نظامٍ سياسي مطلق.
كان الإمام الخميني يتخلى عن ثروتهِ وهو يقارعُ أركانَ الإقطاع، الذي رفضَ الإصلاحَ الزراعي، أبسط إجراء تقدمه ثورةٌ “شيعية” مُفترضة للشيعةِ أكثر الناس المُجحفين والمظلومين والعاملين في ميدان الزراعة على مدى قرون في منطقة الشرق.
وكان ناقلاً للتراث الديني اليميني المحافظ، من دون أن يقوم بنقدهِ ورؤيتهِ كنسيجٍ عبادي فقهي جيّرهُ الإقطاعُ السياسي لخدمتهِ خلال استيلائه على مصير عامة المسلمين وتفكيك صفوفهم من ناحية الأمم ومن ناحية الطبقات ومن ناحية الجنس بين الرجل والمرأة.
ولهذا كان السيد حسين منتظري قد تنامتْ نظرتهُ ووضعَ ولايةَ الفقيه بين قوسين، وبدأ ينفصلُ عن ولايةِ الفقيه كعقيدةٍ، وليس كإجراءٍ سياسي مؤقت، له مبرراتهُ في ظرفٍ تاريخي عابر، لكنه لا يمتلكُ الديمومةَ الشرعيةَ، لا في القرآن ولا في السنة، فشقَ طريقَهُ ليكونَ نظرةً هي الأبقى لرجال الدين شيعةً وسنةً بشكلٍ خاص، لأنهم، كما طرح ذلك، المسؤولون عن ديمومةِ الإسلام أكثر من بقية المذاهب. لقد وضع حجرَ الأساس لإسلامٍ ديمقراطي، بعد جهاد الإمام الخميني في رفضِ التبعيةِ للاستعمار، وفي سبيلِ دولةٍ شعبية يعيشُ فيها الناسُ برفاه.
ولا يمكن تشكلُ النظام المنتظر المعبر عن الناس دفعةً واحدة، بل لابد له من تراكم تجربة ولابد من مؤسسات ديمقراطية تتشكل بين الناس خاصة، وكان ذلك غير متوافر في بداية الثورة، فيجب عدم أخذ النصوصية السياسية وتحويلها إلى مطلق، وهو الأمر الذي فعله المكونون لأنظمة الاستبداد في القرون السابقة.
منتظري إذًا هو اكثر رجال الدين المسلمين إخلاصاً وبُعد نظر، حين رفض دكتاتورية رجال الدين، وأن يكونوا أسياداً مستبدين مطلقين خاصة داخل جهاز السلطة، وأن يستخدموا أدوات العنف، لاستمرار نفوذهم، وهذا الاجتهاد التضحوي من قبله كان يعني قوةً مستقبليةً للمذهب وللإسلام عامة، لأن تبعية الإسلام لأجهزةِ الدولِ يضرهُ ضرراً كبيراً، مثلما تدهور حال الفكر الاشتراكي لجعلهِ أداةً لتبرير سلطات شمولية عبر ولاية الفقيه الاشتراكي، مما جعله يعاني أزمة بدأ يتعافى منها الآن بعد أن خرج من استبداد السلطة.
وقد رفض أئمةُ المسلمين شيعةً وسنةً هذه التبعية لأجهزة الحكم، وفضلوا عليها الاستقلال، وقد أُحضر للإمام جعفر الصادق كتابٌ لكي يملكَ إمبراطوريةَ المسلمين من الصين حتى افريقيا من قبل أبي سلمة الخلال القائد العباسي المتحكم وقتها، فحرقَ الكتابَ على ضوءِ شمعة وفضلَ الفقهَ ودراسة علم الكيمياء، وحاول أبوجعفر المنصور أن يتحكم في الإمام أبي حَنيفة النعمان بكلِ وسيلةٍ من إغراءٍ وعنف، فما استطاع أن يلوي إرادته العظيمة، و”مات” في السجن.
فما بالك أن يكون هؤلاء الفقهاء في قمة السلطة، وفي بحار السياسة المتلاطمة، وبين أيدي العسكر وأجهزة المخابرات يحيطون بهم من كل جهة، ويراقبونهم، ويعزلونهم عن جمهورهم، ويقدمون لهم معلومات مشوهة، وتقارير زائفة، ويفسدون أصحاب النفوس المريضة من رجال الدين، وبالتالي ينشرون الفسادَ السياسي باسم الدين، وباسم رجاله الشرفاء؟
ولو كان حتى هؤلاء الضباط والحرس يعملون في ظروف دفاع عن أرض، ويكونون مُعتدى عليهم، فذلك أهون، ولكن حين يجعلون أنانيتهم ومصالحهم الفئوية ويهددون عالم المسلمين بالحرب والخراب ويعبثون بملايين الأرواح، حينئذٍ تكون المسألة كارثية، على جميع البشر.
ولهذا فإن مواجهة هذا الخطر ينبغي أن تكون من مسئولية الجميع، وأن يحددَ الخصم بدقة، ولا يتم توسيعه بلا مبرر، وأن تُساعد قوى السلام والنهضة في إيران، وقد قفز هتلر إلى الكوارث الكونية بسبب هذين الجهل واللامبالاة من قبل قوى السلام والديمقراطية في ألمانيا.

صحيفة اخبار الخليج
14 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

أصابع فيكتور هارا العشر

حين يرد اسم تشيلي، يقفز إلى أذهاننا، بين أشياء وأسماء جميلة عدة، اسم بابلو نيرودا، الشاعر العظيم الذي طاف اسمه العالم كله، حتى قبل أن تمنحه الأكاديمية الملكية في السويد جائزة نوبل، كما يحضر اسم ايزابيل الليندي، الروائية الرائعة التي مازالت تدهشنا برواياتها وبفصول السيرة الذاتية لحياتها التي تحولها كتباً ممتعة. ومن كانوا فتية وشباناً مأخوذين بالحلم الثوري في السبعينات الماضية وما تلاها في العالم العربي يتذكرون جيداً اسماً جميلاً آخر: فيكتور هارا، المغني الشعبي التشيلي، الذي اغتاله جلادو الطاغية بينوشيه، غداة الانقلاب الدموي الذي دبرتهُ المخابرات المركزية الأمريكية وتلوثت بدمه أيادي وزير الخارجية الأمريكي يومذاك هنري كيسنجر. الشاعر المصري بالعامية زين العابدين فؤاد، أومأ الى هذا المعنى في قصيدة جميلة تعود لزمن الوعود ذاك بقوله: “الدم في طبق الرئيس الأمريكاني، الدم في طبق الوزير المعجباني”، في الزمن الذي كان فيه كيسنجر يجول المنطقة العربية مكوكياً، وهو يوظف نتائج حرب أكتوبر في اتجاه آخر غير ذاك الذي كانت آمال الشعوب العربية تتوجه نحوه، لكن هذا حديث آخر ليس هذا وقته ولا مكانه. حين حين استولى بينوشيه على الحكم، فتح استاد سنتياغو الرياضي الكبير للمعتقلين من مؤيدي الرئيس الشرعي المنتخب سلفادور الليندي، لأن زنازين السجون لم تكن تكفي لاستيعاب مئات الآلاف من المعتقلين. والى الاستاد المذكور أحضر، أيضاً، هارا. أحد شهود العيان الذي فر من المذبحة روى أن أحد الضباط أمر باحضار الغيتار وقدمه للشاب فيكتور هارا، طالباً منه العزف، إلا أن هارا رفض قائلاً إن موسيقاه للحياة لا للموت، فما كان من الضابط إلا أن قطع أصابع هارا العشر، قائلاً له إن بوسعه الآن أن يعزف موسيقى الموت، ثم أجهز على حياته بالرصاص. منذ نحو اسبوعين شيعت تشيلي في مراسم حضرها الآلاف، جنازة تأجل موعدها ستة وثلاثين عاماً للمغني الشعبي الشهير، وكانت جثته استخرجت في يونيو/ حزيران الماضي لتحديد ملابسات قتله بدقة، حيث تأكد بعد فحص الرفات أن أصابعه قطعت فعلاً. من المفارقات الموجعة أنه قتل في الاستاد الرياضي الذي كان يضج بالحشود الهائلة، تصفق له وتغني معه حين فاز في مسابقة الأغنية الوطنية التشيلية الجديدة في مطالع شبابه، وبعد سقوط الديكتاتورية، وعودة الديمقراطية الى تشيلي أطلق اسمه على هذا الاستاد بالذات تخليداً لذكراه ليكون في ذلك عظة للمستقبل. كان عالم الفلك الروسي نيكولاي شبرنج قد مجد ذكراه بإطلاق اسمه على كوكب اكتشفه بعد أسبوع من اغتياله. أرملته روسا التي حضرت الجنازة قالت بتأثر متمالكة نفسها وحابسة في مقلتيها الدموع، وفي قبضتها اليمنى قرنفلة حمراء: “كان هناك فيكتور هارا واحد فقط واختطفوه منا، نحن هنا رداً على ما انتزعوه منا”. ان الله يمهل ولا يهمل. فمآل الطغاة مهما طال أمد طغيانهم الى النسيان والخزي، أما المبدعون الكبار الذين شكلوا وجدان البشرية فيظلون أحياء في الضمائر. نهر خالد للحرية يعبر الحياة، مثله مثل الزمن لا يُبلى ولا يشيخ. ذاكرة طازجة تُلهم كل الذين يتوقون لأن يكون هذا العالم أجمل وأروع، والذين يدركون ان ذلك لن يحدث من تلقاء نفسه، انما بإرادة التضحية التي لا تهون.
 
صحيفة الايام
14 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

ليُبادر إتحاد النقابات بتدشين عريضة مطالب الطبقة العاملة


 
كل التوقعات تـُشير إلى أن القادم هو أسوأ من الواقع في ظل الأزمة المالية الطاحنة والذي ضرب زلزالها المدمر بيوت الأسر الفقيرة، ودفع أبناء الطبقة العاملة أثماناً غالية، كان أبهظها فقدان وظائفهم، وحرمان أطفالهم  مصادر رزقهم، حيث دخلهم الضعيف  ذي الدنانير الزهيدة. 

 ولا نبالغ حينما نقول إنّ العديد من العمال والموظفين قد تمّ فصلهم من وظائفهم بشكل تعسفي وعلى يد كبرى الشركات التي كان من المفترض أن تصمد بوجه الأزمة وتخلق بل تختلق بدائل أخرى للحد من التكاليف، بعيداً عن حرمان المواطن من مصدر رزقه، ولكن هي ديمومة رأس المال وطاحونة سوقه المترنحة التي لا ترسو بحلولها إلا على أن يكون العامل والموظف هما كبش الفداء.

وأمام واقع كهذا قد اختبرناه بصورة واقعية وشاهدنا كم عجزت وزارة العمل عن التصدي لأرباب العمل والوقوف بوجه قراراتهم اللا مسئولة والمعدومة من الحس الوطني، وكيف كانت في أفضل وأحسن الأحوال تأتي بحلول التعويضات الزهيدة وغير المنصفة لشقاء العامل وضياع سنوات عمره التي أمضاها أجيراً مُطيعاً في خدمة رب العمل، فتلك التعويضات ما هي إلا كذر الرماد في العيون، فمن فقدوا وظائفهم أصبحوا أعداداً متزايدة في طوابير البطالة وأرقاماً متصاعدة تستنزف صندوق التعطل الذي من المفترض أن يكون مسانداً للباحثين عن عمل وليس تقديم  جرعات مخدرة لأسراب المفصولين وضحايا الأزمة المالية والخصخصة التي أعلن عنها مؤخراً الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية بوضوح وفي أكثر من مناسبة على أن الدولة متجهة نحو خصخصة العديد من القطاعات والمشاريع الحكومية، ومقبلة على فتح اعتماد سياسة الباب المفتوح للاستثمارات الأجنبية،.

تلك الاستثمارات لا نظن أنها ستحتضن العمالة الوطنية في الوقت الذي ترفض ذلك الشركات الوطنية والقطاعات الحكومية….!! وكلنا يعلم ماذا تعني تلك الاستثمارات الأجنبية وما هي ويلات الخصخصة وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية على الطبقة العاملة خصوصاً في ظل غياب الضوابط المنظمة لها وبالشكل الذي يضمن ويراعي حقوق العاملين. إن بلداً كالبحرين لن يكون بأفضل من عمالقة الرأسمال، ففي أمريكا اليوم ملايين العاطلين ونحن كذلك لدينا الآلاف وقد طحنت الأزمة المالية وقذفت بملايين العمال لمواجهة الفاقة والحرمان وها هنا نحن أيضاً كان لتداعيات الأزمة مئات الضحايا من الموظفين والعمال في ظل تزايد وتسارع مهُول في نسبة العمالة الأجنبية. 

 بالمقابل هناك ارتفاع في تكاليف المعيشة يقابله تدني حتمي في الأجور وتدهور القدرة الشرائية. إنها مؤشرات مخيفة لا يعلم أحد ما هي تداعياتها المستقبلية، ولكن مما لا شك فيه أن الطبقة العاملة ستكون دوماً هي كبش الفداء، وأولى الفئات الاجتماعية المتضررة وهنا تأتي ضرورة تدشين عريضة عمالية تـُمثل مطالب الطبقة العاملة وتتحمل مسؤوليتها وأمانتها التاريخية الحركة النقابية وبمقدمتها الإتحاد النقابي والذي عليه تقع المسؤولية للمبادرة على مستوى الوطن للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة وإبراز معاناتها ومطالبها الشمولية للجهات الرسمية والمسئولة بالدولة.
 إن الاكتفاء بالحلول الجزئية والمشاكل الفردية المتناثرة هي بالأساس جزء من قضية عامة ذات صلة بالتشريعات العمالية وأنظمتها وكذلك مسودة قانون العمل التي لازالت -ربما في أروقة مجلس الشورى-  فتلك المسودة هي معضلة بحد ذاتها فعلى الإتحاد العام لنقابات عمال البحرين وأمانته العامة تعقب ذلك، فمسودة القانون تلك تحمل في طياتها بنوداً و مواداً لا تصب في مصلحة العمال و تـُقزم حقوقهم. 

 من جانب آخر هناك تهميش وغياب لقانون الحد الأدنى للأجور إلى جانب بقاء الحد الأدنى للراتب التقاعدي على حاله ولا يوجد ما يحمي العامل من الفصل التعسفي. كل ذلك، جملة من الأمور تُشكل طامة كبرى نحو مصير ومستقبل الوضع المعيشي للطبقة العاملة وهي بالأساس مطالب جوهرية للعمال لابد من حلحلتها عبر عريضة جماهيرية للطبقة العاملة تـُجّسد وحدتها ومطالبها الرئيسية وبالتالي يكون محور تبنيها وتدشينها ومركز انطلاقها الإتحاد العام للنقابات والذي عليه أن يُجدد أسلوب تعاطيه مع الأحداث ويـُنظم جهوده ويوحد كياناته النقابية المترامية والمتناثرة والمُغيّبة ويُصلح من بيته الداخلي المصاب بالشلل ودائرة الروتين. 

 فالحركة النقابية لابد أن تأخذ مواقعها المتقدمة في النضال من أجل تحقيق المزيد من المكاسب للطبقة العاملة وتبني مطالبها الجوهرية، فقد آن الأوان للنزول للشارع العمالي وتلمس واقعه وتوحيد صفوفه بعيداً عن المقاعد الوثيرة والغرف المُكيفة، وبرتوكولات الإعلام ودبلوماسيات دوائر المسئولين. 

 فالحركة النقابية ليست “وزارة الخارجية أو سلك دبلوماسي” إنها القوة الضاربة لتمثيل حقوق العمال والدفاع عنها بإستماتة فلن تتطور الحركة العمالية والنقابية بالتكتلات الفئوية الضيقة ولوبيات الأطراف وخندقة الإقتسامات والانقسامات الشخصية. إنّ القوة التفاوضية للحركة النقابية ومكانة إتحادها هي مكانة جماهيرية وعددية، وهذه المكانة لن تتحقق إذا ما ظلت الغالبية من التشكيلات النقابية في عداد المحنطة ويتم التعامل معها بشكل انتقائي. 

 وإنّ  صحّ ما أثاره النقابي باسم كويتان عضو مجلس إدارة نقابة عمال ألبا في الصحافة مؤخراً بأن هناك (فيتو) من الإتحاد ضد نقابة عمال ألبا، فهذه كارثة في أن يتم استبعاد أكبر وأقوى نقابة ويتم التعامل معها بحساسية أساسها طائفي وحزبي، وهذا التوجه لا علاقة له بالعمل النقابي، هذا يذكرنا بأجواء انتخابات الأمانة العامة ويُعيد كذلك للأذهان ضرورة إعادة تعديل النظام الأساسي للإتحاد الذي من غير المعقول أن يقبل بوجود عضو بالأمانة العامة للإتحاد في الوقت الذي لا صلة لذلك العضو بالعمل النقابي في أية منشأة.! فهذا نظام أقرب للوراثة منه للعمل الديمقراطي.

 إنّ حل تلك الإشكالات العميقة بحاجة للإيمان بمبدأ النقد والنقد الذاتي لا بحذلقة الردود وتبرير المواقف بنظرة ضيقة للأمور لا ترى إلا أرنبة الأنف، فتبتعد كثيراً عن آلية وعملية رسم مستقبل الحركة النقابية الذي معني به الإتحاد العام وهو مدعو اليوم لمراجعة وتقييم تجربته والبحث عن سبل جمع الكلمة وتوحيد الصفوف، ونرى وبكل أمانة وبشكل مرحلي أن تبني إطلاق شرارة العريضة العمالية متضمنة مطالب الطبقة العاملة المحورية لهو بداية لانطلاقة جديدة نحو توحيد الصفوف وجمع الكلمة ونقلة نضالية نوعية نحو الدفاع عن الحقوق المشروعة للطبقة العاملة.



نشرة التقدمي ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

تقرير المحامي الاسترالي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان


مثلما تحتفل الشعوب ومختلف الاحزاب الوطنية ومنظمات حقوق الإنسان، وطالبو الحرية على وجه البسيطة، بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في يوم العاشر من ديسمبر من كل عام بعلامات مضيئة.. فإن الأنظمة الدكتاتورية يظل لسان حالها ينطق بالنقيض، وذلك انعكاسا لمراسيم العزاء الكئيبة التي تلقي بظلالها على سياسات تلك الحكومة الاستبدادية أو الاخرى بعلامات مظلمة.

وبحسب ما يمثل الإعلان العالمي لحقوق الانسان الركائز الأساسية في دعم حقوق الإنسان والسعي إلى تحرير الشعوب المضطهَدة من القهر السياسي بكسر قيودها وتحطيم اغلالها، ومناصرة المسحوقين من الطبقات الدنيا من الفقراء والكادحين في رفع غطاء الظلم الاجتماعي والطبقي عن كواهلهم.. فان البطائن الفاسدة من الحكام الطفيليين والمستبدين، تظل أياديهم المرتعشة على قلوبهم، خشية من فضحهم وافتضاحهم بكشفهم عن ضمائرهم الميتة التي داسوا عليها، بقدر إماطة اللثام عن جرائمهم التي ارتكبوها بحق شعوبهم ومجتمعاتهم.

تمر الذكرى الحادية والستون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فتواصل الشعوب نضالاتها من أجل انتزاع حقوقها وحرياتها، حسبما تجدد مغازي ودلالات شعار فيلسوف الثورة الفرنسية “جان جاك روسو” القائل: “ولد الناس أحرارا متساوين في الحقوق”.

ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدقت عليه هيئة الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948م، قد يمثل امتدادا للثورة الفرنسية في عام 1789م، والثورة الصناعية في عام 1848م، وتواصلا مع المبادئ الأممية لأصول الفلسفة الماركسية، منذ اصدار “البيان الشيوعي” في عام 1848م، وتأسيس “الأممية الأولى” في عام 1864م.

وهكذا تبقى الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان مضيئة، مثلما يتسم هذا الإعلان العالمي بالشجاعة الأدبية، ويزخر بالمواقف المبدئية والبطولية، لكشفه غطاء المؤامرات للدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا، والتي شردت شعبا بأكمله، واقتلعته من أرضه، حينما احتلت بريطانيا فلسطين، وصادرت أرضها إلى يهود الشتات وعصابات المافيا الصهاينة، عبر مخططات تآمرها، ومراحل احتلالها الاستعماري لفلسطين، منذ وعد بلفور الأسود في عام 1917م، مرورا بالانتداب البريطاني على فلسطين في عام 1924م، وتواصلا بعام النكبة  1948م.

ولعل الشيء بالشيء يذكر هو حينما أقدمت الدول الغربية، وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا، على استعمار دول العالم الثالث وصادرت خيرات شعوبها، وبالتالي أوجدت أنظمة استبدادية بحسب مقاساتها وسياساتها، نصبتها ككلاب حراسة لمصالحها الكولونيالية.. فان هذه الأنظمة الاوتوقراطية في الوطن العربي خاصة والعالم الثالث عامة، تمثل الوجه الآخر من الدكتاتورية والاستبدادية.. لكون بعضها افتقد شرعيته، وافتقر الى مقوماته السياسية والإدارية، وتشكيلته المجتمعية والمؤسساتية لعوامل تعود أسبابها الأساسية إلى تزوير الانتخابات الرئاسية من جهة، وتعديل الدستور بشكل استثنائي، بما يتماشى ومصالح هذا الحزب الحاكم، ومصالح هذا الرئيس، الذي جرت عليه العادة المألوفة تمديد رئاسته، بعد ان أصبح قاب قوسين أو أدنى من العجز والشلل، أو تمديد ولايته الرابعة أو الخامسة، بعد ان تجاوز السن القانونية التي لا تسمح له بالانتخابات الرئاسية.. ناهيك عن بروز نظام حكم التوريث للأبناء والأحفاد أيضا.
أما البعض الآخر من الحكومات، فهو مفروض على الشعب، بلغة الدم والحديد، وبالأحكام “البوليسية” والعرفية، وقوانين الطوارئ وأمن الدولة، مقرونة بفتح المزيد من السجون والمعتقلات، ومصاحبة بغرف التعذيب الرهيبة.

ولعل بهذا الصدد وبمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فان التقارير الدورية الصادرة عن مختلف جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان العربية والدولية، وفي مقدمتها “لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب”.. قد كشفت عن واقع تلك السجون القمعية، وغرف التعذيب الأكثر قمعا.. وذلك من خلال زياراتها الميدانية، ومتابعاتها الراصدة، تدعمها الأرقام والإحصائيات، وتؤكدها تداعيات الحقائق والوقائع.. ويكفي بهذا الإطار ان نستشهد بالتقرير الذي انجزه “مانفريد نواك” “المحامي الاسترالي المدافع عن حقوق الانسان، والمقرر الخاص للأمم المتحدة للتعذيب والاشكال الأخرى من المعاملة الوحشية وغير الانسانية”، والصادر هذا التقرير في يوم 20 اكتوبر 2009م.. يقول “مانفريد نواك” خلال تقريره: “يمكن أن يقضي سجناء في سجن بأوروجواي سنوات داخل صناديق من الصفيح تصل فيها درجات الحرارة إلى (60) درجة مئوية”.. ثم يستطرد من خلال التقرير ذاته، ليكشف عن عورة نظام دكتاتوري آخر وأساليبه القمعية بحق المعتقلين قائلا: “في حين توجد نساء وأطفال بين سجناء محتجزين داخل “غرفة تعذيب” في نيجيريا، واخضاعهم إلى سبل التعذيب من ضمنها اطلاق اعيرة نارية على السيقان وترك المصابين باصابات بالغة من دون علاج”.

إن ما يبعث على فخر المناضلين في كل مكان، ان تقرير المحامي الاسترالي “مانفريد نواك” قد كشف القناع عن الحقائق المؤلمة للشعوب المضطهَدة، ليمتد بدلالاته وحقائقه فيشمل السجون المنسية.. إذ يقول التقرير: “هناك السجون المنسية ومعاملة الاطفال معاملة وحشية في عشرات الدول التي زارها المحامي الاسترالي”.
ويصرح “مانفريد نواك” أيضا من خلال تقريره مسترسلا: “ان التعذيب شائع في شتى انحاء العالم العربي” ثم مضيفا بقوله: “ان معظم الدول العربية رفضت السماح له بزيارة سجونها ومراكز الاعتقال بها”.. ويختم المحامي الاسترالي المدافع عن حقوق الانسان من خلال تقريره القيم، بكشف فضائح الأنظمة الدكتاتورية بحق شعوبها وبحق الاحزاب التقدمية والرموز الوطنية.. مخاطبا أحرار العالم: “ان هناك نحو عشرة ملايين سجين في شتى انحاء العالم في أوضاع غير مقبولة، وان اغلبيتهم في أوضاع تنتهك فيها كرامة الانسان”.

في نهاية المطاف فانه من دواعي فخر الشعوب ان ينحني المناضلون اجلالا أمام هذا التقرير المتصف بالشجاعة والبسالة، والمتسم ببصمات مشرفة، إذ وجد هذا التقرير المكانة الكبيرة في قلوب الشعوب وعقول المناضلين قاطبة.. مثلما يستنهض طالبو الحرية، إراداتهم وهممهم ونضالاتهم من معين الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الانسان
 
أخبار الخليج 11 ديسمبر 2009

اقرأ المزيد

لإتخاذ ما يلزم ..!


اكتب هذه السطور من عَمَان .. حيث ينشغل الناس بموضوع الانتخابات البرلمانية منذ قرار العاهل الأردني بحل مجلس النواب قبل انتهاء مدته الدستورية، والدعوة إلى انتخابات بقانون جديد يضمن انتخابات برلمانية نزيهة من ألفها إلى يائها ، الأمر الذي شكل مدخلاً في أوساط المحافل الحزبية والتجمعات الشعبية والصالونات السياسية والمؤسسات النقابية والوسائل الإعلامية للحديث عن عملية إصلاح قيل بأنه يراد له أن يتواءم مع متطلبات المستقبل أكثر من الدوران في أطراف الماضي.
 
المشهد برمته محمل بتفصيلات ورؤى وتوقعات واجتهادات وسيناريوهات وحسابات وتساؤلات حول دواعي الحل وأسبابه ومقتضياته وإفرازاته، كما لا يخلو المشهد من توجس لدى البعض حول الجدية في المضي قدماً في مسيرة الإصلاح، وحول منسوب النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية المقبلة وما اذا كانت ستكون فوق مستـــوى الشبهــات أم سيعــاد إنتــاج البرلمان السابق بطريقــة مختلفــة ويكــون الجديــد فيهــا تغيير بعض الوجوه ..!

ما يهمنا ويلفت انتباهنا في هذا المشهد أمرين ، الأول ذلك الارتياح في أوساط مواطنين كثر أيدوا واحتفوا بحل مجلسهم النيابي الذي لم يكن برأيهم جديراً بالثناء أو البقاء، وكتبت الصحف الأردنية بأن الارتياح فاق كل تصور في حالة وصفت بأنها تقع في باب المضحك المبكي ، إذ كيف يمكن أن يحتفي شعب ما – أي شعب – يتوق للديمقراطية والدستورية والاستقرار المؤسسي بحل مؤسسته التشريعية بكل هذا الابتهاج الذي تم التعبير عنه في الشارع الأردني بأفصح لغة وأوضح كلمات وبانتقادات هي بمنتهى الصراحة والقسوة ، بل أكثر صراحة وقسوة قيل بأن الأردن لم يشهد مثلها بعد أن اعتبر المجلس المنحل بأنه سجل أسوأ أداء في تاريخ المجالس النيابية الأردنية وحصاده كان شائكاً ومراً وباهظ التكلفة.
 
أما الأمر الذي يلفت انتباهنا ويهمنا ويعنينا هنا في البحرين فهو المتمثل في المشتركات في الحيثيات والوقائع ذات الصلة بأداء وممارسات النواب التي زخر بها المشهد الأردني والتي نجد فيها قدراً مثيراً للدهشة لما هو عليه الحال في واقعنا البحريني ، وهي خلاصة تستوجب التأمل والمراجعة لاسيما وأننا نكاد أو كدنا والسلام نعيش أجواء انتخابات قريبة نأمل بأن تخلو من الشوائب.

من النعوت والصفات وهي منشورة ومتداولة التي عبرت عن امتعاض شديد من مجلس النواب الأردني بعد عامين من عمره والتي يمكن أن نمعن فيها جيداً ونتأمل المشتركات القائمة التي نراها واجبة الاعتبار والاستبصار لأسباب أحسبها معلومة للجميع، نتوقف تحديداً أمام هذه العينة :

– انه مجلــس شكــل عبئــاً سياسيــاً وديمقراطـياً علــى جهــود الإصلاح.
– انه “ مجلس استهلاكي “ لا يمتلك شروط الديمومة والاستمرار والتمثيل الحقيقي للقاعدة الشعبية.
– مجلس بلا وجه ولا وجهة ولا ملامح.
– انه مجلس جعل فيه النواب موقعهم النيابي بقرة حلوب بالحصول على إعفاءات وامتيازات ومكاسب تتناقض مع العدالة .
– انه مجلس اتجه أعضاؤه لخدمة مصالح شخصية وفئوية، وانشغلوا في مناكفات وصراعات داخلية أثرت على الأداء العام للمجلس وأضعفت من دوره التشريعي والرقابي .
– مجلس غيب دور الحركة السياسية المنظمة في الحياة البرلمانية وكرس الإنفاق العام وعزز المظاهر العشائرية ومرر سياسات حكومية بدلاً من مراقبتها .
– انه مجلس شهد ارتفاع منسوب استغلال المنصب والحصانة البرلمانية في قضايا تحمل شبهات فساد .
– انه مجلس مرر قوانين كأمر واقع كان النقاش حولها ينطلق من مصالح خاصة ومساومات من تحت الطاولة وليس من المصلحة العامة.
– انه مجلس شهد فيه غياب نواب عن جلساته دون أي مبرر، فقط لأنهم يريدون التصويت على مشروع قانون بنعم أولاً.
 
القائمة تطول وتطول .. وخلاصتها أن مجلس النواب الأردني المنحل انحرف عن مساره الدستوري وابتعد عن نبض الشارع الأردني ولم يكن رافعة لتقدم الحياة العامة في البلاد، ولم يخدم مسيرة تطور الحياة الديمقراطية ..
المهم أن الأخوة في الأردن باتوا ينتظرون انتخابات مختلفة تؤذن بتحول وإيمان عميق بالديمقراطية ونتائجها، انتخابات بعيدة عن أي تدخل أو تلاعب في إرادة الناخب وتتوفر لها كل مقومات النزاهة والشفافية ..
 أنهم ينتظرون برلماناً يتصدى للمحسوبية والفساد والترضيات والمساومات ، برلمان متحرر من الإملاءات والتوجيهات ويكون أعضاؤه نواب وطن، لا نواب خدمات، ولا نواب مناطق ، ولا نواب قبيلة أو عشيرة أو طائفة.
الأردنيون أمام امتحان لاستعادة ثقة المواطن في العملية الديمقراطية برمتها.. بقدر ما نحن أمام امتحان مماثل في انتخاباتنا البرلمانية المقبلة وهذا قاسم مشترك آخر . وفي الحاليتين يبقى الأمر بالنسبة لنا يستحق التفكير والتأمل والتقييم والمراجعة والتنبه ، وبالنهاية استخلصوا من المقارنة ما شئتم لإتخاذ ما يلزم .. !!
 
الأيام 12 ديسمبر 2009
 

اقرأ المزيد